رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد مازن يكتب من بكين: كيف يحول شعب مصر العظيم الهلع من كورونا إلى درس جديد للعالم؟

محمد مازن
محمد مازن


بعد اندلاع فيروس كورونا، اتخذت الحكومة الصينية إجراءات غير مسبوقة لوقف انتشار الفيروس. أغلقت ووهان، مركز تفشي فيروس كورونا، وعززت الضوابط، وبنت المستشفيات، وحشدت العاملين في المجال الطبي، وشاركت المعلومات مع منظمة الصحة العالمية، وبدأت الأبحاث حول لقاح فعال.


الإجراءات التي اتخذتها الصين في الوقت المناسب للتعامل مع الفيروس، لم تحسن الآفاق داخل الصين فحسب، بل أعطت بعض الوقت لباقي العالم للرد.


لكن من وجهة نظري المتواضعة، الجهود السريعة والمضنية التي بذلتها الحكومة لمكافحة التهديد الصحي لا تقارن بما أظهره الشعب الصيني من وحدة ومرونة وتصميم، تجربة مليئة بالدروس المستفادة يمكن استلهام منها ما يحافظ على سلامتك وسلامة وتقدم وطننا الحبيب، مصر، وإضافة لمسة الشعب المصري العظيم عليها.


لقد أحدث الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19 سلسلة من الذعر في جميع أنحاء العالم، بعد الكشف عن ١٢ حالة بالفيروس اليوم، ربما هذا هو شعورك الآن أو أنت غير مبال، إذا كنت تجد نفسك أحد الشخصين، فهذا أمر جد خطير، لأن كلا من القلق المفرط أو عدم الاهتمام، لن يفيد مع فيروس شديد ينتشر بسرعة وما زال الغموض يحيط أجزاء كبيرة منه إلى حد كبير.


التصرف بمسئولية هو الضمانة الأولى للنجاة بنفسك وحماية الآخرين أيضا، والثقة بالحكومة وجهازها الطبي في لحظة مثل هذه هي مفتاح تجاوز أي أزمة صحية بنجاح، لعل ذلك هو الدرس الأبزر من تجربة الصين حتى الآن، فثقة الناس في الحكومة لم تهتز حتى في أوج المرض وتوالي الثغرات، ومن اكتشاف أكثر من 14 ألف إصابة في يوم واحد إلى أقل نسبة إصابة اليوم، حوالي 130، كلهم في ووهان إلا 5 حالات في باقي الصين، حققت الصين تقدما كبيرا في مكافحة المرض بموقف منظم ومسؤول من قبل الشعب وجهد الجهاز الحكومي بالعاملين الطبيين على الخطوط الأمامية.


استجابة الشعب للتعليمات والارشادات لا تصدق،  فقد فرض1.4 مليار شخص على أنفسهم الحجر الذاتي في المنازل. وتعاون الجميع على قلب وعقل رجل واحد، لذلك، إذا شعرت لقدر الله بأعراض برد قد تعتقدها عادية، فيفضل أن تعزل نفسك ذاتيا، وتتصرف بمسؤوليه تجاه الآخرين من أفراد عائلتك ومجتمعك، أعراض البرد مثل الحمي والسعال لا تعني بالضررورة إصابتك بالفيروس، لكن طلبا للسلامة، تجنب الآخرين حولك قدر الإمكان، وابدأ في تناول الأدوية المتوفرة لعلاج الأعراض، واذا لم تنجح الأدوية معك، ما عليك إلا أن تذهب الى المستشفى المخصص لذلك مرتديا الكمامة. 


وفي الطريق، تجنب أخذ أي وسيلة نقل جماعية، أو ملامسة الآخرين، حتى تصل إلى المستشفى وتقابل الطبيب. 


في المستشقى احذر ملامسة المصعد أو السلالم، ومن الأفضل أن تلبس القفاز الطبي حتى لا نتنقل العدوى في حال لوكنت مصابا بالفيروس لقدر الله. 



