رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

تحت شعار «إكرام الميت دفنه».. «النبأ» تكشف بيزنس استخراج تصاريح الدفن (ملف شامل)

جثة - أرشيفية
جثة - أرشيفية

 

شهدت مكاتب الصحة في الأونة الأخيرة حالة من الفوضى والإهمال، خاصة القاهرة والجيزة وأصبحت الفرصة متاحة للكثيرين لاستخراج تصاريح دفن مقابل مبالغ مادية دون توقيع الكشف الطبي على المتوفى، ما أدى إلى انتشار ظاهرة بلاغات استخراج جثث المتوفين بعد دفنها بفترات متفاوتة، لتشريحها وبيان سبب الوفاة، ما يهدد ميزان العدالة ويتيح الفرصة لمرتكبى وقائع قتل للإفلات بجرائمهم 

 

"النبأ" تتبعت الظاهرة لرصد البلاغات والوقائع الغريبة، وتبيّن أنّ عددا ليس بقليل من هذه البلاغات ثبتت صحتها، حيث يكتشف الطب الشرعي بعد استخراج الجثة وتشريحها أنّ سبب الوفاة جنائي، رغم أنّ إجراءات الدفن تمت بشكل طبيعي وبطريقة صحيحة، وبناء على تصريح صادر من مفتش الصحة.

 

مقتل الطفل مروان على يد زوجة والده


كشفت أجهزة الأمن بالجيزة تفاصيل مقتل طفل ودفنه سرًا بمنطقة منشأة القناطر، حيث تبين أن زوجة الأب الثانية وراء قتله لتبوله لا إراديا في ملابسه وتعديها عليه بالضرب، وقام والده بدفنه ليتستر عليها.

 

بداية الواقعة ببلاغ لقسم شرطة منشية القناطر، من سيدة 28 سنة، ربة منزل، بتضررها من طليقها 30 سنة، عامل، وزوجته الثانية 25 سنة، ربة منزل، لقيام الثانية بالتعدي بالضرب على نجلها، 3 سنوات، مقيم رفقة والده لتأديبه بسبب تبوله في ملابسه، ما تسبب في وفاته، وقاما بدفنه دون تصريح.

 

باشرت النيابة التحقيقات مع والد الطفل وزوجته، اللذين اعترفا بالواقعة، حيث قررت المتهمة أنها كانت تؤدب الطفل وصفعته على وجهه فسقط على الأرض وارتطمت رأسه من الخلف بالسيراميك فلقى مصرعه على الفور.

 

وأضافت المتهمة أنها انتظرت عودة زوجها من العمل وأخبرته بما حدث، فحمل جثة طفله وتوجه رفقتها إلى المقابر الخاصة بعائلته، الخميس الماضي، ودفنا الطفل دون اللجوء إلى "تربي" وأعلنا في اليوم التالي موت الابن ودفنه.

 

واصطحبت النيابة، الطبيب الشرعي إلى المقابر وتم استخراج الجثة وإجراء عملية التشريح لتحديد أسباب الوفاة.

 

وأشارت تحريات مباحث قطاع شمال أكتوبر إلى أن زوجة الأب اعتادت ضرب الطفل بحجة تأديبه بعلم والده.

 

ووجهت النيابة بإشراف المستشار محمد القاضي المحامي العام الأول لنيابات شمال الجيزة الكلية، لزوجة الأب تهمة ضرب أفضى إلى موت، واتهمت والد الطفل بإخفاء الجثة والدفن دون تصريح.

على الفور انتقلت قوة أمنية إلى محل الواقعة، وتبين صحة البلاغ، وبإعداد الأكمنة، تم ضبطهما، واعترفا بارتكاب الواقعة.

 

مكالمة مسجلة تكشف قتل الزوج 


مات الزوج وتم دفنه منذ أسبوع وتقدم الأقارب والجيران لتقديم العزاء، لم يتخيل أخ الزوج المتوفي لحظة بأن أخاه قتل بدم بارد، بعدما وضعت زوجته السم له داخل كوب شاي ولقى مصرعه في الحال، حيث استعانت بعشيقها لتنفيذ الجريمة حتى يخلو لهما الجو والزواج عقب التخلص منه

مكالمة مسجلة على هاتفها فضحت أمرهما، عقب محاولات شقيق المجني عليه البحث عن أرقام من لهم أموال لدى شقيقه المجني عليه .لسدادها، فاكتشف المكالمة بين الزوجة وعشيقها التي فضحت جريمتهما، وتم القبض عليهما، واعترفا بتفاصيل جريمتهم 

أمرت نيابة الزيتون، بحبس ربة منزل وعشيقها، 4 أيام على ذمة التحقيق، بتهمة قتل زوج المتهمة، وكان رجال المباحث بالقاهرة ألقوا القبض على زوجة وعشقيها لقتلهما زوجها فى الزيتون.

