رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

محمد مازن يكتب من بكين: أساسات الاقتصاد الصيني ومروجو انهياره

النبأ


بعد إعلان منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا الجديد "حالة طوارئ صحية عامة ذات بعد دولي"، سارعت جوقة إلى توجيه الاتهامات للصين، واتخذت دول إجراءات تجاوزت حدود وتوصيات الإعلان.
قد يكون ذلك مفهوما في ضوء القلق الشديد من الفيروس والحرص على سلامة وصحة كل الناس في العالم. لكن في الخلفية، تعالت تكهنات ومبالغات غير مفهومة إلى حد أن وصلت البعض إلى استدعاء عبارات مثل "رجل أسيا المريض" والتنبؤ بالهبوط الخشن للاقتصاد الصيني وانهياره.
من تلك العينة، لوحظت توقعات وتحليلات إخبارية دولية متتابعة أصابت معدة الصينيين بـ"المغص" خلال الأيام الماضية. تنافس مروجوها على استطلاع آراء ما يطلق عليهم خبراء ومحللين لدعم وجهات النظر هذه دون أسانيد أو أدلة أو حجج ملموسة، تعكس واقع الاقتصاد الصيني.
في الواقع، الصين دولة لها مسار وحلم يتمثل في " إعادة الإحياء الوطني"، وتسير على قدم وساق لتحقيقه. ومن غير المتوقع تماما أن تثنيها أزمة عارضة مثل فيروس كورونا عن مواصلة هذا المسار.
فمنذ تأسيسها قبل ٧٠ عاما، واصلت الصين تحسنها وتطورها. وارتقت من لا شيء تقريبا إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع ناتج محلي إجمالي بلغ حوالي 27.31 تريليون دولار في عام 2019 .
وخلال سنوات مسيرة الإصلاح والانفتاح التي بدأت عام 1978، انتشلت الصين أكثر من 800 مليون شخص من الفقر وواصلت اسهاماتها في الاقتصاد العالمي بأرقام لا تصدق، آخرها في العام الماضي بنسبة 30 في المائة في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
والحقائق تقول أن الاقتصاد الصيني يستند إلى أساسات قوية وصلبة. واذا كانت هناك حاجة إلى دلائل، يجب أن ينظر هؤلاء إلى ما تحقق بعد وباء سارس عام ٢٠٠٣. استمرت البلاد في الصعود، وتضاعف الاقتصاد عدة مرات.
وماذا حدث أيضا بعد زلزال سيتشوان المدمر بجنوب غرب الصين? والأزمة المالية التي واجهها العالم عام ٢٠٠٨!؟ اعتقد ان هذا السؤال لا يحتاج إلى إجابة.
الثابت تاريخيا هو أنه بعد كل محنة أو أزمة تتعرض لها الصين تخرج منها أكثر قوة. ولا يوجد سبب للاعتقاد بأن هذه المرة ستكون مختلفة.
هناك محركات نمو جديدة تنشأ وتتطور. وفي خضم ما تشهده الصين منذ سنوات من نمو مدفوع بالاستثمار والصادرات إلى نمو يعتمد بشكل أكبر على الابتكار والاستهلاك، ظهرت محركات جديدة حققت نتائج أفضل من المتوقع، ولعبت دورا رئيسيا في الحفاظ على استقرار النمو الاقتصادي وتعديل الهيكل الاقتصادي وزيادة التوظيف.
وبفضل الإجراءات التي لا تتوقف من جانب الحكومة لتوسيع الانفتاح والإصلاح وتعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية وخفض الروتين الإداري، زادت مبيعات التجزئة الالكترونية في الصين، كما تحقق نمو سريع في مجالات الاستهلاك الناشئة، مثل الاستهلاك المعلوماتي والاستهلاك الأخضر.
باتت الصين تتلقى ثلثي الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي العالمي، مما ساعد صناعة الذكاء الاصطناعي على أن تحقق نموا بلغت نسبته 67 في المائة، ويساهم الاستهلاك بأكثر من 60 في المائة من النمو الاقتصادي الصيني.
ومع مبادرات حكومية، حظيت بعض القطاعات الجديدة بتقدير واعتراف دولي. وتحتل الصين الآن مركز الصدارة في قطاعات مثل الدفع الالكتروني ومركبات الطاقة الجديدة.
وفي الأيام القليلة الماضية، ظهرت بيانات رسمية تقول إن احتياطيات النقد الأجنبي للصين بلغت 3.115 تريليون دولار أمريكي في نهاية يناير الماضي. وسيحافظ الاقتصاد الصيني على الاستقرار الشامل مع تحسين آلية التشغيل لسوق النقد الأجنبي.
