رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أخطر «5» تحديات وراء فشل منظومة «العمل عن بعد» فى المصالح الحكومية

العمل عن بعد
العمل عن بعد

مع انتشار «فيروس كورونا» على نطاق واسع وخطير فى عشرات من دول العالم، بدأت الجهات المختلفة الحكومية والخاصة تبحث فى الإجراءات التى تساهم فى احتوائه، وفى مقدمتها وقف التجمعات الكبيرة داخل المؤسسات المختلفة، وأصبح العمل من المنزل أول هذه الإجراءات التى يتم تطبيقها بقدر الإمكان، وبالنظر للوجه المميز لأزمة كورونا نجد تجربة العالم في العمل عن بعد.

وعلى مدار العقدين الماضيين، تزايدت أعداد العاملين عن بُعد، سواء من المنزل أو المقهى أو عبر البحار، في دول عدة غالبيتها في الجانب الغربي من العالم، إضافة إلى أستراليا وعدد من الدول في جنوب شرق آسيا وأميركا اللاتينية.

في عام 2013 أصدرت منظمة العمل الدولية بالتعاون مع "المؤسسة الأوروبية لتحسين ظروف المعيشة والعمل"، دراسة عنوانها "العمل من أي مكان في أي وقت: الآثار على عالم العمل:، ووجدت الدراسة، أن أبرز الآثار الإيجابية للعمل عن بعد، لا سيما في المجالات المعتمدة على الهواتف النقالة، مثلًا هو "تخفيض وقت وتكلفة التنقّل، وزيادة وقت العمل"، مع إعطاء الموظفين "قدرًا أكبر من الاستقلالية"، ما يؤدي إلى "مرونة في العمل"، وقدرة أكبر على "تنظيم الوقت"، وتحقيق هامش أكبر من "التوازن بين العمل والحياة".

كما أنّ هذا النوع من العمل يوفّر المساحات المكتبية، وهو ما يوفر المال أيضًا لصاحب العمل، وعلى الرغم من الآثار السلبية المتراوحة بين قلة التفاعل الشخصي وتداخل الحياة الشخصية مع المهنية للأشخاص غير القادرين على الفصل بين هذه وتلك، فإنه في مثل هذه الأوقات الصعبة، حيث انتشار فيروسات خطيرة يعد نقطة في بحر فوائد العمل من البيت.

وخاضت شركة «ميكر وسوفت» تجربة العام الماضي حولت بموجبها نظام العمل في مكاتبها في اليابان إلى العمل أربعة أيام في الأسبوع، بدلًا من خمسة، فتوصلت الشركة إلى أن الموظفين أصبحوا أكثر إنتاجية لأنه لم يعد يوجد أمامهم مفر من إنجاز المهام في الأوقات المحددة، ولم يضيعوا أي وقت طالما أن أمامهم أيام عمل أقل. كما أنها وفرت كثيرًا من الأموال التي كانت تصرف على فواتير الكهرباء والمواد المكتبية.


تجربة العمل عن بعد لجأت إليها دول العالم أجمع وفي الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا، تشير أرقام "مكتب الإحصاء الوطني" إلى أن 29 في المئة فقط من الأمريكيين يمكنهم العمل من المنزل، وقررت إدارة ترامب وضع خطط طوارئ تسمح لمئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين بالعمل عن بعد، وهو سيناريو متشدد للحد من انتشار فيروس كورونا، وقام مكتب الإدارة الشخصية الذى يشرف على سياسة قوة عمل والتى تشمل 2.1 مليون شخص، قد حثت قادة الوكالة فى الأيام الأخيرة على إجراء مراجعة فورية لسياسات العمل عن بعد، وأصبحت هيئة الأوراق المالية والبورصة وكالة فيدرالية فى واشنطن تخلى 2400 موظف من مقراتها بعد اكتشاف أن موظفا ربما يكون مصابا.

