رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد مازن يكتب من بكين: محنة الصين وتسييس كورونا

محمد مازن
محمد مازن


في وقت صعب مثل الذي تمر به البشرية الآن، كان من الطبيعي أن يخرج المناوئين للتعاون الصيني-الأمريكي من جحورهم ويدعون إلى الطلاق ويحلفون بأقدس أيمانهم بأن وباء كورونا الحالي يدعم نظرياتهم وحان وقت تشييع" العولمة" إلى مثواها الأخير.


لكن في الواقع، الذعر الناجم عن فيروس كورنا الجديد يؤكد على خطأ رؤاهم، إذ لم يؤكد المرض على عمق ارتباط العالم ببعضه قط، بل أكد على ضرورة رفع القبعة للعولمة والمضي بها قدما. 


فالاستجابة العالمية المطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى هي-- التعاون والتآزر والوحدة في مكافحة الفيروس المسبب لمرض كوفيد-19، ولا حديث بعد ذلك يمكن أن يجدي.


فقد ضرب فيروس كورونا المستجد قارات العالم كلها تقريبا باستثناء انتاراكتيكا. ومن آسيا وأوروبا وأفريقيا إلى الأمريكتين واستراليا يواصل الفيروس انتشاره من دولة إلى أخرى، وارتفع عدد الإصابات المؤكدة به في العالم. 


والثابت أن الصين تبنت موقفا مفتوحا ومسؤولا تجاه كورونا الجديد منذ اندلاع انتشاره، إلى جانب مشاركة المعلومات حوله في الوقت المناسب مع منظمة الصحة العالمية الدول الأخرى، أغلقت الصين مركز اندلاعه" مدينة ووهان"ومدن أخرى. 


واعتمدت تدابير حجر صحي صارمة لمنع الفيروس من الانتشار خارج حدوده، واثبتت تلك الجهود فعاليتها في احتواء الفيروس وتشهد على ذلك الأرقام التي تشير إلى تراجع معدل الوفيات والاصابات به في الصين الآن.


لكن اللافت في سياق التعاطي مع أزمة انتشار الفيروس هو أن الإجراءات التي اتخذتها الصين وانتقدها البعض قد بدأت تطبق على نطاق واسع في الدول المصابة، حيث تم إغلاق مدن وعزل عدد كبير من المواطنين ومنع التجمعات والأحداث والفعاليات، بل تجلت أيضا بشكل وبآخر مدى ازواجية المعايير لدى البعض وتحاملهم ضد الصين من خلال اجراءات غير مفهومة اقل ما يقال أنها تجاوزت توصيات رأس الصحة في العالم، منظمة الصحة العالمية.


فقد كان رد فعل البعض، وخاصة في الغرب، في المرحلة الأولى من تفشي المرض في الصين يتسم بالأنانية وضيق الأفق، ولم تدخر وسائل إعلامية غربية أية جهود لتشوية الصين، كما لم يفوت عدد من صقور السياسة المناوئين للصين في واشنطن اللحظة لتسييس المرض، ومن رجال السياسية والمسؤولين الكبار الى وسائل الإعلام النافذة تجلى ذلك بأقبح صوره ضد الصين، اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا وحتى إنسانيا.


لكن في نفس الوقت، أعرب قادة أكثر من 160 دولة ومنظمة دولية عن تضامنهم مع الصين وقدموا المساعدة وأكدوا أيضا ثقتهم بآفاق التنمية الاقتصادية في الصين ودورها كقوة دافعة للنمو العالمي. وفي احدث رسائل الدعم، زارت وزيرة الصحة المصرية هالة زايد الصين أمس الاثنين حاملة مساعدات بتوجيه من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتلقت من الجانب الصيني هدية طبية ثمينة، في مثال رائع على الدعم المتبادل للأصدقاء وقت الشدة.


بالتأكيد، كل بلد به الحق أن يتخذ الإجراءات التي تكفل له الحفاظ على سلامة مجتمعه، ولكن تعمق الأزمة العالمية الناجمة عن فيروس كورونا، أظهر مدى التصاق العالم ببعضه، ومدى ما يمكن أن يؤثر فيه التباطؤ في اقتصاد على سلسلة التوريد العالمية، ناهيك أنه ثاني أكبر اقتصاد في العالم أو " مصنع العالم".


ومن هذا المنطلق، تواصل عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي مع نظيريه الياباني والكوري الجنوبي الأسبوع الماضي وأكد على ضرورة استقرار سلاسل التوريد الصناعية وسلاسل الإمداد وتقليل تأثير المرض على التعاون الثنائي قدر الإمكان.


وفي هذا الوقت الصعب، تكتسب المخاوف من نقص أقنعة الوجه وغيرها من المستلزمات الطبية والملابس الواقية جاذبية في العالم.


وتجاهد الشركات الصينية لزيادة إنتاج تلك المستلزمات لتلبية الطلب المتزايد في الداخل والخارج وضمان عدم انقطاع سلسلة التوريد العالمية. وقد تجاوز الإنتاج اليومي للأقنعة من طراز "إن95" في الصين 1.07 مليون قطعة اعتبارا من يوم الاثنين الماضي.


وبالنسبة لبلد مثل الولايات المتحدة، تحتل الصين المرتبة الثانية بين الدول التي ترسل إليها الأدوية والمستلزمات الوقائية، وهي نقطة في بحر تؤكد على أهمية التعاون بين البلدين في مواجهة دعوات "الطلاق" بين الاقتصادين الأكبر في العالم.



هناك احتمال أن يتفاقم الداء ويزداد الطلب على الموارد الطبية، وأن يتجه اهتمام البلدان في جميع أنحاء العالم إلى تأمين إمدادات المواد لضمان أن تعمل مجتمعاتها بشكل طبيعي. لكن في هذا الوضع يتحتم التركيز على الصورة الأكبر وتضافر العالم والاستعداد لتقديم المساعدة إلى المناطق المنكوبة.


فقد فرض الوباء ظرفا وقتيا صعبا يستلزم على البشرية أن تواجهه بشكل مشترك، فلا يمكن لدولة واحدة أن تواجهه بمفردها، ولا يمكن لدولة أن تستفيد من محنة الأخرى، إنه عدو مشترك، ومن باب أولى أن تتركز جهود مجابهته على التعاون وتنسيق الإجراءات والاتفاق على معايير موحدة بشأن حركة الأشخاص والمنع من السفر والتجارة وتأمين سلاسل التوريد العالمية، بدلا من سياسة إلقاء اللوم والتسييس والتشويه والوصم واتخاذ إجراءات أحادية.


لقد تأسس النظام العالمي الحالي نتيجة للعولمة، ومن شأن الدعوات المنادية بالانعزالية واحباط العولمة أن تعرض مصالح الجميع للخطر في عالم معولم. 


وفي هذه اللحظة الحاسمة، ينبغي أن تتكاتف جميع الدول لمكافحة الفيروس والتغلب على الصعوبات وألا تسمح له بإيقاظ الأنانية البشرية، حتى لا تنتشر كفيروس. ويجب أن يدرك الجميع في الولايات المتحدة تحديدا أن " مصائب قوم لن تكون عند قوم فوائد".