رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

التطور التكنولوجي.. والروابط بين أفراد المجتمع

عمر حبيب
عمر حبيب


تحدثنا في المقال السابق عن مدى إرتباط مقومات النجاح ببعضها البعض، و كيف للثلاثي الذهبي ( الوقت ، الصحة ، المال ) التأثير العميق و الفعال في تقدم و رقي الشعوب و الأمم ، و أن حُسن إدارة و استثمار تلك العوامل هو نقطة التحول التي تصنع الفارق بين الدول المتقدمة و الدول المتأخرة .

و لكن دائماً و سيظل العنصر البشري هو المحرك الرئيسي لكل الظروف و المعطيات المحيطة به .. سيظل دائماً هو الربان الذي يقود السفينة ، و يجب ألا تختل دفة القيادة من بين يديه .

إن الشعب هو الوحيد القادر على تحقيق مصيره ، و رسم خطة الطريق و المضي في تنفيذها ، لذا وجب على هذا الشعب بإختلاف طوائفه و إنتماءاته أن يتوحد دائماً في سبيل تحقيق هدف واحد وهو أسمى و أنبل هدف في الوجود .. ألا و هو العمل على رفعة شأن الوطن و إعلاء منزلته وسط أقرانه من الدول .

لقد اختلف شكل الحياة في المجتمع المصري كثيراً عما كان عليه الحال في القرن الماضي ، فبعد التطور العلمي و التكنولوجي الكبير خلال العشرين سنة الماضية و المتمثل في ظهور الهواتف المحمولة وانتشار الأجهزة الإلكترونية الحديثة و التي وصل حجمها إلى حجم كف اليد الصغيرة ، هذا بالإضافة إلى الإنترنت الذي أصبح الآن لا يخلو منه أي بيت مصري أو مقهى و حتى في بعض وسائل المواصلات كالأتوبيسات و القطارات .. كل هذا جعل العالم بحق قرية صغيرة بل أقرب إلى شارع صغير .

وانتشرت وسائل الإتصال السريعة المرئية و المسموعة و المقروءة ، و أصبحت و أنت في مكانك تحادث أشخاصاً بينك و بينهم آلاف الأميال ، يرونك و تراهم و كأنهم جالسين أمامك وجهاً لوجه .

ثم ظهرت بعد ذلك .. و زاد تأثيرها في الآونة الأخيرة مواقع التواصل الإجتماعي .. تلك المواقع التي أُنشئت خصيصاً من أجل أن يتواصل أفراد المجتمع من أهل أو أقارب أو أصدقاء باعدت بينهم ظروف الحياة لسبب أو لآخر ، أنشئت من أجل الحفاظ على ترابط البشر و تواصل العلاقات الإنسانية و إلتحام خيوط تلك العلاقات التي أصابها التلف أو الإنقطاع .

لم نكن نعلم أنه في خلال عدد قليل من السنين سوف تتحول تلك المواقع و ذلك العالم الإفتراضي الذي نعيشه من خلال شاشات الحاسب أو المحمول إلى عالم حقيقي يعيش بداخله معظمنا .. نفرح و نحزن من خلاله .. نجوع و نشبع .. نحب و نكره .. نؤيد و نعارض .. نعيش من خلاله كل مشاعرنا و أحاسيسنا , أصبحنا لا نتواصل إلا من خلاله ، بل أصبحنا نفترق و نتباعد .. فيكفيني إذا أحسست بالضيق أكتب على صفحتي شيئاً حزيناً ، أو أضع صورة معينة و بجابنها ( إيموشن ) لوجه عابس يعبر عن حالتي النفسية التي أمر بها .

أصبحت أهتم أكثر بشعور الأصدقاء ( الإفتراضيين ) من خلال تعليقاتهم أو (لايكاتهم ) .. بغض النظر عما إذا كان إهتمامهم هذا حقيقي أم مصطنع .

أنا لست ضد التكنولوجيا ، بل إن متابعة التكنولوجيا و تعلُم كل ما هو جديد و مبتكر هو أهم خطوات التقدم و دفع الوطن للأمام .. و لكن ، هل نحن في مصر أو في العالم العربي ككل نفهم و ندرك مغزى التكنولوجيا و الإنترنت بشكل سليم ؟؟.