بالنسبة للوضع في مصر، وعن تقييم التجربة، فإن هناك دراسة عن تقييم تجربة العمل عن بعد صادرة عام 2019 عن مجلس الوزراء، ذكرت أن تجربة العمل عن بعد في مصر، مختلفة إلى حد كبير؛ فمؤسسات القطاع العام التي تستحوذ على القسم الأكبر من القوة العاملة، ستجد صعوبة في تطبيق نظام العمل من المنزل، نظرًا لأن بيروقراطية الدولة تقتضي أن يتواجد الموظف في مكتبه ساعات محددة غالبًا بغض النظر عن حجم الإنتاجية، كما أن الدولة ستجد صعوبة في تطبيق هذا النظام حتى لو اقتنعت بجدواه، لأسباب فنية تتعلق مثلًا بضعف خدمة الإنترنت وربما عدم استقرار التيار الكهربائي وعدم كفاءة الاتصالات الهاتفية، الأمر الذي يصعب من مهمة التواصل بين أفراد فريق العمل في أي مؤسسة أو دائرة.

فضلًا عن ذلك، هناك عقبات ثقافية تعترض تطبيق نظام العمل من المنزل في كثير من بلدان الشرق الأوسط تحديدًا، فأرباب العمل في مصر، وخاصة التي تتركز فيها العمالة الوافدة، لا يتخيلون أو يستوعبون أن يدفعوا لموظف راتبه إلا إذا كان جالسًا على مكتب أمام أعينهم، أو أثبت نظام المسجل الإلكتروني أنه فتح باب المكتب ببطاقته الإلكترونية في ساعة محددة كل صباح. 

وتابعت الدراسة: ورغم أن تجربة العمل من المنزل على نطاق واسع في القطاعين العام والخاص ما زالت تجربة لم تنضج وينتظرها الكثير من العقبات، ذكرت الدراسة أن الشركات والمؤسسات والمصارف الكبرى وحتى الصغيرة غير مهيئة لعمل جيدة من البيت. فلا يوجد موظف قادر على العمل من المنزل، ومدير قادر على إدارة العمل من المنزل هو الآخر، وتوافر بنية تحتية تتلخص في جهاز كمبيوتر واتصال جيد بالشبكة العنكبوتية، ومكان بسيط يصلح للعمل". تبدو هذه المتطلبات "بديهية" للبعض، لكنها في واقع الحال غير متاحة لكثيرين.

وقالت الدراسة، إن هناك مئات الشركات في مصر طبيعة عملها وتركيبة موظفيها لا توفر نظام العمل عن بعد، ووزارة القوى العاملة المصرية كانت قدّرت عدد عمّال البناء باليومية في مصر بنحو ثلاثة ملايين عامل. أحد رؤساء الأحياء في مصر كان قدّر عدد الباعة الجائلين قبل أشهر بستة ملايين بائع. ملايين من عاملات المنازل، والنادلون والنادلات وسائقو الأجرة بأنواعها وغيرهم من الأعمال المعتمدة على وجود الشخص جميعها أعمال غير قابلة لـ"العمل من المنزل". من جهة أخرى، فإنّ "العمل من المنزل" في هذه الحالات يعني "خراب البيت".

من جانبها أعلن مرفق الاتصالات عن قدرته على توفير خدمات الإنترنت بسرعة لنجاح تجربة العمل عن بعد.

كما سعت وزارة الاتصالات لرفع متوسط سرعة الإنترنت، حيث أشار لتطور متوسط سرعات تحميل الإنترنت فى مصر على مؤشر Oookla في الفترة من يناير 2019 - يناير 2020، ووفقا لنتائج مصر فى يناير 2020، فإن ترتيب مصر صعد إلى الثالث إفريقيًا وذلك بدلا من المركز الأربعين إفريقيا فى يناير 2019. 

وعلى الرغم من أنّ عدد مستخدمي الإنترنت في مصر يقدر بنحو 41 مليون مستخدم (حسب وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات)، وعلى الرغم من أن 93،48 مليون مصري يمتلكون هواتف محمولة، فإن ذلك لا يعني قدرة هذه الملايين على "العمل من البيت".

