رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

سر اشتعال تصريحات «الثلاثة الكبار» عن حصار الصحافة والإعلام

أرشيفية
أرشيفية

فجّر مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لـ«تنظيم الإعلام»، قنبلةً فى الوسط الصحفى والإعلامي، عندما تحدث عن حرية الرأي والتعبير، والتي أكد فيها أن تلك الحرية «منقوصة»، وأن هناك تخويفًا واضحًا ضد التعبير عن الرأي.  


وتساءل رئيس «الأعلى للإعلام» فى لقائه ببرنامج «على مسئوليتى» الذى يقدمه الإعلامى أحمد موسى على فضائية «صدى البلد» عن عدد المظاهرات التى يشهدها الشارع، وعن الحريات الصحفية، وعن سبب خوف الناس؟.


وتابع: «أنا مش مسؤول عن الإعلام ومقدرش أقول مين المسئول لأن وزير الإعلام هيزعل لو قلت إنه المسؤول لأن أنا متربص ليه وهو متربص بي وده عامل مشاكل، بس اللي بيدير الإعلام هي السلطة التنفيذية».


واستكمل: «مفيش نقاش ومفيش اختلاف في الآراء ومفيش هامش للحرية، والعلانية شيء مهم ومش المفروض تخاف ده، وحرية الرأي والتعبير مهم جدا وتحمي البلد من التوجه الواحد وصلابة الرأي الواحد».


وأكمل: «اسمح للناس تعبر عن رأيها وتختلف، أقصد بذلك النظام والسلطة، اسمحوا بوجود معارضة، الدنيا مش هتتهد من اختلاف الآراء، بقالي 80 سنة مشفتش ناس خرجت في مظاهرات تقول لا للحرية يعني لازم تفتح للناس المجال والحرية والرأي الآخر دي ملامح الدولة السليمة».


وأردف مكرم: «قولت الكلام ده كله في الاجتماعات المغلقة، فكان بيترد علي كلام جميل اعملوا ده، لكن مش احنا اللي نعمل لأن كل واحد من موقعه».


وشدد على ضرورة توفير قدر من حرية التفكير والإبداع، قائلًا: «مينفعش أفضل أكمم الناس، وأخوفهم يقولوا رأيهم، فلابد من تقدير حرية الرأي، وإعطاء مساحة للحرية، بحيث يتم تداول وطرح الآراء».


وأوضح «هناك تخويف يمارس ضد الناس، مش بالعصاية، لكن بوسائل وأشياء أخرى».


ومن الملاحظ أن حديثه «مكرم» يتعارض تمامًا مع كل  التقارير التي أصدرها المجلس الذى يرأسه، والتى كانت تتحدث طوال الفترة الماضية، عن ازدهار حرية الرأي والتعبير، وعن الحريات الصحفية، وعن إعطاء الفرصة لكتاب مقالات الرأي حتى المعارضين منهم، فضلًا عن حديث تلك التقارير عن الحريات الموجودة فى الفضائيات، وصفحات «السوشيال ميديا».


كما طالب عضو مجلس النواب مصطفى بكري بضرورة إيقاف ما وصفه بـ«الحرب الخفية ضد حرية الرأي والتعبير».


أما  ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «أخبار اليوم»، فقال: «هناك أزمة في الفن الصحفي، ولست راضيًا عن أداء الإعلام، لكنه مظلوم لأنه يبدو لقيطًا بلا أب، ويمكن لأي أحد إلصاق أي اتهام به دون وجود محامٍ للدفاع عنه».


وأكد «رزق» أنه لابد أن تتسع حرية الرأي والتعبير للكتلة الوطنية المنضوية تحت لواء 30 يونيو دون غيرها، ومن الخطأ الجسيم إقصاء أي فصيل من المشاركين في التحالف غير المرتب الذي نتج عنه ثورة 30 يونيو، مشيرًا إلى أن الصحافة لم تكن قط في ذروة حريتها إلا عامَي 2011 و2012.


