رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد مازن يكتب من بكين: يومياتي مع كورونا.. يوم الإصابة بأعراضه(٣)

محمد مازن
محمد مازن

لعنة الوصم وتاريخه
من زجاج النافذة، الثلج يهطل بكثافة. المنظر بديع لا يتكرر إلا نادرا في العاصمة الصينية. لابد من تخليد هذه الذكرى. فتحت النافذة لالتقاط عدة صور بعد أيام دون ضجيج، لكن لم أتوقع أن تتحول تلك اللقطات إلى كابوس مع ساعة غروب الشمس. ارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة وصداع حاد استبقه قشعريرة شديدة. دماغ يغص بأسئلة كثيرة، وإجابات قليلة.
كانت الساعة حوالي التاسعة مساء. إنه شئ من أعراض كورونا، هل اتصل بالطوارئ؟ هذا أذهب لعمل الاختبار؟ ماذا لو كان كورونا؟ ماذا عن الأسرة والأولاد؟ لابد الآن من التصرف بمسؤولية، لا مفر من الانعزال، والاعتماد على النفس في سد الاحتياجات والاحتمال. حان وقت التعامل مع من حولك، وكل ما يخصك ويخص غيرك، بأقصى درجات الحيطة والحذر.
الآن، شاشة جهاز قياس الحرارة تقول 38 درجة. لابد من وجود دواء في الخزانة، مصري، صيني، أوروبي، من أي مكان كان. أقراص لخفض درجات الحرارة وأخرى للسعال، هنا أيضا مسكنات للصداع والآلام. ومن المتوفر-لحسن الحظ- جاءت النتيجة سريعة، وهبطت درجة الحرارة الشديدة.
ليلة تخللها نوم هادئ دون تقلبات أو منغصات. في الصباح كان كل شئ عادي. لكن بالليل في نفس الميعاد، شعرت بنفس الأعراض. درجة الحرارة هذه المرة 37.7، لا مفر من الاتصال بالطبيب. مستغلا إجادته للغة الصينية، جاب طفلي الكبير من الآخر بعد اتصال طويل. الطبيب يقول: "أخر شئ يمكن أن تفكر فيه الآن هو الذهاب الى المستشفى. تناول نفس الدواء، وإذا لم تنزل درجة الحرارة في الصباح تحت 37.3 درجة، اذهب الى المستشفي القربب وحدك، بالكمامة سيرا على الأقدام، لا تستقل أي وسيلة مواصلات جماعية، أو تحتك بأي مخلوق كان".
على تطبيق خريطة انتشار الوباء، المؤشر يلقي بأقوى قنبلة من الإصابات والوفيات منذ اندلاع التفشي، بعد الاعتداد بطريقة جديدة في الفحوص. اليوم، أكثر من 14 ألف حالة جديدة في عموم البلاد وحوالي 220 حالة وفاة. في ظرف مثل هذا، اتخاذ قرار الذهاب الى المستشفى حتى لطلب العلاج من أي عرض صحي آخر، وخاصة مع تواتر أخبار عن إصابات متسلسلة في المستشفيات.
كان الأمر أشبه بأنفلونزا سيئة. لكن كنت خائفا على الجميع. فكرت في أسرتي، وتبادلت الحديث تليفونيا مع أصدقائي. لكن على الرغم من المخاوف من الإصابة بالفيروس الشيطان، إلا أن أكثر ما أثر عليّ هو الوصم بسببه. كابوس بدأ يطاردني. منذ اندلاعه في ووهان، شاهدت لقطات كثيرة، وقرأت أخبار وفيرة عن التنمر على الصينيين والآسيويين وغيرهم. قصص ونكات عنصرية، تحريض علني على الكراهية والتمييز، تشويه سمعة، وتشهير منهجي، وانتهاك للكرامة الإنسانية، شفهيا وكتابيا وتصويريا، بإيماءات وأفعال ووسائل لا تخطر على بال.