وبالنظر لتجربة العمل عن بعد، فإن تقييمها محل الاختبار حتى الآن خاصة أن الجهات التي تقوم بتنفيذها ليست كثيرة، فأبرز تلك الجهات المؤسسات الصحفية، وبعض الشركات الخاصة، ولكن حتى الآن مازالت التجربة محلك سر في نظام في البداية يقول الدكتور محمود الشريف، أستاذ تكنولوجيا الاتصالات بجامعة عين شمس، إن تجربة العمل عن بعد في أوروبا ناجحة لأن مستوى الشعوب من العلم والتقدم واستخدام أدوات العلم الحديثة متاحة، ففي أوروبا الجاهل هو من يجيد استخدام الكمبيوتر وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وليس من لا يجيد القراءة والكتابة، لكن نحن لدينا مشكلة هي الأمية التقليدية، ومن يتعاملون مع الإنترنت وثورة المعرفة في مصر لا يجيدون استخدامه بالشكل الكافي، وهناك إحصائيات تشير إلى أن 40 % فقط من المصريين هم من يجيدون التعامل مع الإنترنت بشكل عام، أما نسبة المتخصصين بالإنترنت والقدر على العمل من خلالها لا يتعدى 15% فقط والكارثة الأخرى أن 5% فقط من موظفي الحكومة هو من يستطيع التعامل مع الإنترنت والعمل من خلاله، ولذلك يعتبر أحد أسباب تأخر نقل الوزارات للعاصمة الإدارية الجديدة، ويجري تدريب ورفع نسبة الـ5% إلى 25% من القوى البشرية بالوزارات على للعمل من على الإنترنت وبالتالى نقلهم للعاصمة الإدارية، أما 75% من الموظفين بتلك الجهات الحكومية غير راغبين في التعلم واستيعاب نظام الإنترنت من الأساس والعمل عن بعد.

وتابع «الشريف»، أن الأزمة الأخرى التي تعوق نجاح تجربة العمل عن بعد في مصر، أن سرعة الإنترنت في مصر ليست كبيرة ولدينا مشكلات في سرعة الإنترنت، ولو هناك أعداد كبيرة من المواطنين تعمل من المنزل «النت هيقع»، ولكن العمل من المنزل يصلح مع شركات الاتصالات المرتبطة بثورة المعرفة لأنهم يتم منحهم أفضل ما في السوق ويتم تدريبهم جيدا على ثورة المعرفة في الداخل والخارج، لكن هذه المهارات غير متوفرة عند موظفي الحكومة التقليديين وعمال المصانع، مضيفا أن هذا يدفعنا خلال الفترة القادمة إلى التطوير بشكل أكبر لأن تجربة العمل عن بعد لن تنجح بشكل كبير وليس في كل المجالات.

مشيرا إلى أن تجربة وزارة التربية والتعليم مع التابلت وأولى ثانوي فشلت لأن الطلاب جميعا وفي وقت واحد يمتحنون ما تسبب في سقوط السيستم، وحتى الآن تجربة التعليم عن بعد لم تثبت نجاحها لأنها لم تطبق من الأصل. 

وذكر أننا نحتاج ضمانات وتشريعات جديدة لتمكين العمل عن بعد، والرئيس حاليا يسمح بإنشاء الجامعات التكنولوجية والرقمية وهي المطلوب في سوق العمل في قادم الأيام، وأزمة كورونا أظهرت أهمية ذلك، مشددا على أهمية الوعي الاجتماعي لتعميق ثقافة العمل عن بُعد، وحاليا الكل يتابع ما تسفر عنه الأزمة، وأصحاب الأعمال يفكرون في كيفية إدارة عملهم عن بُعد

وأكد «الشريف» أن جزءًا كبيرًا من الأعمال يتم الآن عن بُعد وهو مطلب أساسي للحكومة الإلكترونية المزمع انتقالها للعاصمة الإدارية، لافتا إلى أن هناك خدمات كثيرة يمكن تقديمها للمواطن المصري عن بُعد، وهو الأمر الذي يتبناه الرئيس عبد الفتاح السيسي.