رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أتون القدر «33»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب



اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية آخر سنة 2000 وكانت مسلحة هذه المرة وقتل فيها قرابة ألف يهودي مقابل خمسة آلاف فلسطيني لم تكن مجرد انتفاضة حجارة وكان من نتائجها الممتازة بالنسبة للفلسطينيين أنه لأول مرة في تاريخ إسرائيل منذ انشائها قام حوالي تسعمائة ألف إسرائيلي من أغنى الإسرائليين وأكثرهم علمًا بالهجرة المعاكسة من إسرائيل إلى الخارج.



وأشرح هنا ما أعتقد أنه دوافع هذه الهجرة المعاكسة وما أريد أن أنهي به الحديث عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ونتنبأ بنهايته والصورة التي أعتقد أنه سينتهي عليها.



وفي خلال نصف قرن من الآن ونتيجة معدل التوالد الأعلى لدى العرب عنه لدى اليهود سيكون عدد الفلسطينيين المقيمين بين البحر الأبيض والبحر الميت سواء تحت الاحتلال الإسرائيلي أم لا، ثلاثة أمثال الأعداد اليهودية، بالإضافة طبعًا لملايين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة وعندما أضع نفسي مكان يهودي مخلص لأهداف الصهيونية أرى أنني هاجرت من أحسن دول العالم في أوربا وأمريكا حيث كان قومي من اليهود أقلية هاجرت إلى فلسطين لأبني دولتي إسرائيل حيث سيكون قومي هم الأغلبية وثقافتي هي السائدة وعندما أفكر أن أحفادي سيعيشون وسط بحر من العرب الأكثر تخلفًا بكثير من الدول التي هاجرت منها إلى فلسطين أجد أن فكرة إنشاء إسرائيل كانت تحمل في طياتها جرثومة فنائها فأفكر في أبنائي وأحفادي وأسارع بالهجرة من إسرائيل إلى دولة متقدمة أبني لهم فيها مستقبلًا أكثر استقرارًا.



فماذا سيكون مصير عدد الملايين من اليهود الذين سيكونون في إسرائيل عندما يكون عدد الفلسطينيين أغلبية ساحقة؟ هل سيتعرضون للإبادة؟ مستحيل تمامًا في اعتقادي أن يحدث ذلك سيكون اليهود الباقون عندئذ أقلية مميزة علمًا وثروة بينما يكون الفلسطينيون هم سلطة الحكم والمثل الحي أمام أعيننا على ذلك هو ما يحدث مع الأقلية البيضاء التي حكمت جنوب أفريقيا ثلاثة قرون تقريبًا بالحديد والنار وقمع الأكثرية من خلال حكم عنصري.


ولما زال هذه الحكم وتسلم الأفارقة السلطة لم يهرب البيض ولم يتعرضوا للإبادة بل بقوا في جنوب أفريقيا أقلية مميزة اقتصاديًا وعلميًا واختتم هذا الجزء عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمقولة عملاق جنوب افريقيا العظيم الزعيم نيلسون مانديلا عندما سئل: هل تكره البيض الذين سجنوك 27 عامًا؟ قال نعم أكرعن جدًا ولكني أحب جنوب أفريقيا أكثر مما أكره البيض ولو هاجر البيض هجرة جماعية من هنا ستسقط جنوب افريقيا في مستنقع التخلف لذلك فمرحبا بالبيض في بلدي.



نعود الآن لاستئناف الحديث عما حدث في باقي المنطقة.



بعد انتهاء الحرب بين العراق وإيران في أغسطس 1988 بتفوق عسكري نسبي للجيش العراقي دفع الإمام الخميني عندئذ إلى مقولته الشهيرة أنه قبل ايقاف القتال مضطرًا وأنه تجرع شروط الهدنة كما يجرع الإنسان السم وبدأ صدام حسين يرى في نفسه القائد العربي السني وتوهم صدام أن أمريكا تؤيده خاصة وأن العداء السياسي الأمريكي لنظام حكم الملأ في إيران واضحًا وبينما كان صداق غارقًا في أحلام اليقظة يرى في نفسه الحاكم المطلق لبحيرة البترول الهائلة في الخليج وممثل أمريكا وحامي مصالحها كانت أمريكا تخطط لشيء مختلف تمامًا وترسم خطواته في كفاءة شيطانية كانت أمريكا تخطط لاحتلال بحيرة البترول احتلالًا مباشرًا بجنودها على أن تتحمل العرب ضحية الاحتلال كل نفقات الحرب الأمريكية اللازمة لتنفيذ الاحتلال.



