رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

حاكموهم بتهمة القتل

محمد سعد عبد الحفيظ
محمد سعد عبد الحفيظ

قبل أيام، قدمت حكومة مدينة سول عاصمة كوريا الجنوبية، بلاغا إلى النيابة العامة تتهم فيه زعيم طائفة دينية مسيحية بالقتل العمد، بعد أن أصر على إقامة القداس فى كنيسة شينتشونجى، متجاهلا تحذيرات الحكومة ومنظمة الصحة العالمية التى تدعو إلى منع كل أنواع التجمعات حتى لا ينتشر فيروس كورونا.
بعد أن سجلت كوريا الجنوبية ما يقرب من 5 آلاف مصاب و30 حالة وفاة بسبب انتشار كورونا، جثا (مان لى هى) على ركبتيه فى مؤتمر صحفى ليعتذر عن الدور الذى لعبه أنصار طائفته فى نشر كورونا فى البلاد، طالبا الصفح من الشعب.
ومع ارتفاع حالات الوفاة بسبب الفيروس، طالب عمدة سول سكان المدينة بالعمل من منازلهم، ودعت الحكومة، النيابة العامة، لاستجواب مان لى وأحد عشر من طائفته بتهمة القتل لعدم تعاونهم كما ينبغى مع السلطات.
ويواجه «لى» وقادة طائفته اتهامات بإخفاء أسماء بعض أعضاء الكنيسة أثناء محاولة المسئولين تعقّب المصابين قبل أن ينتشر الفيروس، والتسبب فى ضرر وانتهاك قانون مكافحة الأمراض المعدية.
فى مصر ورغم الجهود التى تبذلها حكومة مصطفى مدبولى لاحتواء انتشار الفيروس، والتزامها بإرشادات منظمة الصحة العالمية التى تدعو إلى الحد من التجمعات فى أماكن العمل والشوارع، ألا أن أحد وزراء هذه الحكومة خالف كل ذلك وترك الناس للتجمع فى أماكن مغلقة مما قد يساعد على نشر الفيروس.
أصر الدكتور مختار جمعة، وزير الأوقاف، على إقامة صلاة الجمعة بالمساجد، بل وخطب بنفسه صلاة جمعة أمس الأول، وبلغ به الاستخفاف بالخطر الذى يحيق بالإنسانية كلها بأنه قال فى خطبته «الأعمار بيد الله محدش بيموت ناقص عمر».
وقال الوزير فى خطبته إن حسن التوكل على الله يفرض علينا الأخذ بالأسباب وليس تعطيلها أو إهمالها، واتباع تعليمات مؤسسات الدولة وطاعة ولى الأمر وأهل الاختصاص كل فى ما يأمر به، ومع ذلك كان هو من أول المخالفين لتعليمات ولى الأمر وأهل الاختصاص.
تناسى جمعة القاعدة الفقهية التى توجب إزالة الضرر والتى لخصها رسولنا الكريم فى حديثه «لا ضرر ولا ضرار»، ونسى أيضا أن مقاصد الشريعة ترمى إلى «جلب المصالح ودفع المفاسد». والمعنى الذى يدل عليه حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) بحسب ما فسره أهل العلم: أن الشخص ليس مطلوبا منه أن يضر نفسه، وليس مسموحا له بأن يضر غيره.
وفى فتح المساجد أمام المصلين لصلاة الجماعة ضرر، ليس بمن قرر الصلاة فى جماعة فقط بل بالمجتمع كله، فكيف فى ظل انتشار وباء لم يصل العلماء إلى لقاح له أو دواء لعلاج آثاره أن يجتمع كل هذه العدد فى مكان مغلق ويسجد بعضهم مكان بعض.
ألا يعلم جمعة أنه من الوارد أن يكون أحد من حضر صلاة الجمعة التى اعتلى فيه المنبر أمس الأول مصابا دون أن يعرف، ألم يطالع فتوى هيئة كبار العلماء بالأزهر التى أجازت منع الجُمع والجماعات فى الصلاة، كاجراء احترازى، ألم يأته خبر منع صلاة الجمعة فى المملكة العربية السعودية وأغلب الدول العربية.
مضى جمعة على طريق أسلافه من مشايخ مصر فى عصور الظلام تحت حكم العثمانيين والمماليك قبل مائتى عام عندما كانوا يعتبرون أن الأوبئة من (كوليرا، وطاعون، وغيرها) ابتلاء من الله وقضاء وقدرا لا فكاك منه، فكانوا يجتمعون فى المساجد للدعاء برفع البلاء، وهو ما ساعد على قصف أعمار ما يقرب من نصف المصريين بسبب الجهل والتواكل وعدم الأخذ بأسباب العلم.
نرجو من حكومة مدبولى مساءلة جمعة على ذات الطريقة التى ساءلت بها حكومة عاصمة كوريا الجنوبية زعيم الطائفة الدينية الذى أصر على إقامة القداس، وندعوها أيضا إلى مساءلة أى رجل دين يفتح أبواب الكنائس والأديرة لإقامة الصلاة أو الأنشطة الدينية المسيحية.
ولا يجب أن تعفيه أو تعفى غيره من الحساب القرارات التى صدرت أمس بمنع صلاة الجماعة فى المساجد والقداسات فى الكنائس لمواجهة انتشار كورونا.
حياة الناس ليست لعبة فى يد رجال الدين، وعندما يمنع أهل الاختصاص التجمعات، فعلى الجميع أن يصغى ويطيع، وعلى رأسهم المسئولون التنفيذيون والدينيون، ومن يخالف فعلى الحكومة أن تحيله للمحاكمة أيا كانت وظيفته أو مكانته.

نقلا عن "الشروق"