رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد مازن يكتب من بكين: من التجارة إلى الوباء.. مخاطر الخوف الوهمي في العلاقات الصينية - الأمريكية

النبأ


في الوقت الذي تصارع فيه الصين والعالم مرض كورونا الجديد (كوفيد-19)، ورغم توقيع اتفاق المرحلة الأولى التجاري بين الصين والولايات المتحدة، الذي اعتبر بنظر الكثيرين بداية لصفحة جديدة في العلاقات، لم يأخذ المسؤولون الأمريكيون أي استراحة ولم تظهر الولايات المتحدة أي مؤشرات على العودة عن بث انتقاداتها السامة للصين.

قبل توقيع المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري جرت العادة أن تفرض واشنطن تعريفات على قيمة معينة من المنتجات الصينية المستوردة، ومع الرد الصيني كانت واشنطن ترفع تلك التعريفات لتشمل منتجات أكثر حتى جاء الاتفاق ليمنع آخر شريحة كانت ستضم كافة المنتجات المستوردة المتبقية. وبالترامن مع الرفع المتكرر في التعريفات والتعريفات المضادة من قبل الصين، صادقت واشنطن على قانونين أقرهما الكونغرس بخصوص هونغ كونغ وشينجيانغ، في تدخل واضح في شؤون الصين الداخلية ورغم معارضة بكين.

ولم تتوقف إجراءات وتهديدات واشنطن التي ألقت بالاقتصاد العالمي في بحر من عدم اليقين عند هذا الحد، بل فرضت عقوبات على شركة هواوي العملاقة للتكنولوجيا الصينية وهددت بفرض المزيد من القيود على تصدير وتجارة التكنولوجيا.

وبعد توقيع اتفاق المرحلة الأولى التجاري في منتصف يناير، ووسط انشغال الصين بمكافحة فيروس كورونا الجديد الذي اندلع في مدينة ووهان وسط الصين، واستحواذ الوباء على الاهتمام الوطني، كان موقف واشنطن وكبار مسؤوليها مثيرا للدهشة والاستغراب.

في البداية تحركت واشنطن لإجلاء رعاياها من بؤرة الفيروس ووهان، وهذا بالطبع أمر مفهوم من حيث المسؤولية والحفاظ على سلامة رعاياها، لكنها بدلا من ذلك، أرست مثالا سيئا في وقت لاحق بمنع كافة الأجانب الذين سافروا إلى الصين خلال الـ14 يوما السابقة من الدخول إلى أراضيها. 

وبينما كان رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ يتقدم الصفوف على الجبهة الامامية، طلع وزير التجارة الأمريكية ويلبور روس بتصريح غير مسؤول وينم عن عدم حساسية تجاه الوضع، قائلا إن" فيروس كورونا الجديد قد يساعد في عودة الاستثمارات وفرص العمل الى الولايات المتحدة من الصين". 

وفي مؤتمر ميونيخ للأمن في ألمانيا الاسبوع الماضي، بذل كبار رجال ساسة واشنطن، بمن فيهم وزير الخارجية مايك بومبيو ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، جهودا إضافية ملحوظة لتشويه النظام السياسي والاقتصادي في الصين ببيع سلسلة من المخاوف التي لا أساس لها ضد الصين وشعبها وحتى الحزب الشيوعي الصيني الحاكم.

ووسط هذا الجهد السياسي كان جهد آخر من نوع إعلامي يجري بالتوازي. وصف وولتر راسل ميد، المعلق بصحيفة ((وول ستريت جورنال))، في مقال نُشر في 4 فبراير، الصين بأنها "رجل آسيا المريض"، مما أدى إلى رد دبلوماسي من وزارة الخارجية الصينية وشبهت نفس الصحيفة في مقال آخر بتاريخ 29 يناير النظام السياسي في الصين بأنه "فيروس كوروني شيوعي" و"سيضر في النهاية بالعالم، سواء بقصد أو بدون".

وبين هذا وذاك، تم اتهام شركة "هواوي" بالابتزاز وتم وضع اللمسات الأخيرة على قاعدة جديدة تسمح بفرض تعريفات الجمركية على منتجات من الصين ودول أخرى ترى واشنطن أنها قد قللت من قيمة عملاتها، وأزالت الصين من قائمة الدول "النامية" ما يمهد الطريق لمزيد من الرسوم على البضائع الصينية.

لكن أخطر ما يثار الآن يتعلق بخطة أمريكية لمنع مبيعات مكونات الطائرات إلى الصين، في خطوة قد تشكل انتهاكا واضحا للمرحلة الأولى من الاتفاق التجاري. وبحسب مما أورته تقارير أمريكية، فإن المسؤولين الأمريكيين يفكرون في فرض حظر على شركتي "جنرال موتورز" و"هانويل انترناشيونال المحدودة" من توفير محركات الطائرات وأنظمة التحكم في الطيران لطائرة الركاب الصينية الصنع سي 919.

خوف دفين

ورغم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال في تغريدة أنه يريد مواصلة تصدير تلك المنتجات إلى الصين، إلا أن المحللين الصينيين يرون أن تلك الاجراءات والمحاولات والتهديدات من جانب واشنطن" تعكس خوفا وهميا دفينا من أكثر دول العالم سكانا".