تلقت غرفة عمليات نجدة القاهرة، بلاغا من شخص يتهم فيه زوجة شقيقه بقتل أخيه، وادعاء وفاته بشكل طبيعى، وأكد لرجال المباحث أن زوجة شقيقه اتصلت به وأبلغته بسقوط شقيقه في حمام الشقة مغشيا عليه وتوفى، وبعدها استخرجت له تصريح دفن له، وادعت أن الوفاة طبيعية، إلا أنه شك في ذلك وأن وفاته جنائية.

وكشفت تحريات رجال المباحث، أنه بعد وفاة شقيقه، بأسبوع طلب من المتهمة هاتفه، لحصر من لهم أموال لديه، إلا أنه خلال بحثه، عثر على مكالمة مسجلة بين زوجة شقيقه وآخر، تخبره فيه عمّا حدث، فيما كان الآخر يعطيها تعليمات؛ لتتمكن من أخذ ثروة شقيقه كلها، وبعد ذلك يتم زواجهما، وأضافت التحريات أنها تعرفت قبل أشهر على سائق تاكسى و"نشأت بيننا علاقة صداقة، تطورت إلى علاقة غير شرعية دامت أشهر، واتفقنا على الزواج، وقررت التخلص من زوجى، واتفقنا على قتله بالسم".

 

التخلص من رجل البيت بمبيد حشري


قصة جديدة جسدت بطولتها زوجه اتفقت مع عشيقها على زوجها لينسجا معا خيوط جريمة سعيا خلالها للقضاء على الزوج حتى يخلو لهما الجو ويتمكنا من الزواج، فاتفقا على قتل الزوج بمبيد حشرى بدائرة مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، إلا أن الأم والتى كان لها إحساس بأن الأمر كان مدبرا أبلغت عن الواقعة ليتم القبض على الجناة.


والبداية كانت بتلقى اللواء سمير أبو زامل مدير أمن المنوفية، إخطارا من اللواء سيد سلطان مدير إدارة البحث الجنائى بشأن ما تبلغ به مركز شبين الكوم من " شربات ص س " 54 سنة، عاملة بمستشفى شبين الكوم الجامعى ومقيمة بقرية الماى التابعة للمركز بوفاة ابنها " عنتر ع م " 34 سنة، عامل ومقيم بذات الناحية وفاة طبيعية وتم دفنه بمقابر الناحية بمحل إقامتها وأنها حضرت لاشتباهها فى وفاته جنائيا.

 

ومن خلال تنفيذ بنود خطة البحث توصلت جهود فريق البحث إلى أن وراء وفاة المجنى عليه كلا من زوجته، " سماح ف ح " 30 سنة، حاصلة على دبلوم فنى صناعى ومقيمة بذات الناحية، وصديقه " مسعد م ك " 30 سنة، حاصل على ليسانس حقوق والمقيم بالبر الشرقى بشبين الكوم، وذلك لارتباطهما بعلاقة غير شرعية فيما بينهما واتفاقهما على الزواج عقب التخلص من الزوج.

 

وباستدعاء المتهمة والمتهم، اعترفت الزوجة بارتباطها بعلاقة غير شرعية بصديق زوجها واتفاقهما على الزواج عقب التخلص من زوجها وأنها قامت بوضع مبيد حشرى فى كوب عصير "عصير الأناناس" منذ قرابة أسبوعين قبل الوفاة وعقب تناوله العصير بدأت أعراض المرض تظهر عليه إلى أن توفى، وبمواجهة المتهم أقر بمضمون ما جاء من أقوال المتهمة، وتم ضبط المبيد الحشرى المستخدم فى الواقعة وجارى العرض على النيابة لمباشرة التحقيقات.

 

عائلة قاتل جلال أنقذت ابنها بـ«الرشوة»


كان جلال ٢٥ عامًا، من منطقة وسط القاهرة، ضحية مشاجرة وقعت بين مجموعتين من الشباب، وأطلق أحدهم النيران عليه فاستقرت رصاصة فى صدره أردته صريعًا فى الحال، ونقل إلى مستشفى إمبابة العام جثة هامدة.

