رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد مازن يكتب من بكين: كيف سيطرت الصين على كورونا؟

محمد مازن
محمد مازن


سيطرت الصين على فيروس كورونا بشكل شبه تام، ما فعلته الصين صعب جدا أن ينفذ في بلد آخر شئ خارق بكل المقاييس، أن تضع دولة ١.٤ مليارات مواطن مجمل عدد سكانها، تحت السيطرة والرقابة الفعلية، لا أحد في هذا البلد منذ شهرين تقريبا خارج نطاق تغطية الحكومة، بيانات من كل جهة تجمع كل يوم منك وعنك، مقرات العمل تتواصل مع الموظفين يوميا، المدارس مع الطلاب، الحي مع القاطنين، والمؤسسات الحكومية الصحية تُحدث أولأ بأول الإرشادات والتعليمات.
أسئلة معينة توجه لكل شخص يوميا، هل شعرت بأعراض؟ هل تواصلت مع أحد من ووهان، مركز التفشي؟ هل لديك نية للسفر أو التنقل إلى مكان آخر أو مدينة أو دولة أخرى، اليوم أو غدا أو في أي موعد آخر؟ ورغم السيطرة على الوباء، إلا إن الاجراءات تحدث كل يوم والتشديدات والقيود تزداد باستمرار، وتصل إلى الجمهور بوسائل مختلفة، اذا كنت لا تتابع التلفاز، ستصطدم بها على موبايلك، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى وسائل الدفاع الالكترونية المستخدمة بشكل واسع. لا يمكن لأي شخص غريب كان أن يدخل إلى الحي السكني الذي تقيم به، رقابة ٢٤ ساعة، لا يمكنك إذا خرجت أن تدخل إلا بإظهار كارت الحي الذي يثبت إقامتك فيه. تقاس لك درجة حرارتك وأنت داخل وخارج، حتى لو كان الفارق ٥ دقائق بين الموعدين. إن ذهبت إلى محل صغير أو متجر كبير أو مطعم أو صيدلية أو سوق مفتوح أو حتى محل لبيع الزهور، أي مكان، لابد أن تقاس درجة حرارتك قبل الدخول بأجهزة حرارية مختلفة تتطور يوم بعد يوم. يمكنك أن تتوقع الوقوف في طابور طويل خارج المتجر للانتظار دون أن تضجر تجنبا للازدحام. لابد من توفير مسافة كافية بينك وبين أي شخص في الداخل.
في تلك الأماكن، أشخاص يراقبون حركات الناس بدقة. وبالرغم من عدم وجود إصابات أو وفيات في بكين منذ فترة، إلا أن الإجراءات تشدد كل يوم عن اليوم الذي قبله. الصين كلها، أكثر من 9 ملايين كم مربع، تخضع لحجر صحي ذاتي بخلاف منطقة الفيروس في ووهان، بمقاطعة هوبي، التي تخضع لحجر إلزامي. لكن موقف الناس رائع ومسؤول. كل واحد حريص في حركته، ويشعر بالمسؤولية تجاه الآخر والمجتمع. كل واحد يتعامل مع نفسه كأنه مصاب وغيره أيضا كأنه مصاب، هذه هي القاعدة.  وبالرغم من أنه كان فيه ثغرات في البداية، كانت تعالج فورا، مسؤولون يتم إقالتهم، وأبطال يتم إبراز دورهم، لاستنهاض الهمم الوطنية، ورفع الروح المعنوية. موقف الناس والحكومة واحد. كله يلحظ على قلب وعقل واحد. وأعتقد أن هذا هو سر النجاح الذي تحقق.
عدد الإصابات والوفيات حاليا مستقر منذ أيام أو يزيد قليلا عن رقم واحد، أي أقل من ١٠ حالات على مستوى البلاد . لكن لا يبدو البلد، الذي تفشي فيه الفيروس بطريقة مخيفة في البداية، غير مستعجل على عودة الحياة الطبيعية. المدارس لا تزال متوقفة، لكن الطلبة يتابعون دروسهم يوميا على الانترنت. المدرسون يتواصلون يوميا معهم بشكل مستمر. المصانع بدأت الانتاج، وتقول تقارير إنه استؤنف بنسبة ٨٠ بالمائة تقريبا. معظم الناس يعملون من البيت، العمل من المنزل مدفوع باتصالات قوية شهدت قوة دفع هائلة في السنوات الماضية في البلاد.
في السنوات الأخيرة، وفقا لاستراتيجيات الحكومة، تعزز محتوى الابتكار والذكاء الاصطناعي والتجارة الالكترونية وغيرها من المجالات الحديثة في الحياة والاقتصاد. كل ذلك ساعد على عدم اهتزاز البلد بقوة في مواجهة الفيروس. المؤسسات حاليا باتت مجهزة بأجهزة حرارية متطورة استعداد لعودة العاملين. تقيس درجات الحرارة بطرق مختلفة من على بعد أمتار، من خلال قزحية العين أو الإذن أو أي عضو آخر، دون نزع الكمامة. الجهاز التشريعي يدرس ويشرع قوانين بشكل متواصل، لوقف كافة السلوكيات السيئة بالقانون تزامنا مع جهود الأطباء والعاملين على الخطوط الأمامية، والمصانع التي تصارع الوقت لانتاح المستلزمات الضرورية، في مواجهة تفشي الوباء.
بالنسبة لمصر، مسألة الوباء ليست قضية الحكومة فقط، الاتهامات والتيئيس والتضليل والشائعات لن تقود إلى أي شئ. قد تكون الصين واجهت مثل هذه الآفات في البداية لكن كان معظمها من الخارج، اتهامات كثيرة في وقت كانت تواجه فيه مرض غير مألوف وسريع الانتشار. ووهان على عكس مما يعتقد الكثيرون، الخدمات الطبية هناك متطورة، وكذلك البحوث العلمية، فضلا أنها قوة اقتصادية كبيرة في الصين، كما أنها جامعة العالم أيضا، ٦٠ الف طالب أجنبي يدرسون فيها. القدرة الصحية في ووهان جيدة، والأرقام تفوق بريطانيا وأمريكا من حيث نسبة الأطباء لعدد المرضى، لا أتحدث هنا عن الجودة. اضطراب الاستجابة في البداية كان ناتج عن شدة الفيروس وسرعة انتشاره. لكن بالجهود المشتركة، وفي القلب منها وحدة الشعب، استطاعت ووهان أن تسيطر وتم إقفال عدد كبير من المستشفيات، التي بنيت في وقت سابق لمواجهة المرض، وظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ فيها بدون كمامة مؤخرا. ليست مشكلة أن تواجه الحكومة عثرات أو أخطاء، هذا وارد جدا في مواجهة مشكلة غير مألوفة. جميع الحكومات المتقدمة أخطأت في التعامل مع الفيروس، بما في ذلك إيطاليا والولايات المتحدة، التي كانت تنتقد الصين. لكن الأهم أن تكتشف الخطأ وتصلحه بإجراءات فعلية وشغل عملي . في وقت الوباء، تكون مهمة المجتمع بأكمله. الوباء لا يختار مرضاه، يصيب الغني والفقير والكبير والصغير، وقد دخل قصور الرئاسة أيضا. دور الإعلام والأحزاب السياسية والقطاع الخاص والمجتمع المدني مع الحكومة حاسم.  الكل في قارب واحد. المجتمع كله مطالب بأنه يتقدم إلى الخط الأمامي، كل واحد من خلال دوره. بذلك، يتحقق النجاح في مواجهة أي فيروس أو وباء.