رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

لغز «التخوف» من حصول مصر على قرض جديد من «صندوق النقد»

صندوق النقد الدولى
صندوق النقد الدولى فى مصر

خلال الأيام الماضية، قال المتحدث باسم صندوق النقد الدولي، جيري رايس، إن مصر التي أنهت مؤخرا برنامج مساعدات حصلت عليها من الصندوق، تحتاج إلى «موجة جديدة من الإصلاحات»؛ لتنشيط القطاع الخاص، وزيادة فرص العمل، مؤكدا أن مؤسسته مستعدة لدعمها.


وقال في مؤتمر صحفى: «أعتقد أن السلطات المصرية ذاتها تشاطرني هذا الرأي»، مؤكدا استعداد صندوق النقد الدولي لمساعدة هذا البلد بكافة الطرق الممكنة.


وذكر المتحدث باسم صندوق النقد الدولي، أن مصر كانت استفادت من خطة دعم مالي بقيمة تناهز 12 مليار دولار، وانتهى المخطط الثلاثي الذي بدأ في نوفمبر 2016 في نوفمبر 2019.


وأضاف أن: «البرنامج كان ناجحا في جلب الاستقرار للاقتصاد المصري»، مشيرا إلى انتعاش النمو وتراجع التضخم وعجز الميزانية، بالتالي سجلت مصر زخما جيدا في المستوى الاقتصادي، لكنها بحاجة لمواصلة إصلاح الشركات.


وتابع: «ليس لدينا حاليا برنامج تمويل لمصر»، لكنه أشار لوجود مباحثات مع السلطات المصرية لتحديد نوعية تدخل الصندوق المناسب "أكثر لمصر مستقبلا".


وأصاف، أنه ومع تحسن الوضع الاقتصادي لمصر لا يزال ملايين الأشخاص يعيشون من أعمال هامشية بدون ضمانات اجتماعية. وبحسب آخر أرقام مكتب الإحصاءات المصري فإن نحو مصري من ثلاثة يعيش تحت خط الفقر.


هذه التصريحات المفاجئة من صندوق النقد الدولي، أثارت الكثير من المخاوف عند المصريين، في ظل الحديث عن النجاحات الكبيرة التي حققها برنامج الإصلاح الاقتصادي، كما تؤكد الكثير من المؤسسات الدولية، وفي ظل حديث الحكومة عن أن المصريين في طريقهم لجني ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي.  


يذكر أن الحديث عن تعاون جديد مع صندوق النقد الدولي ليس جديدا، لكن الجديد هو محتوى ومضمون ما قاله المتحدث باسم صندوق النقد الدولي عن البطالة.


وفي شهر يونيو 2019، قالت الحكومة المصرية، إنها تهدف لإبرام اتفاق غير مالي مع صندوق النقد الدولي بحلول شهر أكتوبر الجاري، ليحل محل اتفاقية القرض الموقعة بين الطرفين والتي ستنتهي هذا الشهر.


ومن خلال هذه الخطوة يمكن مساعدة البلاد في أن تظل سوقًا جاذبة للمستثمرين الأجانب، وأشاد خبراء الاقتصاد بهذه الخطوة مشيرين إلى أنها تهدف إلى معالجة المشكلات العالقة كالبطالة وعجز الموازنة والفقر من خلال توصيات صندوق النقد الدولي.


وفي شهر أكتوبر 2019، قال طارق عامر محافظ البنك المركزي، إن مصر تناقش تعاونًا جديدًا محتملًا مع صندوق النقد الدولي لمساعدتها في تنفيذ إصلاحات هيكلية عندما ينتهي برنامجها الحالي مع الصندوق الشهر المقبل.


وأضاف طارق عامر، أن الحكومة وصندوق النقد يناقشان ما إذا كان هناك مجال للتعاون مستقبلًا، وأن الموضوع لا يزال قيد النقاش والتشاور.


وتابع: "نحن الآن ننفذ إصلاحا هيكليا..نتطلع لنرى ما إذا كان صندوق النقد الدولي يمكنه المساعدة في موضوع الإصلاح الهيكلي". 


وفي شهر نوفمبر 2019، قال الدكتور محمد معيط وزير المالية، إن مصر تسعى لإبرام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولى حول سبل تعاون مختلفة قبل شهر مارس المقبل.


