رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الملف الأسود لـ«استراحات الأطباء»: «سكن غير آدمى»

الدكتورة هالة زايد
الدكتورة هالة زايد

اتفق الخبراء وأعضاء نقابة الأطباء على أن استراحات الأطباء في أغلب مستشفيات الجمهورية تُعاني من الإهمال، واصفين إياها بـ«غير الآدمية». 


ولعل حادثة الطبيبة سارة أبو بكر مصطفى، والتي كانت تعمل نائبة أطفال بمستشفى المطرية، التي تعرضت للصعق الكهربائي في استراحة المستشفى، مما تسبب في وفاتها، هي الحادثة الأشهر، التي فتحت الباب أمام ضرورة إعادة تأهيل الاستراحات، لكن شيئًا من هذا لم يحدث.

 

ليس هذا فقط، ولكن وقبل 3 أعوام، تعرض طبيب تخدير يبلغ من العمر 35 عاما، للوفاة داخل استراحة الأطباء بمستشفى العجوزة، لكن تم التعتيم على القضية، وخرج تقرير الوفاة يُفيد بأن الطبيب توفي نتيجة إصابته بهبوط في الدورة الدموية. 


ويرى الدكتور رشوان شعبان، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء، أن استراحات الأطباء تُمثل "نظرة وزارة الصحة" للأطباء، فلو أن الأطباء مهمون أو يُمثلون شيئًا لوزارة الصحة، لكانت قامت بتحسين استراحات الأطباء. 


ويُضيف، أن الاهتمام بالطبيب، يأتي في مؤخرة كل الأولويات التي تقوم بها وزارة الصحة، لافتًا إلى أن معظم كل استراحات الأطباء سواء في المستشفيات العامة التابعة لوزارة الصحة أو الخاصة تُعاني من الإهمال. 


ويُشير "شعبان" إلى أن الاهتمام بـ "مقدم الخدمة – الطبيب" جزء من نجاح العملية الصحية في مصر، لافتًا إلى أنهم يشعرون بالمرارة نتيجة سوء ودمار استراحات الأطباء، ويعتبر "شعبان" أن 95% من استراحات الأطباء في مصر "كارثة". 


كما يُضيف الدكتور خالد سمير، عضو مجلس نقابة الأطباء، أن وزارة الصحة تتهرب من القضية بدعوى عدم وجود ميزانية لديها من أجل توفير استراحات آدمية للأطباء، لافتًا إلى عدم وجود بدل طعام للطبيب أو بدل انتقال، فضلًا عن أن نبطشية الطبيب في الليلية لا تتعدى 35 جنيهًا. 


ويُوضح، أن وزارة الصحة لا تُخصص "بندا في موازنات المستشفيات" لاستراحات الأطباء، على الرغم من وجود صندوق مالي يُعرف بـ "صندوق تحسين الخدمة" يُوفر الكثير من الأموال، التي ينبغي توفير جزء منها للصرف على تطوير وإعادة هيكلة استراحات الأطباء. 


ويُتابع سمير، أن صناديق تحسين الخدمة، أُنشئت بموجب القرار رقم 239 لوزيري الصحة والتنمية المحلية، والذي ينظم رسوم تقديم الخدمة للجمهور، والذي حددها بقيمة جنيه واحد قبل الساعة 11 صباحا، ورسم 3 جنيهات بعد الساعة 11 صباحا، والذي مازال يتم العمل به حتى الآن. 


وبحسب لائحة صندوق الخدمة، فإن له مجلس إدارة مختص يكون منوطًا به عملية الصرف، ويُخصص منه ما يقرب من 48 % حوافز للعاملين، و40 % صيانة للوحدة ومكوناتها من أجهزة ومرافق وشراء المستلزمات، ويذهب منها 3 % لوزارة الصحة ودعم مشروعات، وتدريب الأطباء والصيادلة. 


ويُشير «سمير» إلى أن أيضًا صناديق تحسين الخدمة، لم يُخصص فيها بند لتحسين استراحات الأطباء، لافتًا إلى أن الأطباء المُقيمين يُعانون من أزمة عدم وجود استراحات لهم، على الرغم من أن هذا مخالف للعرف الطبي، لأن وظيفة الطبيب المُقيم أن يكون هو مقدم الخدمة الأول، لكن نظرًا لعدم وجود استراحات، فكثير من الأطباء المُقيمين لا يتم تدريبهم أو حتى يستطيعوا القيام بعملهم. 


ويلفت عضو مجلس نقابة الأطباء، أن وظيفة "سكن النواب والمُقيمين الخاص بالأطباء" فرض على وزارة الصحة، فهو ليس من أجل النوم فقط، ولكن يتم تخصيص جزء منه لتدريب الأطباء على طريقة التعامل مع الحالات الطارئة، مثل الحوادث أو الكوارث الطبيعية وهكذا. 