ويعتقد المسؤولون الصينيون أن أساسيات النمو الاقتصادي طويل الأجل وعالي الجودة في الصين ستبقى كما هي، مما سيجلب منافع إلى سوق النقد الأجنبي بالإضافة إلى توفير أساس متين لاحتياطيات النقد الأجنبي لتظل مستقرة بشكل عام.
ووسط جهود مضنية لمكافحة الفيروس القاتل، ظهرت بالفعل علامات إيجابية للاقتصاد. انتعشت أسواق الأسهم الصينية، حيث ارتفع مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 5.44 في المائة هذا الأسبوع. وتستعد بعض الشركات أيضا لاستئناف العمليات مطلع الأسبوع القادم.
صحيح أن هناك قطاعات تأثرت مثل التجارة الالكترونية والنقل والترفيه وتشير توقعات إلى أن فيروس كورونا الجديد سيؤدي إلى انخفاض النمو الاقتصادي في الربع الأول، إلا أن هذا التأثير يمكن السيطرة عليه. وتستعد البلاد لتنفيذ إجراءات تحفيزية.
وتتفق أغلب التقديرات هنا على أن يظل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي أعلى من 5 في المائة في الربع الأول من عام 2020. ومن المرجح أن يظل معدل النمو الاقتصادي في البلاد قويا عند 6 في المائة لهذا العام.
لن يؤثر الفيروس على الاستهلاك، ربما يحدث ذلك لكن لفترة محدودة. الآن، تشير الأرقام إلى زيادة الطلب على المنتجات الزراعية مثل اللحوم والخضروات وسط أسعار مستقرة. ويبحث المعنيون عن طرق أخرى لدفع التجارة الإلكترونية من خلال تسليم الشحنات الإلكترونية بطرق تجنب الاحتكاك بين عمال التسليم والمستهلكين لكبح انتشار الفيروس، وقد أصبح هذا أساس التعامل في مدن كثيرة مثل بكين حاليا.
بدأت المصانع بالفعل أعمالها. وبدأت شانغهاي تنفذ إجراءات مشجعة لحماية الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. وسيستأنف مصنع تيسلا للسيارات الكهربائية في شانغهاي عملياته الاثنين. وأكد المسؤولون على ضرورة الحفاظ على تصدير وتصنيع قويين، في بلد تعتمد بكثافة على الأتمتة.
كورونا الجديد هو عدو مشترك للبشرية، ومن مصلحة العالم التضامن مع الصين والثقة فيما تفعل. اذا عطست الصين يسعل العالم. وفي مواجهة حدث صحي عام مثل هذا، فإن ما تحتاجه الصين وكل الدول هو التعاون لكبح انتشار الفيروس وتطوير لقاح في أقرب وقت ممكن.
العالم قد يكون بحاجة ملحة الآن إلى لقاح مؤقت ضد الفيروس، لكن لا يجب أن تكون هناك حاجة إلى لقاح دائم ضد الوصم والتشكيك وبخس الجهد والمعلومات المضللة والتجريح والهجوم بدون أساس أو وازع، عندما تتحول إلى فيروسات لا يمكن تحجيمها والسيطرة عليها.
لقد أظهرت الصين شفافية كبيرة، وأقدمت على إجراءات غير مسبوقة، وشاطرت كل ما توصلت إليه عن الفيروس بدقة وبصفة فورية، والتزمت بالتعاون مع الدول الأخرى. تسبب الفيروس في قلق شديد. وهذا أمر مفهوم، لكن ليست هناك حاجة للذعر أو التجريح أو التشكيك في قدرة الصبن وشعبها واقتصادها.
إن الثقة في الصين مطلوبة لتجاوز هذه المحنة. وهي ثقة مستمدة من جهودها القوية واستجابتها التي تجاوزت مطالب منظمة الصحة العالمية. وقد قال مدير عام المنظمة الدروس أدهانوم غيبريوس، انه بفضل المقاربة الشاملة والصارمة التي تبنتها الصين، انتشار الفيروس إلى البلدان الأخرى ضئيل وبطيء. وعدد الحالات ( خارج الصين) ... في الحقيقة صغير وبطيء، ويمكن إدارته ".
المعركة ضد المرض ما زالت مستمرة. والصين تبذل كل جهدها من أجل السيطرة ليس من أجل الصينيين فحسب، ولكن من أجل العالم أجمع. وتشهد أرقام تطور الفيروس في الخارج والتي لا تزال تذكر مقارنة بالداخل على حجم الجهد المبذول.