المستشفى استخرج له تصريح دفن (تشخيص الطبيب)، رغم إصرار أهله على تشريح الجثة وتوقيع الكشف الطبى عليها.

دُفن «جلال» فى مقابر عائلته فى المنيا، بعد نجاح عائلة الجانى فى تزوير تصريح الدفن الخاص به بناء على تشخيص مزوَّر من الطبيب أُرسل إلى مفتش الصحة.

تقول شقيقة «جلال»: «لم نستطع فعل شىء، وخرج تصريح الدفن بزعم أن وفاته طبيعية سببها هبوط حاد فى الدورة الدموية، وذلك على الرغم من شهادة كل من كانوا فى المشاجرة بأنه أصيب برصاصة، وطلبنا تشريح الجثة لكن ذلك لم يحدث».

 

تصريح دفن أسماء بـ35 جنيهًا


تعالت أصوات الصراخ داخل أحد منازل مركز البدارى التابع لمحافظة أسيوط، معلنة عن وفاة «أسماء»، ٢٥ عامًا، التى زعمت أسرتها أنها وقعت على سكين حاد شق بطنها أثناء إعداد الطعام، ما تسبب فى إصابتها بنزيف حاد، إلى أن تم نقلها إلى الوحدة الصحية التابعة للمركز، وهى جثة هامدة.

تمت إجراءات الدفن سريعًا، بعد أن طلب الأهل من مفتش الصحة التابع للقرية توقيع الكشف الطبى اللازم على الجثة، فاستخرج تصريح دفن لذويها، وكتب فيه: «سبب الوفاة طبيعى: هبوط فى الدورة الدموية»، لكن عند تغسيل جسد الفتاة، لاحظت «المُغسلة» أن الجرح فى بطنها كان قطعيًا وليس رأسيًا، حسبما قال «حسين السيد» أحد أقاربها من الدرجة الثانية للأم، ويعمل فى دفن الموتى "حانوتى".

 

السيدة التى غسّلت «أسماء» تشككت فى رواية الأسرة ورفضت إتمام عملية التغسيل قبل استدعاء النيابة العامة وفتح تحقيق فى الواقعة، وهو ما حدث بالفعل، وتوصلت تحريات النيابة العامة إلى أن الوفاة جنائية (قتل) وليست طبيعية.

وكشفت تحريات النيابة أن تصريح الدفن الذى خرج لها كان مزورًا لإقراره أن الوفاة طبيعية، ثم ثبت فيما بعد أنها قُتلت على يد شقيقها الأكبر إثر شجار نشب بينهما فى غياب الوالد، ثم ادعى كذبًا أنها سقطت على سكين دون تعمد منه، وشاركه ادعاءه والده وشقيقه الثانى، خوفًا من أن يُسجن الأخ الأكبر بجريمة القتل.

دفع الأخ القاتل لمفتش الصحة ٣٥ جنيهًا لاستخراج التصريح المزور، حسبما كشفت النيابة فى تحقيقها الذى انتهى إلى اتهام مفتش الصحة بـ«جريمة التزوير»، وصدر قرار بإيقافه عن العمل، وحُكم بـ«المؤبد» على الأخ الأكبر، لتورطه فى جريمة قتل والتحريض على التزوير والرشوة المالية.

 

"العشق الممنوع" يدفع مروة لذبح بعلها

وفى مركز أبوتيج بمحافظة أسيوط، تقدم «مؤمن»، ٢١ عامًا، لخطبة «مروة» ١٩ عامًا، فرفض أهلها بحجة عدم انتمائه للعائلة، لكن العلاقة بينهما استمرت فى الخفاء، فى الوقت نفسه تعرضت «مروة» للإجبار من قبل ذويها على الزواج من ابن عمها «محمود»، ٤٠ عامًا، وهو ما تم، لكنها لم تحتمل الفتاة العيش مع زوجها أكثر من شهر واحد.

 

اتفقت «مروة» مع «مؤمن» على استدراج الزوج إلى جزيرة فى النيل وقتلاه بطريقة الذبح، واستخرجا تصريح دفن مزوّرًا له من مكتب الصحة التابع للمنطقة، يفيد بأن «الوفاة طبيعية» إلا أن أهل الزوج تقدموا ببلاغ يفيد باختفائه.

