رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

هل تستند المخاوف من الصين على أسس منطقية؟

النبأ


يقدم شين جيان، الباحث الصيني المتخصص في القضايا الصينية الأمريكية، ومؤلف كتاب "الخوف الوهمي: العلاقات بين أمريكا والصين"، الصادر مؤخرا في لندن، تحليلا للأوضاع حيث يقول: 

يبدو أن عددا من المعلقين الأمريكيين قد زرعوا في الآونة الأخيرة خوفا متزايدا من الصين ودورها على الساحة العالمية، وخاصة منذ تفشي فيروس كورونا الجديد، الذي ظهر في مدينة ووهان بوسط الصين، وامتد إلى أكثر من 20 دولة، إلى جانب أزمة الصحة العامة، فإن هناك، غير ذلك، أسباب أخرى تجعل بعض المراقبين الأمريكيين يخشون من أكثر دول العالم سكانا.


أولا: هناك خوف من انهيار الاقتصاد الصيني 

فالصين اقتصاد مهم من الناحية المنهجية بالنسبة للعالم ككل. في السنوات الأخيرة، أصبح "مصنع العالم" أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 دولة ومنطقة. وكان أكبر مساهم في النمو العالمي بعد الأزمة المالية الدولية في عام 2008، التي لا تزال تداعياتها بادية في جميع أنحاء العالم. ومن المتوقع أيضا أن يصبح أكبر سوق استهلاكية في المستقبل القريب.

في الواقع، انهيار الاقتصاد الصيني من شأنه أن يكون كارثيا ليس فقط على البلاد نفسها، بل وأيضا على العالم بأسره.

ثانيا: هناك خوف من تضرر العولمة 

يخشى كثيرون الآن من أن يؤدي فيروس كورونا الجديد في هذا العالم المتشابك للغاية إلى حدوث وباء عالمي. وكما أكد تحليل صادر عن ((صوت أميركا)) مؤخرا فإن التحدي الحالي في الصين قد يسبب الفوضى في مجال النقل العالمي والإنتاج الاقتصادي، فضلا عن الحياة اليومية. ناهيك عن اضطرابات سلاسل التوريد والسلع الأساسية والأسواق المالية، كما أن بعض وسائل الإعلام الأمريكية تبدي قلقا حتى حيال احتمال مواجهة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2020 في طوكيو، والتي ستنطلق منافساتها في غضون ستة أشهر، متاعب غير متوقعة.

وفي الوقت نفسه، يقول محللون سياسيون آخرون إنه إذا تقلصت البصمة الجيوسياسية لبكين نتيجة لذلك، فإن هذا سيؤدي إلى عواقب عالمية غير مرغوب فيها. ويمكن للحمائية والانعزالية والأحادية القطبية أن تقود المجتمع الدولي إلى منطقة مجهولة لكنها محفوفة بالمخاطر.

ثالثًا: الأكثر خوفا لدى الأمريكيين 

ربما الأكثر خوفا بالنسبة لبعض الخبراء الأمريكيين هي مهارة الصين المدهشة في الحراك الاجتماعي. والتي تجلت في بناء مستشفى خلال عشرة أيام وإغلاق مدينة تضم أكثر من 10 ملايين نسمة وإبقاء 1.4 مليار شخص في المنزل تحت الحجر الصحي الذاتي. ومجددا، أثبتت كفاءة وانضباط الصين وشعبها أنهما يتجاوزان الإدراك الغربي الشائع. كيف يمكن لهذا البلد الضخم أن يجعل مثل هذه المهام الجسام تبدو سهلة؟ ومن بين كل هذه المخاوف والشواغل، يقوم صقور واشنطن غالبا بربطها جميعها بالحكومة الصينية القوية.

وولتر راسل ميد، المعلق في صحيفة ((وول ستريت جورنال))، في مقال نُشر في 4 فبراير، وصف الصين بأنها "رجل آسيا المريض"، مما أدى إلى رد دبلوماسي من وزارة الخارجية الصينية. وأثار المقال أيضا التماسا من البيت الأبيض دعمه الآلاف من الأمريكيين الصينيين الذين تعرضوا للإهانة العاطفية.