يقول الدكتور سامي عبد العزيز، أستاذ الإعلام بـ«جامعة القاهرة»، إن مكرم محمد أحمد يعبر عن شخصيته وعن خبراته وتجاربه السابقة، وهناك جزء كبير مما قاله يعد نوعًا من أنواع الشجاعة الأدبية، وجزء منه يتناقض مع التأثير الذي أحدثه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وأن عدم التنسيق الذي حدث بين الجهات الإعلامية الثلاثة مسئولية مشتركة، مشيرا إلى أنه يُحسب لهذا الرجل أنه صادق مع نفسه، كما يحسب عليه بحكم سنه ومكانته وتاريخه أنه ترك عدم التنسيق بين الجهات الثلاثة يستمر.


وأضاف أن تصريحات «مكرم» فيها تعبير عن الأمنيات، وليست كلها إيجابية أو سلبية؛ إنما «خلطة» من الآراء التي تعبر عن شخصية قائلها (أى مكرم)، مشيرًا إلى أن الاستفادة من تصريحاته تتمثل في أنه لفت الانتباه إلى أن المرحلة القادمة لابد وأن تشهد تناغما وتنسيقا بين الهيئات الإعلامية الثلاث، وأن خلاصة حديث «مكرم» أن هناك درسا نتعلمه بأهمية التنسيق الفترة المقبلة.


ولفت «عبد العزيز» إلى أن الاختصاصات بين وزارة الإعلام والمجلس الأعلى لـ«تنظيم الإعلام» مشتركة ومحسومة على الورق، ولكن يبقى التنسيق على أرض الواقع، بمعنى أن يتخلى الجميع عن الذاتية ويقر الجميع أنهم جميعا في مركب واحد وهدفهم واحد وهو: كيف يصبح إعلام مصر سلطة خامسة حقيقية وحائط صد للأمن القومي المصري؟. 


وأوضح أن هذا الهدف يتحقق عن طريق شيئين، مهنيا وعلميا وهذا ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أكد أنه يريد إعلامًا محترفًا ومهنيًا، وهذا من وجهة نظره يتحقق عن طريق إنشاء مركز بحوث للإعلام لقياس اتجاهات الرأي العام ثم إنشاء مركز تدريبي يؤهل الإعلاميين الجدد أو حتى القدامى، وإذا تحقق ذلك سوف نسقط اليفط والمسميات ونتفق على الأهداف.


ولفت إلى أن تصريحات مكرم محمد أحمد ومصطفى بكري وياسر رزق عن حرية الإعلام،  تعني أن حرية الإعلام في مصر تحتاج إلى مساحة أكبر من أجل مصلحة البلد، وليس لمجرد حرية الرأي فقط، وهذا الإعلام يقوم على التوحد والاصطفاف ويواجه التحديات واستكمال الإنجازات، مؤكدا أن حالة الاستقرار والأمان التي وصلت لها مصر الآن وتراجع خطر الإرهاب تسمح بمساحة أكبر لحرية الصحافة والإعلام، مع الأخذ في الاعتبار أن الإرهاب نفسه طويل وأنه متعدد الأقنعة، وأهم هذه الأقنعة هو قناع السوشيال ميديا الذي يتميز بالإبداع والتنوع، موضحا أن الثقة في شخص الرئيس والثقة في وطنيته وحبه لبلده موجودة وتعد حصن أمان وضمانة كبيرة للدولة.


 ويقول الدكتور حسن على، أستاذ الإعلام بجامعة المنيا، إن واقع حرية الإعلام في مصر ليس في حاجة إلى من يتحدث عنه فهو واضح للعيان، لكن المسألة تحتاج إلى نوع من الكياسة بدلا من الإثارة، مشيرا إلى أن تصريحات الأستاذ مكرم محمد أحمد وغيره من رجال النظام تعني أن حرية الرأى والتعبير لا تزال تواجه صعوبات، وأن ذلك يحتاج إلى نظرة. وأنهم يعلمون أن الإعلام في مصر يواجه تضييقا في أشياء كثيرة، وهو اعتراف بواقع الإعلام بمصر، وهذا في حد ذاته اعتراف وأنه آن الأوان أن يكون هناك هامش حرية للإعلام، متوقعا حدوث انفراجة الفترة المقبلة.