تم استدعاء «مؤمن» و«مروة» من قبل النيابة العامة والتحقيق معهما، واعترفت الفتاة بتنفيذها الجريمة واستخراجها تصريح دفن مزورًا بالاتفاق مع مفتش الصحة، وتمت إحالتهما إلى محكمة الجنايات بأسيوط، وصدر ضدهما حكم بالإعدام، وإيقاف مفتش الصحة عن العمل ومحاكمته بتهمة التزوير.

 

وتتشابه تلك الواقعة، مع أخرى، وقعت بمركز أوسيم، التابع لمحافظة الجيزة، والمقيدة برقم ٢٣٩ كلى شمال القاهرة.

وفى التفاصيل، جمعت علاقة غير شرعية سيدة تدعى «ياسمين.ع» مع «حسين.أ» وانتهت العلاقة بقتل زوج الأولى «أحمد.م» (ابن عمها) عن طريق شنقه فى شقته، وتزوير تصريح الدفن بعد رشوة مفتش الصحة، تهربًا من المساءلة القانونية.

أما عن تفاصيل اكتشاف الجريمة فتعود لشكوك أهل المجنى عليه فى واقعة الوفاة، وتم إبلاغ النيابة العامة، وانتداب الطب الشرعى وتشريح الجثة، وثبت أن الوفاة جنائية، واعترف المتهمان بالجريمة، فأحالتهما النيابة العامة مع مفتش الصحة إلى محكمة شمال الجيزة، وتم الحكم على الزوجة بالإعدام شنقًا، والمتهم الآخر بالسجن المؤبد، وإلزامهما بدفع المصروفات الجنائية، كما تم فصل مفتش الصحة من العمل.

 

دفن %90 من حالات الوفاة بدون كشف

أكد الدكتور محمد مصطفى الخبير بمصلحة الطب الشرعى لـ"النبأ" أنّ أكثر من 90% من حالات الوفاة يتم إصدار تصاريح دفن لها دون الكشف عليها، إذ أنّ مفتش الصحة يعتمد على إجابات المبلغ عن أسئلته، كم سن المتوفى؟ وهل كان يعاني من أمراض مزمنة؟ وهل الوفاة حدثت في المنزل أم المستشفى؟ وهل توفي في المستشفى وتم نقله إلى المنزل؟ إضافة إلى الشكل العام للمبلغ، إذ يتم أخذ صورة من بطاقته وكتابة اسمه بتصريح الدفن في خانة المبلغ بالوفاة، وإذا اطمأن مفتش الصحة لما سبق يصدر على الفور تصريح الدفن، لكنه إذا ارتاب في الأمر يطلب توقيع الكشف الطبي على الحالة.

 

وأضاف الطبيب الشرعي أنّ عمل مفتشي الصحة يسير على تلك الوتيرة، ما تسبب في انتشار ظاهرة بلاغات استخراج الجثث، فغالبا كل أهل المتوفى يعرفون أنّه مات مقتولا ويتفقون على التعتيم على الجريمة، وبعد فترة يحدث بينهم أي خلافات فيبلغون عن الواقعة.

 

وأوضح الطبيب الشرعي أنّ مكاتب الصحة تغلق أبوابها في الخامسة مساء، ويصبح مستشفى المنيرة للطوارئ هو المسؤول عن إصدار تصاريح الدفن لأهل القاهرة والجيزة، حتى التاسعة صباحا، ومن هنا جاءت فرصة بعض العاملين لاستغلال أسر المتوفين، فبات من المعلوم للجميع أنّ المواطنين الذين يأتون إلى المشرحة لتسلم جثث ذويهم يدفعون 1000 جنيه لأحد العاملين مع مفتش الصحة، نظير تصريح الدفن، وبالنسبة لحالات الوفاة في المنزل تدفع الأسرة 1000 جنيه أيضا نظير الحصول على تصريح دفن، دون الكشف على المتوفى، ما أدى إلى انتشار ظاهرة بلاغات استخراج الجثث لتوقيع الكشف الطبى عليها.

 

تصاريح دفن على بياض

وقال مصدر بالطب الشرعي إنّ مفتشي الصحة بمستشفى المنيرة يتعاملون بلا مبالاة مع حالات الوفاة، ويعتمدون على شخص عاطل من خارج المستشفى وشقيقه، للكشف على المتوفين، إضافة إلى أنّهم يتركون لهما تصاريح دفن مختومة على بياض، ومن هنا يأتي التلاعب واستغلال أسر المتوفين.