ألمني مواقف مماثلة سمعتها من أصدقاء صينيين وكوريين جنوبيين وغيرهم مغتربين، حدثت معهم شخصيا أو مع أطفالهم في المدرسة، من إنزال من وسائل مواصلات، إلى منع من دخول مطاعم، وحتى عيادات، من نعتهم بكورونا إلى قذفهم بألفاظ وإهانات حقيرة، لكن ما استمعت له من هراءات عن إصابة جنس أو عرق معين بالمرض، أو إنه عقاب الهي مستحق لفئة معينة، نتيجة تعاملها مع فئة أخرى، فاق كل الاحتمالات.
لا توجد بيانات علمية تدعم الإدعاءات بأن عرقا معينا أو دينا معينا يجعله أقوى أو أضعف من كورونا. الفيروس طرق أبواب جميع الأجناس والأديان، مسلمين ومسيحيين ويهود وبوذيين وهندوس، ومن لا يؤمنون بأديان أو اعتقادات أخرى. لا يوجد دليل علمي على أن الجلد الأسود لا يقاوم كورونا. الأمر يعبر عن كيفية تخلفنا نحن كبشر حتى في الكراهية والتحامل، عندما نكون خائفين وغير متأكدين. الحقائق تقول إن أي شخص يمكن أن يصاب بالفيروس، إذا اقترب من شخص آخر مصاب به. والتقييم أكد أن خطر الإصابة يعتمد على تاريخ السفر والاتصالات مع الأشخاص المرضى.
الدين ليس وسيلة لحماية نفسك من المرض الجديد. في دول، ظهرت مقاطع على منصات وسائل التواصل الاجتماعي تزعم" اعتناق صينيين أو آسيويين الإسلام إدراكا أن المسلمين لا يصابون بفيروس كورونا". وفي بلدان تضم أعداد كبيرة من المسلمين، انتشرت محتويات عن طلب الرئيس الصيني نفسه من أئمة مسجد للدعاء إلى رب العباد لتخليص البلاد من خطر البلاء. محتويات زائفة وإشاعات مضللة تنتشر كالنار في الهشيم، دون إدراك للخطر الحقيقي، يمكن لهذه الاعتقادات أن تبقي الأشخاص المصابين بعيدين عن العلاج الحقيقي، وتبقي أولئك الذين هم عرضة لخطر العدوى بعيدين عن التدابير الوقائية، وبالتالي تزيد الأضرار الحقيقية.
للأسف، الوصم الاجتماعي واللوم والتمييز ظواهر تتكرر أثناء تفشي الأمراض عبر التاريخ .في عام 2009، تم ربط أنفلونزا الخنازير بالأمريكيين المكسيكيين. وقبله، الإيبولا بالأفارقة، وسارس بالآسيويين، وفيروس نقص المناعة البشرية بالهايتيين، والآن كورونا بالصينيين. تاريخ طويل من إلقاء اللوم في وقت الأمراض المعدية.
على مواقع التواصل الاجتماعي، يتفاقم انتشار المعلومات الخاطئة، والقوالب النمطية العنصرية، وإثارة الخوف في أوقات الطوارئ. أشخاص يشاركون معلومات غير دقيقة وعنصرية، مع أشخاص قد يكون لديهم بالفعل تحيز قائم، تجاه مجموعات مختلفة. في وقت انتشار الوباء، العرق أو الدين ليس لهما أي تأثير. التصرف بجهل خطير ويكون له أوسع تأثير. قد تؤدي حوادث عرضية صغيرة إلى ندوب صغيرة تتحول إلى جروح كبيرة من انعدام الأمن والاستياء.
في الوقت الحالي، يحتاج الناس إلى إظهار التعاطف والاحترام للآخرين، والتثقيف حول ما هو حقيقة وما هو خرافة. هذا ما نحتاجه أكثر الآن. يجب تذكير المتنمرين أن العدالة يمكن أن تأتي أيضا عن طريق القانون. وبالنسبة لأولئك الذين عانوا من التنمر، فلا نملك سوى تشجعيهم على البقاء أقوياء. التحامل والجهل يشكلان حواجز طرق في مكافحة المرض.
صحيا، أنا أفضل الآن بكثير بعد أن استيقظت في صباح اليوم التالي قويا معافى. فقط أشعر بالخوف من الثرثرة، وعدم مراعاة الآخرين، والجهل المرعب بالأشياء، لأن هذا أخطر على صحة المجتمع أكثر من الوباء.