رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أتون القدر «24»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب

وقرب نهاية
الحرب العالمية الثانية أي حوالي يناير سنة 1945 كانت جيوش الاتحاد السوفيتي حليف بريطانيا وأمريكا الزاحفة من الشرق قد وصلت حدود ألمانيا الشرقية وبدأت فياقتحامها وكان إجمالي عدد اليهود في هذه المناطق 2.4 مليون شخص وبينما كانت جيوش الاتحاد السوفيتي تتوغل في شرق ألمانيا في طريقها إلى برلين كانت جيوش حليفته بريطانيا وأمريكا مازالت تحارب في غرب ألمانيا عند نهر الألب الذي كانت عاجزة عن عبوره نتيجة المقاومة الألمانية الهائلة، وكانت هناك بضعة أشهر مازالت في عمر الحرب حتى نهايتها في مايو سنة 1945 وبانهيار المقاومة الألمانية في الشرق أمام ضغط الجيوش السوفيتية فر القائد الألماني الأعلى في الشرق بجنوده في اتجاه الغرب للانضمام أو المقاومة ضد بريطانيا وأمريكا عند نهاية الحرب وأقر القائد الألماني قبل هروبه غربًا بفتح كل معسكرات الاعتقال والعمل بالسخرة وإطلاق سراح كل من فيها من الأسرى.


ولكن الأسرى
الذين أطلق سراحهم كانوا مرعوبين من البقاء لحين وصول الجيش السوفيتي ووقوعهم في
قبضته نتيجة ما سبق للروس ارتكابه من فظائع في بولندا بالذات وطلب الأسرى من
القائد الألماني أن يأخذهم معه إلى الغرب، وهنا تدخلت السلطات الشيوعية في موسكو
بسرعة فائقة لإيقاف هرب الأسرى نحو الغرب الألماني وأرسلت موسكو بسرعة البرق
الكاتب الروائي اليهودي الشهير إيليا إهرنبرج إلى شرق ألمانيا وكان يعمل عندئذ
مسئولًا عن الدعاية لحكومة موسكو، ونجح إهرنبرج ف إقناع الكثير جدًا من اليهود
الأسرى في أن الانتظار والوقوع تحت حكم موسكو آمن لهم كثيرًا من الهرب نحو الغرب
لأن هتلر مازالت أمامه بضعة أشهر من الحرب وأنه أقسم أن يقتل كل من يقع في قبضته
من اليهود قبل أن يرحل عن الدنيا، وأن هتلر قتل حتى ذلك الوقت ستة ملايين يهودي في
شرق أوربا، بينما كان العدد الكلي لليهود في هذه المنطقة 2.4 مليون.


ومن هذه اللحظة
نشأت أكذوبة محرقة الستة ملايين يهودي التي تحولت إلى حقيقة لا تقبل المناقشة
وفيما بعد أدخلت عدة دول أوربية في قوانينها الجنائية مادة تعاقب بالسجن كل من
يشكك في المحرقة اليهودية أو في عدد الستة ملايين الذين ماتوا فيها كما تقول
الأكذوبة.


أصبح رقم الستة
ملايين بقرة مقدسة لا تمس ولا تناقش في دول الغرب معقل الليبرالية وحرية الفكر،
وكان من أشهر من دخل السجن لتشكيكه في عدد ضحايا المحرقة المفكر الفرنسي الراحل
روجيه جارودي الذي اعتنق الإسلام فيما بعد.


حشدت الصهيونية
العالمية كل إمكانات الدعاية العالمية لتساند إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين،
وبدأت ضغوط أمريكا وغيرها من دول أوروبا تنهال على السلطات البريطانية في فلسطين
مطالبة بريطانيا بالسماح لكل من يريد من اليهود الذهاب إلى فلسطين والإقامة بها.


وأخرجت
بريطانيا نفسها من المأزق بأن قامت سنة 1947 بإحالة موضوع فلسطين إلى الجمعية
العامة للأمم المتحدة لتقرر مصير فلسطين وتنهي الانتداب البريطاني عليها، وأصدت
الأمم المتحدة قرارها في 29 نوفمبر سنة 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية
ويهودية مع بقاء مدينة القدس ومحيطها مدينة مفتوحة تحت إدارة الأمم المتحدة ومتاحة
لكل الأديان وكان قرار الأمم المتحدة بأغلبية 33 صوتًا ضد 13 مع اقتناع عشرة أعضاء
عن التصويت، وتأكد بعد ذلك أن ممثلي بعض الدول التي صوتت لصالح التقسيم خصوصًا من
ممثلي جمهوريات الموز بأمريكا الجنوبية قد تم شراء أصواتهم من خلف ظهر دولهن.


