رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

تعقيبًا على البرنامج الحكومي لدعم الاقتصاد

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

يتميز البرنامج الحكومى الاقتصادى لمواجهة آثار فيروس «كورونا»، والجارى تنفيذه تدريجيًا، بأمرين أساسيين: أنه يعبر عن استعداد الدولة للإنفاق بسخاء على أزمة محتملة لا نعلم متى نتجاوزها وبأى تكلفة، وأنه متنوع ويسعى للتأثير على مجالات اقتصادية مختلفة وعلى فئات واسعة فى المجتمع.

السخاء مطلوب الآن، حتى لبلد مثلنا يعانى من عجز فى الموازنة وتضخم فى الدين العام، لأن هذه لحظة فارقة لا تحتمل التردد أو التقطير حرصًا على الناس وعلى صحتهم وعلى توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية. أما الزيادة فى عجز الموازنة العامة التى قد تنتج عن هذا الإنفاق فلها ما يبررها إنسانياً واجتماعياً، بالتأكيد أكثر من مجالات أخرى جرى الانفاق عليها فى الماضى دون تردد.

والتنوع فى البرنامج ضرورى لأن توجيه الموارد لقطاع اقتصادى واحد يعنى الاهتمام بمصلحة طبقة اجتماعية محددة أو فئات بعينها، وهذا لا يجوز متى تعلق الأمر باستخدام أموال الشعب لإنقاذ الاقتصاد القومى بكل مكوناته. والبرنامج الحكومى المعلن عنه يتضمن دعمًا للسياحة، والصناعة، والتصدير، وأصحاب المعاشات، والمقترضين لمشروعات صغيرة ومتوسطة، والذين يسددون أقساط الإسكان الاجتماعى، والديون الزراعية وغيرهم.

قد تكون بعض مفردات البرنامج وتفاصيله محل جدل وخلاف، وهذا طبيعى وصحى، ولكن يلزم أن يكون هناك اتفاق واسع فى المجتمع على التوجه العام والذى أراه سليما للسببين اللذين ذكرتهما.

مع ذلك فإن هذا البرنامج الحكومى الطموح وواسع النطاق يواجه خطرين كبيرين:

الخطر الأول أننا لا نعلم ما إذا كان الأثر الاقتصادى السلبى لأزمة «كورونا» سيمتد شهرا أو اثنين ينحسر بعدهما المرض بفعل الحرارة أو اكتشاف الدواء أو نجاح سياسة الاحتواء - وهو ما نأمله جميعا - أم يمتد لأشهر طويلة. والصعوبة هنا هى ضرورة تقدير الحكومة بشكل سليم لسرعة وإيقاع استخدام الموارد المرصودة للتعامل مع هذه الأزمة بحيث لا تتأخر فى إتاحة الدعم المتاح من جهة ولا تنفقه بسرعة شديدة من جهة أخرى فتعجز عن التعامل مع الأزمة إذا امتدت.

أما الخطر الثانى فهو صعوبة الوصول إلى أكثر من يستحقون الدعم والمساندة، وهم من يعيشون على دخول يومية غير مقننة خاصة فى تقديم الخدمات المختلفة مثل النقل والمقاهى والمحال العامة والتشييد والبناء والخدمات المرتبطة بالسياحة وغيرها. ويضاف إليهم كل من يتقاضون أجوراً رمزية بشكل رسمى، ولكن يستكملون دخولهم الحقيقية من إكراميات ومنح. هؤلاء جميعاً هم الأجدى بالرعاية.

وإدراك هذين الخطرين من جانب الرأى العام ضرورى لكى يكون الناس أكثر تفاعلاً وتعاطفاً مع بعض القرارات الصعبة التى يلزم على الحكومة أن تأخذها فى الفترة المقبلة، وعلى رأسها صعوبة اتخاذ قرار الغلق التام للنشاط الإنتاجى والاقتصادى فى البلد برغم ما يحمله ذلك من مخاطر صحية.

نحن نواجه خطرا صحيا داهما، كما هو واضح من تجارب وإحصاءات البلدان الأخرى التى سبقتنا، ونواجه أيضا مخاطر اقتصادية لا يمكن الاستهانة بها أو اعتبارها مسألة لاحقة وقابلة للإرجاء، لأن البلدان التى ستخرج من هذه الأزمة وتتعافى بسرعة هى تلك التى سوف تنجح فى السيطرة على المرض، وتنجح أيضا فى الحفاظ على الحد الأدنى من الإنتاج والدخول والاستهلاك، وبالتالى على كرامة مواطنيها وأمن وسلامة مجتمعها.

الحكومة تواجه تحديًا كبيرًا ونحن بلد محدود الموارد والخدمات الصحية، ولكن لا شك أن الرأى العام كان فى الأسابيع الأخيرة اكثر استجابة لها ولسياساتها وقرارتها وأكثر تفاعلاً معها واحتراماً لمصداقيتها، وهذا المكسب يستحق أن نحافظ عليه لأنه حاسم فى قدرتنا على اجتياز هذه الأزمة معاً وبأقل الخسائر الممكنة.

مع كل التحية والتقدير والاحترام لمن يجتهدون فى كل موقع لدرء هذا الخطر عن مصر وعن شعبها.
نقلا عن المصري اليوم"