ووصف مقال آخر سابق لصحيفة ((وول ستريت جورنال)) بتاريخ 29 يناير النظام السياسي في الصين بأنه "فيروس كورونا شيوعي" و"سيضر في النهاية بالعالم، سواء بقصد أو بدون".

ومع تخطي نطاق الإصابات حدود الصين وقيام حكومات أجنبية بفرض حظر للدخول، أصبح المسافرون والجاليات الصينية في الولايات المتحدة أهدافا للغضب، بعض هذه الحوادث أججت التحاملات الطويلة الأمد والمشاعر المعادية للصين.

الخوف الأعمق، كما قال مايكل بيلسبري، مستشار السياسات في واشنطن، هو أن الولايات المتحدة يمكن أن تفقد تفوقها على الدولة الآسيوية القديمة التي لا تزال نامية.

وقال الباحث بمعهد هدسون ومقره واشنطن مؤخرا "إلى حد ما، سوف تسيطر الصين علينا، سوف نصبح مستعمرة صينية"، مستشهدا بنبوءة تقول إن الاقتصاد الصيني سينمو ليصل إلى ثلاثة أضعاف الولايات المتحدة في عام 2049.

وفي الوقت نفسه، فإن شعور الصين بالوحدة وروح الكفاح التي جلبها وباء فيروس كورونا إلى دائرة الضوء قد يكون الجانب الذي يخلق أشد الخوف بين المتابعين الأمريكيين.

مزارعة فقيرة تتبرع بكل مدخراتها لمساعدة الأطباء الصينيين على مكافحة الفيروس. والآلاف من المتطوعين ينضمون إلى موظفي القطاع العام للمساعدة في ووهان. والملايين من الصينيين المغتربين يشحنون الأقنعة والمعدات الطبية الأخرى إلى الصين.

لقد لمس العالم الخارجي ربما لأول مرة حقيقة الشعور المجتمعي للصين وقدرتها على العمل بشكل موحد.
مع ذلك، فإن الوباء لم يهزم بعد. وعلى الرغم من أن الأزمة لم تنته، فهناك بالفعل ثلاثة على الأقل من الدروس القيمة المستقاة منها.

أولا: يكون العالم بخير عندما تكون الصين بخير. 

ثانيا: قد يبطئ تفشي فيروس كورونا الجديد أو أي حرب تجارية مع الولايات المتحدة من وتيرة الاقتصاد الصيني، لكنه لن يوقف نموه المشروع. 

ثالثا: الصين مثلها مثل أي دولة أخرى في العالم تملك حق اختيار مسار التنمية الخاص بها.
وعلى الرغم من أنه يتعين ـ كما هو الحال فعليا في كل دولة ـ تحسين الكثير وهناك حاجة إلى حوكمة أفضل في الصين، إلا أن هذه الأمور تستغرق وقتا.

لكن الأمر المؤكد هو أن الأحداث الأخيرة لم تظهر للعالم تصميم وقوة الشعب الصيني فحسب، ولكن أيضا الدور الحيوي الذي تلعبه صحة الصين في التوازن الدقيق في العالم.

بدلاً من أخذ المخاوف الناشئة حديثا من أجل القيمة الاسمية، يجب على المتشككين في الصين أن يروها كفرص للتحسين الذاتي، وتحويل هذه السلبية إلى شيء إيجابي من أجل مصلحة العالم الكبرى.

نحن مازلنا فقط في المراحل المبكرة من تفشي فيروس كورونا الجديد، ولكن العالم يشهد بالفعل كم أصبحت الصين أكثر وحدة نتيجة لذلك.

وكما يقول المثل الصيني القديم، كثرة المحن تجدد الأمة- وهكذا يمكنها أيضا أن تجدد العالم، إذا سمحنا بذلك.