الحرب العالمية
العربية الإسرائيلية الأولى:


هاج العالم
العربي وماج وبدأ يستعد للحرب وسارعت المنظمات اليهودية في العالم وخاصة فلسطين
بالاستعداد لإعلان قيام الدولة اليهودية باسم إسرائيل لحظة انسحاب الانتداب
البريطاني في مساء 14 مايو سنة 1948 وكانت الدولة اليهودية الوليدة مستعدة للحرب
تمامًا.


فقد أنشأت خلال
الحرب العالمية الثانية ما عرف بالفيلق اليهودي بحجة مساعدة المجهود الحربي
للحلفاء ضد ألمانيا العدو المشترك وعند إعلان قيام إسرائيل كان لدى اليهود أكثر من
ستين ألف جندي مكتمل التدريب تماما، اشترك الكثير منهم في الحرب العالمية الثانية
اشتراكًا فعليًا وسمت إسرائيل جيشها الجديد «الهاجناه» أي جيش الدفاع بالغة
العبرية وإلى جانب الهاجناه كان لدى اليهود عدة عصابات إرهابية بالغة القسوة في
عملياتها التي كانت تهدف قبل قيام الدولة إلى إرهاب جنود الانتداب البريطاني
وإرهاب العرب لدفعهم لبيع أملاكهم والهرب من فلسطين، وبعد قيام الدولة كان هدف هذه
العصابات إجراء المذابح بين العرب لإخلاء فلسطين منهم لإيجاد مكان لليهود الوافدين
وكانت من أشهر عمليات الإرهاب قبل قيام الدولة نسف فندق الملك داود التاريخي مقر
القيادة البريطانية بالقدس سنة 1946 وقبل إعلان الدولة بأيام في إبريل سنة 1948
كانت من أكبر العمليات الإرهابية بين اليهود إبادة قرية دير ياسين العربية قرب
القدس بكل سكانها العرب نساء ورجالًا وشيوخًا وأطفالًا حتى تصاب باقي القرى
المجاورة بالرعب وتهرب من موجة الطوفان اليهودي الزاحف وتخلي له قرارها وكانت أكبر
وأشرس العصابات الإرهابية اليهودية هي عصابة أرجون زفاي ليومي تحت قيادة السفاح
الشهير مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل فيما بعد الذي وقع مع الرئيس الراحل السادات
معاهدة السلام في كامب ديفيد سنة 1979.


أما على الجانب
العربي فقد دخل الملوك والرؤساء العرب هذه الحرب وهم يعلمون أن جيوشهم غير مستعدة
لها إطلاقًا، وأن عدوهم اللدود بريطانيا التي أنشأت إسرائيل مازالت تحتل الكثير من
بلادهم وتمثل خنجر في ظهورهم وهم يواجهون اليهود، دخل القادة العرب الحرب وهم
يدركون جيدًا أنهم غير مستعدين لها ولم يتحرج ضمير واحد من الأرواح التي ضاعت
والدماء التي شربتها الصحراء.


انتهت الحرب بعد
أشهر قليلة تخللها عدة فترات هدنة فرضتها الأمم المتحدة حتى يستكمل اليهود تسليحهم
وعندما تم توقيع اتفاق الهدنة الدائمة بين العرب واليهود في أوائل سنة 1949 كان
تحت يد إسرائيل ضعف مساحة الأرض التي خصصها لها مشروع التقسيم الذي وضعته الأمم
المتحدة لم يبقى للعرب سوى قطاع غزة البالغ مساحة 360 كيلو متر مربع تحت الإدارة
الأردنية وسرعان ما سارع الملك عبد الله ملك شرق الأردن عندئذ بإعلان ضم الضفة
الغربية لبلده الذي تحول اسمه فيما بعد إلى «الأردن» بدلًا من شرق الأردن.