وأشار «معيط» إلى أن مصر حريصة على استمرار أطر التعاون مع مؤسسات التمويل الدولية وبالأخص صندوق النقد الدولي، لما حققه التعاون المشترك بين مصر وصندوق النقد من نجاحات على المستوى الاقتصادى مدفوعة بخطوات الإصلاح الاقتصادية التى اتخذتها مصر خلال السنوات الـ4 الأخيرة.


وتقول الدكتورة عالية المهدي، العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن هناك تناقضًا بين ما يقوله صندوق النقد الدولي وبين الأرقام المعلنة من قبل الحكومة، الحكومة تقول إن معدلات البطالة والتضخم تراجعت بشدة وأن معدل النمو في ارتفاع، بينما صندوق النقد الدولي يقول عكس ذلك، فهل برنامج الإصلاح الاقتصادي لم ينجح؟، مشيرة إلى أنها تصدق أرقام الدولة الرسمية.


وأضافت «المهدي»، أن هبوط سعر الدولار مصطنع، لأن هذا الهبوط لم يصاحبه تحقيق فائض في ميزان المدفوعات، الذي ما زال يحقق عجزا، وبالتالي هبوط سعر الدولار ليس شيئا طبيعيا، وهذا يؤكد على أن سعر صرف الدولار يدار من قبل الحكومة، بمعنى أن الحكومة هي التي تخفض سعر الدولار وترفع قيمة الجنيه، مشيرا إلى أن ارتفاع قيمة الجنيه وهبوط سعر الدولار ليس مؤشرا جيدا أو مستحبا، لأن هذا الأمر سيكون له تأثير سلبي على التصدير، ويؤدي إلى ارتفاع تكلفة المنتج المصري وارتفاع سعره في السوق، وهذا ليس هدفا في حد ذاته وليس شيئا جيدا.


وأكدت الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أنها تتفق مع ما ذكره صندوق النقد الدولي مائة في المائة، وأنها حذرت من ذلك أكثر من مرة قبل ذلك، مشيرة إلى أنه رغم تحسن المؤشرات الاقتصادية والجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة لخفض معدلات البطالة والتي انخفضت في المتوسط العام، إلا أن ذلك غير كافٍ ويحتاج إلى مضاعفة الجهود، حيث ما زال معدل البطالة بين الشباب عاليا، كما أن معدل البطالة بين النساء ما زال أكثر بكثير من الرجال، وهذا ناتج من عدم استثمار الموارد البشرية على الوجه الأفضل وكذلك عدم وجود عدالة في توزيع الدخل، لافتة إلى أن الفئات التي تتسرب من مراحل التعليم الإعدادي والفني غير مؤهلة مهنيا وعلميا لشغل وظائف مستدامة، ومطلوب من الدول أن تقوم بتأهيل هذه الفئات من أجل إيجاد فرص عمل مناسبة لهم ومن ثم خفض معدلات البطالة.


وأضافت «حماقي» أن ما ذكره صندوق النقد الدولي يكشف أن هناك طاقات بشرية مهملة تشكل عبئًا على أسرها، كما يؤكد أن نسبة الفقر ما زالت مرتفعة، وأن الإصلاح الاقتصادي أثر سلبا وبشكل كبير على الطبقة المتوسطة، وبالتالي ما يقوله الصندوق كلام منطقي جدا ونحن تحدثنا عنه أكثر من مرة، موضحة أن تخفيض معدل البطالة يحتاج من الحكومة النزول على أرض الواقع والتركيز على الجانب الحقيقي في الإصلاح، كما أن الموضوع يحتاج إلى تكثيف الجهود بالنسبة لبرامج التدريب والتشغيل ورفع المهارات وإقناع الشباب بضرورة الانخراط في مسار وظيفي حقيقي، بدلا من الاعتماد على الأعمال المؤقتة والعشوائية مثل التوكتوك.