إلى ذلك، يقول الدكتور أحمد حسين، عضو مجلس نقابة الأطباء، إن وزارة الصحة تُحاول أن تبدو وكأنها تهتم بالمريض في مصر، لكن الجزء الأساسي في العملية الطبية هو الاهتمام بالعامل البشري وهو الطبيب، لأن بدونه ستتعرض المنظومة الصحية للفشل. 


ويُضيف، أن استراحات الأطباء لايتوفر بها دورة مياه آدمية، فضلًا عن كون جزء كبير منها لا توجد بها أسرَّة للنوم أو كرسي، لافتًا إلى أن عند مطالبة الأطباء بضرورة إعادة تأهيل الاستراحات، تتعلل وتتهرب وزارة الصحة بعدم وجود بند في الموازنة لذلك؛ لكن هذا غير صحيح، لأن الموازنة العامة لكل مستشفى يوجد بها "بند صيانة – بند تجهيزات" وهذين البندين يُستخدمان لتجهيز الاستراحات وصيانتها، لكن الوزارة لا تُريد القيام بذلك. 


ويُشير حسين إلى وجود "تفرقة" في المعاملة بين الأطباء في قضية الاستراحات، بمعنى أن المستشفيات النموذجية أو تلك الموجودة في القاهرة والإسكندرية توجد بها "استراحات جيدة جدًا"، بعكس باقي الاستراحات الموجودة في أغلب مستشفيات الجمهورية. 


ويُدلل عضو نقابة الأطباء على ذلك، بأن الأطباء في مستشفى منفلوط في محافظة أسيوط، ينامون في مسجد المستشفى، نظرًا لعدم وجود "استراحة"، مشيرًا إلى أن نقابة الأطباء تكتفي فقط بالمطالبة، لكنها لاتقوم بمجهود لتقديم اقتراحات أو متابعة قضية استراحات الأطباء. 


ويقول حسين، إن النيابة الإدارية بعد واقعة "طبيبة المطرية التي توفت في استراحة المستشفى"، طالبت وزارة الصحة بتأهيل وإعادة هيكلة استراحات الأطباء، لكن القضية تحتاج إلى بحث ومجهود ومتابعة، ذلك أنه على نقابة الأطباء تجهيز ملف كامل بكل استراحات الأطباء، تُفصِل فيه النقص الموجود في كل استراحة، وبذلك تضمن عدم تهرب وزارة الصحة من أداء دورها. 


من جهتها، تقدمت الدكتورة إيناس عبد الحليم، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء ووزيرة الصحة، بشأن فشل خطة وزارة الصحة في علاج تدني استراحات الأطباء بجميع مستشفيات مصر.


وبحسب طلب الإحاطة، فإن الطبيب يحتاج إلى راحة معنوية قبل المادية كي يستطيع تحمل مشاق مهنة الطب، والتى تجبر الطبيب على العمل لمدد تتجاوز الــ17 ساعة يوميا، وأبسط حقوقهم المعنوية وجود استراحات للأطباء تليق بهم، فالاستراحات المخصصة لهم غير آدمية، بلا إمكانيات تذكر، ما يجعل الحياة فيها غير آدمية ومهينة وقاسية ولا تحترم طبيعة عملهم.


وتُشير النائبة إلى أن استراحات الأطباء غير إنسانية، فهي عبارة عن غرف بلا أي إمكانيات، أو أثاث، سوى أسرّة متهالكة، وحمامات غير آدمية، كما أنه حينما شعرت وزارة الصحة بهذه المأساة وحاولت حل هذه المشكلة، فشلت في طريقة العلاج بل وأصبحت الوزارة جزءا من المشكلة.


وتُوضح، أنه على الرغم من قيام وزارة الصحة بإصدار قرارا بتشكيل لجنة لتقييم مسابقة اختيار أفضل تصميم لسكن الأطباء، وفاز بها فريق من طلبة الجامعات المصرية، الذي وضع تصورًا للتصميم الداخلي لسكن الأطباء والتمريض بالمستشفيات الحكومية؛ لكن بعد الوزارة أغلقت الموضوع، ولم تُحرك ساكنًا ولم يتم تنفيذ أي ترميم لأي استراحة. 


وتتهم النائبة، وزيرة الصحة بجريمة إهدار المال العام، فقد تم صرف المكافآت للفائزين في المسابقة ولم يتم تنفيذ إصلاح أو ترميم استراحات الأطباء، كما أن تفاقم الوضع وأصبح لا يمكن السكوت عنه بكل المقاييس، مما يستدعي معه المساءلة القانونية قبل المهنية عن حال استراحات الأطباء.