 

وأكد المصدر أنّ أغلب حالات الوفاة التي تم استخراج تصاريح الدفن فيها عن طريق "الشقيقين" عند استخراج الجثث وتوقيع الكشف الطبي عليها، تبيّن أنّ وراء الوفاة جريمة قتل، وأنّ المبلغ بالوفاة يذهب إلى مستشفى المنيرة للطوارئ، ويقابل أحد الشقيقين اللذين يعملان مع مفتشي الصحة، وإذا دفع 1000 جنيه يأخذ تصريح الدفن دون كشف، وإذا لم يدفع يذهب معه إلى منزله ويوقع الكشف على المتوفى ويصور الجثمان ويرسل الصور على "واتس آب" لمفتش الصحة، وتبدأ عملية ابتزاز أسرة المتوفى، إذ يخبرهم أنّ مفتش الصحة قلق من حالة الجثة ويشك في أنّ الوفاة جنائية ويريد أن يخطر النيابة، لكنه سيحاول معه لإصدار التصريح مقابل 1000 جنيه، وهنا ترضخ الأسرة وتدفع المبلغ من باب إكرام الميت دفنه.

 

يقول الدكتور أحمد عبدالرءوف، طبيب شرعى مختص بـ«الجثث المجهولة» فى مصلحة الطب الشرعى: "يَرِد إلى قطاع الجثث المجهولة سنويًا نحو ١٠٠ جثة تم تزوير تصريح الدفن الخاص بها، ودفنت على أن وفاتها طبيعية رغم أنها جنائية، وبها شبهات قتل".

ويضيف «عبدالرءوف» لـ«النبأ»: «البداية تكون عند النيابة العامة، حين يأتى إليها بلاغ يفيد بدفن جثة بها شبهة جنائية، وخروج تصريح الدفن الخاص بها بشكل زائف، ويدعى أن الوفاة طبيعية»، مشيرًا إلى أن النيابة تأمر باستخراج الجثة وترسلها إلى الطب الشرعى ليتم توقيع الكشف الطبى عليها وتشريحها إن لزم الأمر، وإثبات جنائية الوفاة، عكس ما كُتب فى تصاريح الدفن.

وتابع الطبيب الشرعى: «معظم الجثث التى وردت إلى الطب الشرعى بتصاريح دفن مزورة، يكون السبب فيها الخلافات العائلية أو التستر على فضيحة»، لافتًا إلى أن ذلك النوع من التزوير منتشر بكثرة فى الأقاليم والمحافظات لا سيما فى الصعيد، بسبب بعض العادات الموروثة للعائلات من قبيل الخوف من العار أو الفضيحة، فهم يقتلون الفتيات المخطئات ويدفنوهن بتصاريح مزورة على أن الوفاة طبيعية، وأحيانًا يكون سبب القتل خلافات على ورث، وحالات قليلة تكون فيها عملية القتل والدفن انتقامية.

ووفقًا لمسئول الجثث المجهولة بالطب الشرعى، فإن تلك الجرائم يتم معظمها عن طريق الخنق أو السم أو الطعن، ورغم أنها جرائم يسهل اكتشافها ظاهريًا من قبل مفتش الصحة، بسبب وجود علامات كثيرة لها على جسد المجنى عليه، إلا أن الطبيب يوقع كشفًا طبيًا وهميًا أو يزوّر سبب الوفاة مقابل الرشوة.

 

تكاسل عن الكشف

أما الدكتورة ندى السيد، مفتشة صحة فى حى السيدة زينب أول التابع لمحافظة القاهرة، فقالت إن بعض مفتشى الصحة يتكاسلون عن توقيع الكشف الطبى، والبعض الآخر يعمد إلى تزوير سبب الوفاة مقابل رشاوى.

مفتشة الصحة أشارت إلى أنها شهدت واقعة حدثت مع سيدة كان مؤمنًا عليها ببوليصة تأمين تبلغ ١٨ مليون جنيه، وتدفع شهريًا ٢٠٠ ألف جنيه لشركة التأمين، إلا أن أبناءها أرادوا الحصول على أموالها لدى شركة التأمين، فاستخرجوا لها تصريحًا وشهادة دفن وهميين من مفتش بمكتب صحة بمحافظة بنى سويف، وحصلوا بالفعل على أموال التأمين.