بدأت أطماع صدام تتجه للكويت بأمل احتلالها والاستيلاء على بترولها كخطوة أولى ولما كان عدم اعتراض أمريكا على مثل هذه الخطوة أمرًا ضروريًا فقد بدأ صدام يتحسس بحذر ماذا سيكون رد فعل أمريكا لو قام باحتلال الكويت.



وكانت الردود المبهمة التي تلقاها صدام من سفيرة أمريكا في العراق السيدة إيريل جيلسبي توحي لصدام بأن أمريكا تعتبر الخلافات بين الدول العربية أمرًا داخليًا بين العرب وتشجع صدام وبدأ يتحرش بالكويت ثم فجأة في 2 أغسطس 1990 جتاح الجيش العراقي الكويت في ساعات معدودة وهرب أمير الكويت في آخر لحظة إلى السعودية.



وبعد اجتماعات ومؤتمرات تعمد أطرافها التسويف وطالبوا صدام بالانحساب من الكويت امتنع صدام أنه لن يكون هناك حرب ضده في الوقت الذي كانت أمريكا تحشد للمعركة قرابة النصف مليون من جنودها إلى جانب جيوش حلفائها فرنسا وانجلترا وجيوش الدول العربية الموالية لأمريكا وكان حجم القوة العسكرية التي دخلت بها مصر إلى جانب أمريكا ثاني أكبر القوات المشتركة في الحرب عددًا بعد القوة الأمريكية وانقسم العرب تمامًا بين أغلبية معارضة له وأقلية تسانده.



ولما حاول صدام اشعال الشارع العربي لجانبه بقيامه بإطلاق عدد من الصواريخ محدودة التأثير على إسرائيل أمرت أمريكا إسرائيل بعدم الرد إطلاقًا على هجمات صدام حتى لا تحرج الحلف العربي الموالي لأمريكا والتزمت إسرائيل بالامر الأمريكي حرفيًا.


وبعد غارات جوية مكثفة على العراق وعلى القوات العراقية بالكويت أواخر سنة 1990 بدأ الهجوم البري في أواخر فبراير سنة 1991 وفي غضون أسبوع كان العراق قد فقد سبعة آلاف دبابة وكل طائراته الحربية وقتل أو استسلم عشرات الألوف من جنوده ووقع صدام وثيقة استسلامه لايقاف القتال تقضي بحرمان طيرانه من الطيران فوق المناطق الكردية أو الشيعية بالعراق.



ووضعت أمريكا يدها السعكرية الثقيلة فوق أرض الخليج باحتلال الكويت ثم باتفاقية أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في العالم خارج أمريكا وهي قاعدة العديد بقطر بجانب ما كان لها من قواعد في البحرين وغيرها، ومن سخرية القدر أن العرب يدفون لأمريكا معظم نفقات قوات الاحتلال الأمريكي لبلادهم باعتبارها قوات صديقة تحميهم من صدام حسين العدو.


ومرت حقبة التسعينات كما تريد أمريكا أساسًا فقد تم تحييد قوة العراق العسكرية تمامًا وكان حكم مبارك في مصر هو ركيزة استقرار المنطقة لحساب مصالح أمريكا وعلى رأسها ضمان أمن إسرائيل واستمرار تدفق نفط الخليج، وعلى المستوى العالمي حصلت أمريكا على أكبر انتصاراتها بانهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك دوله دون أن تطلق رصاصة واحدة، وبذلك انتهت الحرب الباردة بنصر تام لأمريكا والغرب مؤقتًا على الأقل.