وخلال وجودك المستشفى أيضا، عليك أن تتقبل عدم زيارة الأهل و الأصدقاء طوال فترة وجودك في العزل، وهم عليهم أن يتفهموا ذلك جيدا من أجل سلامة الجميع.


كل شخص لابد أن يتصرف بمسؤولية، وفي تلك الفترة، لابد من تجنب التحيات التقليدية بالاحضان والقبلات، وتجنب الأسطح المعدنية قدر الإمكان، في ضوء ما توصل إليه الخبراء من بقاء الفيروس لفترات تمتد لساعات، في الصين، تم رفع جهاز البصمة من كافة المؤسسات، ويتجنب الناس لمس لوحات مفاتيح المصاعد بدون قفازات أو أغطية، حتى أن البعض لجأ إلى طرق مبتكرة وغير تقليدية. 



وبعيدا عن المصاعد التي تفتح بالصوت والروبوتات الصغيرة، لجأ أشخاص إلى "سلاكة الأسنان الخشبية" تستخدم لمرة واحدة ثم إلقائها في سلة مخصصة.


بالإضافة إلى غسل اليدين باستمرار وخاصة بعد العودة الى المنزل، يفضل تجنب ملامسة أو مصافحة أفراد الأسرة قبل القيام بذلك. 
وفي كل منزل، وجود الكمامات وترمومتر قياس الحرارة والقفاز الطبي ضروري، الاستخفاف بذلك أمر خطير. ويجب تعليم الأطفال كيفية ارتداء الكمامة وعدم تبادلها مغ الأفراد الاخرين كأولوية. ومنالضروري قياس درجات حرارتهم يوميا لملاحظة أي تغير قبل وبعد المدرسة، ولا غبار طبعا من الحفاظ على وجود المعقمات والكحول الطبي والمطهرات في المنزل، واعلم أن تجنب الأماكن المزدحمة والفعاليات والنشاطات الجماعية أمر مفروغ منه.


وتقدم دراسة التجربة الصينية أفكارا مفيدة، ليس هذا الوقت لمقارنة النظم الاجتماعية أو الاقتصادية أو الصحية، إنه وقت التفكر في كيفية مواجهة الأزمة العالمية، اعلم عزيزي القارئ أن الوباء ليس له حدود بشرية، وأن تصرفك أنت كشخص واحد، هو أول طوبة في حائط الصد ضد هذا الوباء، قد لا تكون طبيبا أو ممرضا أو عاملا في مستشفي، لكنك أيضا جزء من الخط الأمامي، يمكنك أن تساعده إيجابيا باتباع إجراءات السلامة الصحيحة، ويمكنك أن تهدمه بتصرف غير مسؤول.


الكل في قارب واحد، ولابد من الوحدة والتعاون،إن أحدا لن يستفيد لو انتشر الفيروس، وموقفك السليم وأنت في مصر لن يحافظ على بلدنا فقط، بل سيساعد في المكافحة العالمية للوباء، إنه أمر في مصلحتك ومصلحة الوطن ومصلحة العالم في آن واحد.


لنستغل الفيروس جميعا في إظهار وحدتنا، وإبراز أفضل ما فينا، إننا حضارة عريقة، مساهماتنا في التاريخ الإنساني لا تنكر، وفي الصين، أشعر بالفخر دائما عندما يتحدث الأصدقاء الصينيون عن مصر وحضارتها وثرائها الثقافي والإنساني، لنظهر سويا الصبر والتضامن، هناك من يتحدث عن فوضوية السلوكيات في مصر وإننا غير مستعدين لمواجهة ذلك الفيروس، ولكني على ثقة كبيرة بأن المصريين الذين قدموا دروسا للعالم في أكتوبر وفي 25 يناير و30 يونيو قادرين على إبهار العالم بدرس إنساني جديد.