ويرجع الباحث الصيني شين جيان، مؤلف كتاب "الخوف الوهمي: العلاقات الصينية-الأمريكية" الصادر مؤخرا في لندن، الخوف الأمريكي من الصين لثلاثة أسباب: أولا، الخوف من انهيار الاقتصاد الصيني. فالصين اقتصاد مهم بالنسبة للعالم ككل. وفي السنوات الأخيرة، أصبحت الصين "مصنع العالم" أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 دولة ومنطقة، وأكبر مساهم في النمو العالمي بعد الأزمة المالية الدولية في عام 2008. ومن المتوقع أيضا أن تصبح أكبر سوق استهلاكية في المستقبل القريب. ويرى الباجث أن انهيار الاقتصاد الصيني من شأنه أن يكون كارثيا ليس فقط على البلاد نفسها، بل وأيضا على العالم بأسره.

أما السبب الثاني، بحسب شين جيان، فيرجع إلى الخوف من تضرر العولمة. ويخشى كثيرون الآن من أن يؤدي فيروس كورونا الجديد في هذا العالم المتشابك للغاية إلى حدوث وباء عالمي، يسبب الفوضى في مجال النقل العالمي والإنتاج الاقتصادي والحياة اليومية. ناهيك عن اضطرابات سلاسل التوريد والسلع الأساسية والأسواق المالية. وقد بدأ الفيروس بالفعل يضرب بشدة خارج الصين، مع ظهور بؤر جديدة في إيران وإيطاليا وكوريا الجنوبية. وإذا تقلصت البصمة الجيوسياسية لبكين نتيجة لذلك، فإن هذا سيؤدي إلى عواقب عالمية غير مرغوب فيها. ويمكن للحمائية والانعزالية والأحادية القطبية أن تقود المجتمع الدولي إلى منطقة مجهولة لكنها محفوفة بالمخاطر.

السبب الثالث يمثل الأكثر خوفا بالنسبة لبعض الخبراء الأمريكيين هي مهارة الصين المدهشة في الحراك الاجتماعي، كما قال شين جيان وهي التي تجلت في بناء مستشفيين في أقل من أسبوعين وإغلاق مدينة تضم أكثر من 10 ملايين نسمة وإبقاء 1.4 مليار شخص في المنزل تحت الحجر الصحي الذاتي. ويقول شين جيان إن كفاءة وانضباط الصين وشعبها تجاوزا الإدراك الغربي الشائع وخاصة مع مهارة بلد ضخم في جعل مثل هذه المهام الجسام تبدو سهلة.

تصعيد ليس بجديد

لكن من وجهة نظر هو جيان قوه، نائب رئيس مجلس إدراة الجمعية الصينية لدراسات منظمة التجارة العالمية في بكين، لا يبدو هذا الخطاب الواشنطوني جديدا. فالتصعيد الأمريكي الأخير في إطار الوباء يعكس نهجا انتهازيا معتادا من قبل الإدارة الامريكية الحالية يهدف إلى انتزاع المزيد من التنازلات من بكين في المرحلة الثانية من محادثات التجارة، كما يقول.

ويضيف الباحث في رأيه لصحيفة غلوبال تايمز" لم نكن نتوقع أن تؤدي المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري إلى تغيير الإستراتيجية الكلية للولايات المتحدة لاحتواء الصين، لكننا اعتقدنا أنها ستخفف الوضع لبعض الوقت على الأقل." وأشار إلى أن "مثل هذه المحاولات السيئة مع تصاعد التوترات لن تجبر الصين على إعطاء تنازلات بشأن القضايا الأساسية، ناهيك عن الانهيار".

ووقعت الصين والولايات المتحدة اتفاق المرحلة الأولى في منتصف شهر يناير، وبموجبه وافقت الصين على زيادة مشترياتها من السلع الأمريكية بمقدار 200 مليار دولار على مدى العامين المقبلين في مقابل أن تقوم الولايات المتحدة بتخفيض الرسوم الجمركية على مراحل.

وعلى الرغم من التحديات الهائلة التي يفرضها الوباء، اتخذت الصين مجموعة من التدابير لتنفيذ الاتفاق. فقد خفضت الصين التعريفات الجمركية على سلع أمريكية بقيمة 75 مليار دولار، وقالت إنها ستسمح بإعفاءات جمركية لما يقرب من 700 منتج أمريكي. وخلال الأسبوعين الماضيين، منحت الصين أيضا إمكانية الوصول إلى سوقها لثلاث مؤسسات مالية أمريكية بما في ذلك شركة ماستركارد. وأعرب المسؤولون الصينيون مرارا إنهم سينفذون الاتفاق كما هو مخطط له.

ومن المتوقع أن تركز المرحلة الثانية من المحادثات على القضايا الشائكة مثل الشركات الصينية المملوكة للدولة والسياسات الصناعية. وفي ضوء هذه الاستراتيجية، قد تضرب الولايات المتحدة الصين في بعض المجالات المعرضة للخطر مثل الرقائق ومحركات الطائرات.

بيد أن المحللين الصينيين يرون إنه "ليست هناك حاجة للخوف"، لأن هكذا إجراءات أمريكية ستلحق الضرر بأمريكا نفسها بحسب قولهم وقد تدفع الصين على الجانب الاخر إلى إحداث اختراقات أسرع في هذه المجالات تحت ضغط الولايات المتحدة.

والأخطر أن تمتد التأثيرات إلى أبعد من ذلك بحسب الباحث الصيني لي يونغ. "فتصاعد عداء الولايات المتحدة تجاه الصين سواء في التجارة أو السياسة قد يلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي الذي يواجه بالفعل التأثير الناجم عن الحرب التجارية وضربة خطيرة محتملة من الوباء".