وأضاف «على» أنه لابد وأن نلتمس العذر للرئيس السيسي الذي كان لديه أولوية بناء الدولة المصرية وإنقاذها من السقوط والانهيار والفوضى، وبالتالي حرية الإعلام بالنسبة له كانت نوعا من الرفاهية في هذه الفترة العصيبة من تاريخ مصر، وعندما بدأت الأمور في التحسن قام بتعيين وزير للإعلام من أجل  ضبط الأمور، وبالتالي المسألة بالنسبة للرئيس كانت مسألة أولويات في ظل الظروف الداخلية والدولية الصعبة.


ويضيف جمال فهمي، عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، أن تصريحات مكرم محمد أحمد هي اعتراف بحقيقة أن هناك تضييقًا شديدًا على حرية الرأى والتعبير وعلى رأسها حرية الصحافة، مشيرا إلى أن الحقيقة التي اعترف بها «مكرم» هي حقيقة تتعلق بالأمن القومي لهذا البلد، لا سيما وأنه تم تجريد مصر من سلاح قوي جدا كان لديها الفترة الماضية، وهو الإعلام المتنوع والحر الذي يعبر عن حيوية المجتمع.


ولفت إلى أن وجود إعلام حر هو أمر صحي ويخدم المجتمع ويفيده ويخدم في نفس الوقت نظام الحكم، لأن نظام الحكم الذي لا يسمع إلا صوتًا واحدًا لا يرى حقيقة ما يحدث في المجتمع المسئول عنه، فوجود صحافة وإعلام حر بقدر ما  يفيد المجتمع وبقدر ما هو حق للمجتمع وحق للمواطن هو أيضا يفيد نظام الحكم لأنه يجعل الصورة أمامه واضحة تماما وهو يتخذ أي قرار سياسي، وبالتالي حرمان المجتمع والمواطن والدولة من حرية الإعلام والصحافة أمر مؤسف جدا لابد من التصدي له فورا.


وعبر «فهمي» عن تشاؤمه لحدوث أي تغيير الفترة المقبلة على المستوى الإعلامي، على الرغم من أن تصريحات «مكرم» تكتسب أهمية خاصة بصفته رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، مشيرا إلى أن الكثيرين يعترفون بحقيقة أنه ليس هناك حرية رأي وتعبير، ولكن لا يوجد أي نتيجة عملية على أرض الواقع لهذه الأصوات وارتفاعها وتحذيرها من خطورة هذا الوضع.


وتمنى «فهمى»، أن ينتبه الجميع لهذه المسألة الخطيرة التي تعاني منها الصحافة والإعلام، وتساءل: هل تصريحات الأستاذ مكرم وغيره علامة على التغيير؟، أجاب: «أنا متشائم جدا لأن هناك أصواتا كثيرة قريبة من النظام ولا يمكن وصفها بأنها معادية حذرت من هذا الأمر أكثر من مرة وتحدثت عنه ولكن لا يحدث شيء»، لافتا إلى أن حرية الإعلام وحسب علم السياسة تساهم في تقدم المجتمعات والدول ومنعتها وقوتها.


وتابع عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، أن حرية الصحافة والإعلام كانت سياجًا يحمى للدولة والمجتمع حتى في ظل الأزمات التي مرت بها مصر، متسائلا: «إذا كان التحدى الأمني قد انتهى والحمد لله فلماذا يستمر هذا الوضع الذي لم تشهده مصر طوال تاريخها الحديث؟»، مشيرا إلى أن وضع الصحافة والإعلام في مصر لا يليق بالدولة ولا يليق بهذا المجتمع على الإطلاق، لافتا إلى أنه حتى «تحالف 30 يونيو» العظيم الجميل الرائع الذي أسقط عصابة الإخوان دمرته القيود وتكميم الأفواه ولم يعد له وجود.