هل أصبح الفيسبوك و غيره من مواقع ( التفسخ ) الإجتماعي هو ما نعيش من أجله ؟ .. إذا دخلت مطعماً ما لتناول العشاء ، فيجب أن أُسرع و أكتب موقعي الآن على الفيسبوك ، إذا شاهدت فيلماً أو مسلسلاً أكتب على الفيسبوك .. لا ينقصني سوى عند دخولي دورة المياه أن أسجل هذا الحدث التاريخي أيضا على الفيسبوك ! .

من أين أتى هذا الهوس ! .. نعم هوس .. فهذه الحالة الغربية التي نعيشها تطورت بداخلنا فأصبحت حالة نرجسية مرضية .. أصبحنا نزهو بأنفسنا و لا ندرك ما يحدث حولنا .. أصبح الأب و الأم و الأبناء لا يتكلمون داخل المنزل الواحد ، بل يكتفون بالرسائل النصية على الواتس آب و الفايبر و غيرها .. أصبحت أرى قائدي السيارات في الشوارع لا يكترثون حتى بالنظر إلى الطريق ، بل رؤوسهم غارقة في هواتفهم يكتبون و يرسلون ، لا يهم إذا كان ذلك سوف يتسبب في مقتل شخص ما أو حتى في مقتل أنفسهم .

أين الأسرة المصرية التي كانت تتجمع بعد العشاء تتسامر و تتجاذب أطراف الحديث ، بل أصبحوا الآن أشبه بالتماثيل كأنهم خُشب مسندة .. كلٌ يجلس في مكانه صامتا صامدا لا يتكلم و لا يتحرك تكاد تظنه لا يتنفس ، و في يديه هاتفه المحمول أو التابلت يتابع الفيسبوك أو يلعب بإحدى الألعاب الإلكترونية المملة الخالية من المتعة و الإبداع .

لا تقل لي يا صديقي إن الوضع إختلف عن الماضي بسبب تلك العبارة السخيفة التي تتردد كثيراً بأن ( إيقاع الحياة الآن سريع ) .. لأنه إن كان إيقاع الحياة سريعاً كما تتدعي .. فلماذا لم نتقدم و نتطور في ظل هذا الإيقاع السريع ، و لماذا نسئ إستخدام الوقت ووسائل التكنولوجيا الحديثة و غيرها من إبداعات العصر الحديث و بدلا من إستخدامها في الدفع بنا للأمام نستخدمها في توافه الأمور ، و التي لا نجني منها سوى السقوط في دوامة الفشل و الإنهيار ؟ .

كل ما سبق في كوم .. و أن الفيسبوك أصبح مصدر معلوماتنا و وسيلة ثقافتنا و إطلاعاتنا في كوم آخر .

كيف ذلك ؟... كيف أستند إلى موقع مثل الفيسبوك أو ما على شاكلته من المواقع التي يدون بها كل من هَب و دَب ما يشاء .. كيف أثق في خبر معين أنقله و نتناقله فيما بيننا دون التأكد من صحته و سلامة المعلومة المنقولة .. كيف إعتمدنا أسلوب التضليل و الإلهاء بهذه الطريقة ؟؟.

إن أي خبر على صفحات الفيسبوك بمنتهى البساطة ما هو إلا عبارة عن تركيبة خاصة من ( معلومة مجهولة المصدر + صورة مُفبركة + شخص على قدر كافي من الغباء قادر على نشرها بأقصي سرعة ممكنة ) .

أصبح الشباب و الفتيات الآن لا يهتمون بقراءة الكتب المفيدة أو المصادر الوثائقية السليمة ، بل كل شخص الآن حينما تسأله عن مصدر ثقافته أو قراءاته تكون إجابته مع الأسف الشديد .. الفيسبوك .

هنا في مصربشكل خاص و في الوطن العربي بشكل عام أسأنا إستخدام الإنترنت بدرجة كبيرة بسبب عدم استخدامه للغرض الذي صُنع من أجله ، و كنا السبب الرئيسي في تضخيم حجم و قيمة الفيسبوك ليشغل حيزاً كبيراً من حياتنا ، و أصبح هو المتحكم فينا و ليس العكس .

يجب علينا – أبناء هذا الوطن – أن ندرك قيمة التكنولوجيا و الإنترنت بالحجم و الكيف الذي تشغله من حياتنا اليومية ، و نأخذ بأحسنها و نترك ضررها حتى يترابط أفراد هذا المجتمع و يتواصلون بشكل صحي و سليم و يتماسك أفراد الشعب و يسعون دائما في المضي للأمام.