يمكن أن نتخذ الوضع جميعا، حكومة وشعبا، كفرصة لإظهار تكاتفنا. الوثائق الفنية المحدثة حصلت وزيرة الصحة هالة زايد عليها من الصين إضافة إلى تقرير وفد الخبراء المشترك بين منظمة الصحة العالمية والصين وكواشف حديثة للفيروس، كلها أشياء مهمة تخدم الفحص السريع والاجراءات الاحترازية.

يمكن للأطباء التواصل عبر الإنترنت ومناقشة مشاكل مرضاهم والعلاجات المحتملة. ويمكن للمدرس أن يتواصل عن بعد مع طلابه، الكل حسب دوره. أثق بقدرة العقل المصري على الابتكار والإبداع وتقديم مفاهيم جديدة في الدراسة والعمل في أمان. 



كما يمكن للحكومة والشركات أن تعمل على تطوير تطبيقات جديدة للهواتف الذكية لجمع البيانات حول الحالة الصحية للمواطنين وتوفير الارشادات وكيفية طلب الفحوصات. الاتجاه نحو أتمتة النظام الصحي، كما بدأت الحكومة في نظام التامين الصحي الشامل، اتجاه إيجابي وفي الطريق الصحيح. ومشاركة ما يتم من اتجازات على الأرض الكترونيا من شأنه أن يشرك الجمهور في تلك المشاريع ويثير نقاشات حيوية حول النتائج الإيجابية والسلبية.


 الحياة تتغير والتكيف مع الإنجازات التكنولوجية الجديدة والرقمنة أمر ضروري. وما يهم أكثر هو الكفاءة والاستجابات السريعة والتنسيق الناجح والسلامة العامة.



انتقاد الحكومة بموضوعية ليس عيبا أو ممنوعا، لكن التشكيك والتبخيس التقليل من كل خطوة تقوم بها لن يقود إلى شئ. النقاش الهادئ بشأن الإجراءات الضرورية، مثل دعم العاملين في المجال الطبي وتوفير كل إجراءات الوقاية من بدلات وأحذية وقفازات ونظارات واقية باعتبارهم الخط الأمامي، وكيفية التعامل مع المرضي ماديا في مراحل الفحوص والعلاج وغيرها أمور مهمة جديرة بالنقاش بدلا من السخرية والتهييج على وسائل التواصل الاجتماعي.


بقدر التحدي الذي يوفره الفيروس هناك فرص يجب أن تستغل. وتفرض أزمة عالمية كهذه على الحكومة ضرورة التحرك بسرعة في المجالات الجديدة المدفوعة بالفيروس، مثل التجارة الالكترونية عبر الهاتف المحمول. وقد أحدثت تلك التجارة فرقا كبيرا في حياة الشعب الصيني من المزارع الصغير الذي يمكنه أن يعرض ويبيع منتجاته بسهولة إلى المتاجر والشركات الكبري التي تبيع الخدمات وحتى تذاكر القطار والطيران، ناهيك عن تجارة التجزئة ذاتية التشغيل التي لا تحتاج إلى عمال، والتفاعلات الاجتماعية الافتراضية، والترفية عبر الانترنت، والعلاج الطبي عبر الإنترنت، والتعليم عن بعد، والروبوتات الصناعية والمدن الذكية، التي بدأت مصر في انشائها مثل العاصمة الادارية والعلمين الجديدة.



 التحرك باتجاه مجالات كهذه يساعد كثيرا في تنظيم حركة الناس وخصوصا في أوقات صعبة مثل انتشار الأوبئة. وكل هذه القطاعات يمكن أن تكتسب قوة دفع قوية من إدخال تقنية الجيل الخامس في البلاد، التي يمكن أن تفيدنا أيضا في إدارة الصحة العامة مثل القيادة عن بعد وإدارة البيانات الضخمة وروبوتات الوقاية من الأوبئة وقياس الحرارة بالأشعة تحت الحمراء، وكله من أجل سلامية الجميع. حفظ الله مصر وأهلها!