وعن أوضاع المفتشين والأطباء بمكاتب الصحة تقول إنها «متردية للغاية»، وهو ما يدفع بعضهم للجوء إلى الطرق غير المشروعة لكسب الأموال، ما يؤدى إلى حدوث جرائم قتل يُدفن أصحابها دون أن يسمع عنها أحد أو يحاسب الجناة، مشيرة إلى أن مفتشى الصحة يحتاجون إلى زيادة فى رواتبهم من قبل وزارة الصحة.

من جهته، يقول نصر على، مفتش صحة بمكتب شبرا الخيمة التابع لمحافظة القليوبية، ويعمل فى تلك المهنة منذ ١٥ عامًا: كنت شاهدًا على واقعة تخص «جريمة شرف» اعتدى فيها رجل جنسيًا على فتاة ربطتهما علاقة قرابة «أبناء عمومة»، فاضطر شقيق الفتاة لقتلها، واستخرج تصريح دفن مزيفًا لها بالتنسيق مع أحد مفتشى الصحة، ليحمى سمعة العائلة من الفضيحة.

وعبّر «نصر» عن استيائه من رواتب الأطباء بشكل عام ومفتشى الصحة بشكل خاص، مشيرًا إلى أن رواتب المفتشين ضعيفة، فى حين أنهم معرضون للعدوى من الحالات التى يكشفون عليها بعد الوفاة، ورغم ذلك يأخذون بدل عدوى ٣٠ جنيهًا فقط.

 

لا عقوبة على تزوير تصاريح الدفن

من جانبه، يقول الدكتور صلاح فوزى، رئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة المنصورة: «لا يوجد نص قانونى صريح فى القانون المصرى حول تزوير تصاريح الدفن، فعقوبته تكون نفس عقوبة جريمة التزوير».

وأضاف فوزى أن جريمة التزوير تحكمها المادة ٢٠٦ فى قانون العقوبات، إذ تنص على أنه «يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن كل من قلد أو زوّر كلًا من: محررات ورقية، إمضاءات شخصية، أمر جمهورى أو قانون أو مرسوم أو قرار صادر من الحكومة، خاتم الدولة، أو إمضاء رئيس الجمهورية أو ختمه، وكذلك ختم أو دمغة مصلحة حكومية أو أوراق مرتبات الموظفين».


وأضاف وفقًا لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم ٤٢٤٨ لسنة ١٩٩٨، الذى نُشر بالجريدة الرسمية، بشأن تيسير الحصول على الخدمات الجماهيرية ومنها خدمة استخراج تصريح بالدفن من وزارة الصحة والإسكان، تلتزم الجهات الإدارية المعنية (مكاتب الصحة) بتوفير الخدمة وتكون مسئولة عنها.

وحدد القرار المستندات والأوراق والمبالغ المطلوبة، لاستخراج تصاريح الدفن من مكاتب الصحة وهى: «نموذج تبليغ عن وفاة يصدر من وزارة الداخلية، الرقم القومى للمتوفى، بطاقة الرقم القومى للمبلغ، الكشف الطبى الذى يفيد بثبوت واقعة الوفاة».

وألزم القرار جهة الإدارة (مكاتب الصحة) باستخراج تصريح الدفن فور التبليغ عن واقعة الوفاة فى حالة الوفاة الطبيعية، ويتم انتداب مفتش الصحة من المكتب التابع له منطقة المتوفى لتوقيع الكشف الطبى والاطلاع على الأوراق السالف ذكرها واستخراج تصريح الدفن.

وتنص المادة ٤ من قانون الأحوال المدنية رقم ١٤٣ الصادر سنة ١٩٩٤، على أنه: «تختص مكاتب الصحة بتلقى إخطارات التبليغ عن وقائع الميلاد والوفاة التى تحدث داخل جمهورية مصر العربية، للمواطنين والأجانب المقيمين، وإصدار تصريح بالدفن فى حالة الوفاة».

كما تنص المادة رقم ٣٨ من القانون ذاته على أنه: «يجب على مكاتب الصحة والجهات الصحية إصدار التصريح بالدفن فور تلقى التبليغ عن واقعة الوفاة مرفقًا به الكشف الطبى الصادر من مفتش الصحة، أو الطبيب المكلف بإثبات الوفاة والذى يفيد بثبوت واقعة الوفاة، لإثبات إذا كانت طبيعية أو جنائية».