وطالبت الحكومة بتفعيل القوانين الخاصة بعمالة وتعليم الأطفال، التي تلزم الأباء بتعليم أبنائهم وعدم تشغيلهم وعدم الاعتماد عليهم كمصدر للدخل كما يحدث الآن، وهذه جريمة وفي منتهى الخطورة وتستحق مساءلة الآباء وسجنهم، كما طالبت الحكومة القيام بحملات توعية لخريجي التعليم الفني من خلال الأحزاب السياسية ومراكز الشباب، من أجل الالتحاق بمشار وظيفي مختلف تماما عن الأنشطة الطفيلية وتعليمهم حرف ومهن تجعل لهم شخصية وكيان ومستقبل، مؤكدة أنها تعرف بعض الشباب الذين دخلوا في مشروعات فتحولوا إلى مليونيرات والآن في طريقهم لأن يصبحوا مليارديرات، وبالتالي يجب على الحكومة أن تعمل الفترة القادمة وبشكل مكثف على موضوع الموارد البشرية، وتحويل رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي الخاصة ببناء الإنسان إلى واقع، مشيرة إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي في بداية فترة رئاسته الثانية طالب الحكومة بأن يتم التركيز الفترة القادمة على الموارد البشرية وبناء الإنسان.


واستطردت أستاذ الاقتصاد، أن أحداث مباراة الأهلى والزمالك والإسفاف في الأغاني وردود أفعال الناس غير المسئولة هي بمثابة جرس إنذار، وتؤكد بأن هناك أخطاء كبيرة جدا حدثت في التعليم، وأن هناك هزة كبيرة حدثت في منظومة القيم المصرية، مشيرة إلى أنه لا توجد تنمية أو تقدم بدون قيم، وأن وجود منظومة قيم قوية شرط أساسي لأي تنمية أو تقدم، وأن عدم وجود منظومة قيم قوية يجعل من الصعب حدوث تقدم أو تنمية حقيقية، مشيرة إلى أنه رغم المؤشرات الاقتصادية الجيدة جدا عن الاقتصاد المصري لا يزال التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة هو كيفية إدارة الموارد البشرية بالشكل الأمثل، لأن الجهد الذي بذلته الحكومة الفترة الماضية ليس كافيا لأنه لم يكن بحجم المشكلة.


وأضافت: المطلوب هو أن تتم مضاعفة هذا الجهد بحيث يكون متناسبا مع حجم المشكلة، مرجعة هبوط سعر الدولار إلى خفض الاستيراد من الصين الشريك التجاري الرئيسي لمصر بسبب فيروس كورونا، مطالبة بعدم التهليل لموضوع انخفاض سعر الدولار والتقليل من حجم التحديات التي تواجه الدولة، لافتة إلى أنها من الذين يعتبرون أن الإصلاح الاقتصادي لم ينتهِ بعد، معتبرة أن الحفاظ على آثار الإصلاح واستدامته أكثر صعوبة من الإصلاح نفسه، مؤكدة على أن استكمال برنامج الإصلاح والحفاظ على نجاحه يتطلب التركيز الفترة القادمة مع قطاعات الزراعة والصناعة وتكنولوجيا المعلومات من أجل تأمين نجاح البرنامج، لافتة إلى أن دعم صندوق النقد الدولي القادم لمصر سيكون استشاريا وليس ماديا أو ماليا، لأن مصر ليس في حاجة إلى الحصول على قرض جديد.


ويقول الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إن ما ذكره صندوق النقد الدولي يعني أن القطاع الخاص ليس له أي دور في عمليات التنمية، وأن العمالة التي يتم الإعلان عنها هي عمالة يومية ليس لها غطاء تأميني، محذرا من تكرار تجربة نواب القروض التي حدثت في عهد الدكتور كمال الجنزوري أثناء تسوية مشاكل رجال الأعمال والمصانع والشركات المتعثرة، طبقا للمبادرة التي أطلقها البنك المركزي، لاسيما وأن الأرقام التي تم الإعلان عنها مخيفة جدا، مطالبا بأن تتم التسوية بشكل فردي وطبقا لظروف كل حالة، لأن التسوية الجماعية في ظل الركود الموجود ستؤدي إلى كارثة، لافتا إلى أن ذلك هو نتيجة قرار التعويم الذي حذر منه مرارا وتكرارا، محذرا من حدوث قفزة كارثية في الأسعار الفترة القادمة، في ظل التضخم الحلزوني الذي يعاني منه الاقتصاد حاليا، والناتج عن الارتفاع والهبوط المتتالي والمفاجئ لسعر الدولار، موضحا أن هبوط سعر الدولار ليس دليلا على قوة الاقتصاد.