رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

فيروس كورونا الجديد يثير «رهاب الصين» بحساء بالاو وسوق سولاويسي

كورونا
كورونا


طل وجه العنصرية بأقبح صورها ضد الصين، أرضا وعرقا وثقافة وشعبا، في مشاهد وصور أقل ما يقال أنها تمييزية ومدانة وتنم عن جهل وعدم حكمة، في وقت يجب فيه أن تتضافر جهود الجميع في أنحاء العالم لكبح انتشار فيروس كورونا الجديد.

فمنذ تحديد سوق محلي للمأكولات البحرية بمدينة ووهان بمقاطعة هوبي وسط الصين كمصدر للفيروس، حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام عالمية بحالة أشبه بالهستيريا ضد المطبخ الصيني، مغموسة بمفاهيم وتصورات "عنصرية" موجودة في العقل الباطن لدى كثرة في العالم عن حياة الصينيين وثقافتهم وخاصة في جانب الطهي.

البداية كانت بتداول مقطع فيديو على نطاق واسع لامرأة صينية وهي تلتقط خفاشا بعيدان الطعام من طبق حساء موجود أمامها، اكتشف لاحقا أنه فيديو ترويجي تم تصويره في جزر بالاو بالمحيط الهادئ، حيث يعد حساء الخفافيش من الأطباق المحلية الشهية.

تبع ذلك مقطع أخر يصور تجارة خفافيش متفشية بأحد الأسواق قيل أنه في مدينة ووهان لكن تبين فيما بعد انه تم تصويره في جزيرة سولاويسي بإندونيسيا. 

قد تكون هناك حالات فردية يتملكهم نزعة لتجريب أطعمة غريبة، لكن في الواقع لا الخفافيش ولا غيرها من الكائنات الغريبة موجودة في قائمة طعام الصينيين. 

مع ذلك، لم تمنع هذه الحقيقة مجموعة من المراهقين في فرنسا ومراقبين صحيين في دول أخرى من الدخول إلى المطاعم الصينية والاستفسار، جهلا، عن الحساء السيء السمعة.

والأدهى أن صحفا عالمية رصينة يفترض أنها محكومة برسالة مهنية قد ركبت الموجة. في بريطانيا مثلا، طالبت صحيفة ديلي تلغراف "الأطفال الصينيين بالبقاء في منازلهم" مع اقتراب بداية الفصل الدراسي الثاني.

وفي الدنمارك، نشرت صحيفة علم الصين ممزوجا بفيروس كورونا، بل أغلقت دول أبوابها في وجه الصينيين حتى لو كانوا قادمين من خارج الصين، في تمييز عميق ضد الصين والصينيين، وانتهاك للأخلاق الإنسانية.

وبعد إعلان منظمة الصحة العالمية عن اعتبار الفيروس حالة طوارئ صحية عامة ذات بعد دولي، ارتفعت التكهنات إلى حد اعتبار الإعلان بأنه يساوي إعلان الصين "دولة موبوءة" وذهب البعض إلى حد المبالغة بأن الفيروس سيعيد الاقتصاد الصيني الى الوراء ٢٠ عاما.

لكن ما صدر عن وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس يوم الخميس بأن الفيروس القاتل "سوف يساعد على تسريع عودة الوظائف إلى الولايات المتحدة" قد تجاوز التصريحات الرسمية اللاأخلاقية. فبالإضافةإالى غياب اللباقة السياسية وعدم مراعاة الظرف الطارئ الذي تمر به الصين وتضحيات شعبها، أظهرت تصريحات روس أنانية واضحة وعقلية صفرية ضيقة الأفق.

فقد نسى روس أن فيروس انفلونزا الخنازير الذي اكتسح ٢٠٠ دولة ومنطقة وقتل ٢٨٤ الف شخص في العالم، بحسب المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، اندلع في الولايات المتحدة عام ٢٠٠٩. وقد اعلنته منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ دولية أيضا. 

ورغم أن الانفلونزا قتلت ١٠ الاف أمريكي بحسب التقديرات لم نسمع تصريحا من مسؤول صيني آنذاك مثلا بأنها ستؤدي إلى تسريع تدفق الاستثمارات إلى الصين، أو قرارا بمنع قدوم جنسيات الدول المصابة إلى أراضيها، أو حتى الإساءة لأي ثقافة.

لقد نسى روس أن الوباء ليس له حدود وأن فيروس كورونا الجديد هو عدو مشترك للبشرية. وبدلا من استغلال الأزمة الصينية، كان يجب عليه أن ينظر بعين الاعتبار للصورة الكبيرة وجهود مكافحة الفيروس.

وكما قال رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس ادهانوم غيبريوس فان الصين تستحق "امتنان وتقدير" المجتمع الدولي نظرا لجهودها في احتواء الفيروس ومنع تصديره إلى الخارج.

فقد أظهرت الصين شفافية كبيرة، وأقدمت على إجراءات غير مسبوقة، وشاطرت كل ما توصلت إليه عن الفيروس بدقة وبصفة فورية، والتزمت بالتعاون مع الدول الأخرى لإجلاء رعاياها، وتبذل قصارى جهدها لحماية غير الراغبين في مغادرة أراضيها.

أن صوت العقل يقول إنه في مواجهة الأحداث الصحية العالمية، فإن ما تحتاجه الصين والولايات المتحدة وكل الدول هو التعاون لكبح انتشار الفيروس وتطوير لقاح في أقرب وقت ممكن.

وفى هذا الصدد، شدد غيبريوس لدى اعلانه يوم الخميس على مبادئ التعاون وليس الذعر، الحقائق وليس الشائعات، النضال وليس الوصم، في المعركة ضد الوباء.

وأكد أن حالة الطوارئ العالمية "ليس تصويتا بحجب الثقة عن الصين "وأوصى بعدم تقييد السفر والحركة.

من المفهوم أن تتخذ دول إجراءات مثل تقييد السفر واغلاق حدود والغاء رحلات، الصين تتفهم ذلك، ولن تعتبر ذلك تمييزا أو ستأخذه بمحمل سياسي، فهي نفسها أغلقت بعض المدن وقلصت السفر داخليا. 

لكن من غير المقبول أن يتم استغلال تلك الأزمة بأي حال من الأحوال لتأجيج ظاهرة التحامل والكراهية والخوف من الصين " رهاب الصين"، من خلال وصم غير مقبول أو تضليل خاطئ غير مفهوم، لأن ذلك لا يخدم سوى مروجي نظرية "تهديد الصين".

ومن باب أولى أن يركز هؤلاء الذين يضيعون جهودهم في تلك الرطرطة وذلك الهراء أن تتجه انظارهم إلى الجهود التي يبذلها العمال الطبيين الصينيين على الجبهة في ووهان والتضحيات التي تقدمها الصين وشعبها بامتنان للسيطرة على الفيروس من أجل سلامة العالم أجمع.