رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

لغز مادة فى «الدستور» تحسم مصير التدخل المصرى «عسكريًا» فى ليبيا

اصطفاف للجيش المصري
اصطفاف للجيش المصري

ألقت الأزمة الليبية في الأيام الأخيرة بظلالها المؤلمة على مسارات الأحداث في مصر، وبدأ منحى الإشكال الليبي يأخذ خطا تصاعديا غير مسبوق مع الحديث الذي وجهه "عقيلة صالح"، رئيس البرلمان الليبي الشرعي، لأعضاء مجلس النواب المصري، والذى قال فيه: "أدعوكم أيها السادة إلى اتخاذ موقف شجاع، وإلا قد نضطر إلى دعوة القوات المسلحة المصرية للتدخل إذا حصل تدخل أجنبي في بلادنا، وأيضا مؤازرة الشعب المصري الذي لم يتخل عنا من قبل في شدة ولا نائبة، كما شهد التاريخ وهو شاهد العدل على موقف مصر معنا أيام الغزو الإيطالي ليبيا".

أطلقت هذه الكلمات حوارا ساخنا جدا بين المصريين عامة، وبين أعضاء البرلمان خاصة، وبات السؤال الصريح وغير المريح:"هل تقدم مصر على التدخل عسكريا في ليبيا إذا طلب منها ذلك رسميا؟ وسط جدل قانونى ودستورى حول تفسير المادة 152 من الدستور، والتي تنص على أن "رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يعلن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطني، وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء، فإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجب أخذ رأي المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وموافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني". 

المقطوع به أن حديثا من قبل مصر عن أي عمليات للقوات المسلحة المصرية في الأراضي الليبية وحتى الساعة لم يرد على لسان أي مسؤول مصري، بل إن الرئيس السيسي وفي مقابلته مع رئيس المجلس الأوروبي "شارل ميشيل"، أكد على ضرورة التوصل إلى تسوية سلمية سياسية في ليبيا.

غير أن الرغبة المصرية في عدم التدخل عسكريا في ليبيا شيء، وما تفرضه النوازل لاسيما إذا تهدد الأمن القومي المصري شيء آخر، فالحدود الليبية المصرية تتجاوز الـ1200 كيلومتر وليست مأهولة بالسكان، ولا توجد دولة في العالم بدءا من الولايات المتحدة قادرة على منع التسرب من حدودها، وعليه فإن علامة الاستفهام التي تطرح نفسها بنفسها:"هل تنتظر مصر أن تتحول ليبيا إلى حاضنة جديدة للدواعش وبقية الجماعات الأصولية الإرهابية، بدعم وتشجيع من تركيا وقطر، الأمر الذي يضع مصر في مواجهة الخطر الأعلى من التهديد؟

ينبغي الإشارة إلى أن العقيدة القتالية للقوات المسلحة المصرية عقيدة دفاعية عن الأرض والتراب المصريين، أي أنها لم تكن عقيدة غزو أو هجوم بالمرة، إلا إذا حدث ما يهدد الحدود المصرية والشعب المصري، وهذا ما حدث بالفعل مرتين خلال العقود الأربعة المنصرمة.

شهد مجلس النواب خلال الأيام الماضية وعقب حديث رئيس البرلمان الليبي عن إمكانية دعوته لتدخل الجيش المصري في ليبيا، جدلًا كبيرًا بين نواب المعارضة والغلبية تحت القبة، وقال النائب سمير غطاس، إنه ليس مع تدخل الجيش المصري في الأزمة الليبية، مؤكدًا أنه إذا تعرضت ليبيا لخطر التدخل التركى وإن كان بأعداد محدودة، فالإجراءات لدخول الجيش فى ليبيا محكومة بنصوص دستورية حاكمة لا يمكن زعزعتها أو التفريط فيها.

وأشار إلى أن الإجراءات تبدأ من طلب رئيس الجمهورية من النواب الموافقة على شن حرب أو التدخل الخارجى، ومن ثم يصوت النواب بالإيجاب أو الرفض، ومن حق الأعضاء التعبير عن وجهات نظرهم من الطلب المقدم من رئيس الجمهورية لمجلس النواب.

وشدد على ضرورة الحل السياسى فى ليبيا، وإيقاف إطلاق النار، ورفض التدخل الأجنبى أيًا كان مصدره فى الشئون الداخلية الليبية، والتمسك بقرارات الأمم المتحدة الذى يمنع تزويد الأطراف فى ليبيا بالسلاح والمعدات.

وواصل: "الحرب ليست نزهة وتكلفتها كبيرة للغاية، وسأرفض التدخل للجيش فى ليبيا، وأقدر غيرة المصريين على الأمن القومى، لكن البرلمان ليس منبرًا للخطابة، بل منبرًا للحكمة وتدارس الأمر ولا نتورط فى أى حروب أخرى".

وأكد «غطاس» أن نص المادة 152 من الدستور، تعطي الحق للجيش في التدخل في حالة وجود خطر حقيقي على الحدود والأمن القومي المصري مباشرا، ما دون ذلك فالمادة لا تعطي الحق للجيش بالحرب داخل ليبيا.

فيما أكد النائب ضياء الدين داود، عضو مجلس النواب، أن المواقف الكبرى المتعلقة بالأمن المصرى والعربى لا وجود فيها للأغلبية أو المعارضة، مضيفًا:يجب أن نكون فوق أى مستوى خلافات داخلية فى هذه الملفات.

وقال، إن المشهد بتغير مراكز الثقة واللاعبين يضع عبئًا ثقيلًا على أى مجلس نواب أن تكون لديه القدرة على التمييز عندما يتعلق الحديث بالقوات المسلحة، مضيفًا:"ولا يمكن أن تكون القوات المسلحة بلا غطاء ومشروعية دستورية يمنحها إياها وفقًا لتقديرات الموقف بالنسبة لها.

وأوضح "داود" أن العقيدة العسكرية عقيدة دفاعية لا تتزعزع، وإدراك مصر لامتداد أمنها القومي، منوهًا بأنه فى حالة التعرض للخطر وحاجة الأمن القومى والعربى للتدخل فيجب على القوات أن تتدخل.

وأكد إدراكه أن القوات المسلحة ستأخذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، قائلًا: "قواتنا المسلحة ستحمى أمننا المائي، ولن تقبل مصر بأن تعطش أو انتهاك لعواصم عربية أخرى.

فى السياق ذاته قال الدكتور صلاح حسب الله، المتحدث باسم مجلس النواب، إن الأغلبية في المجلس ستنحاز إلى الشعب ونؤكد دعمنا الكامل للقيادة السياسية في كل ما تتخذه من قرارات، وواثقون في قدرة الجيش المصري على حماية حدود ومقدرات البلاد.

وأكد «حسب الله» أن البرلمان سوف يوافق فورا على تفويض القيادة السياسية والقوات المسلحة لاتخاذ ما تراه من قرار في الأزمة الليبية فما فيها الحرب كما نصت المادة 152 من الدستور، والتى تعطي الحق للجيش المصري في الحفاظ على سلامة وأمن المواطن واستقلال أرض الوطن من أي مخاطر خارجية.

السؤال المهم: «كيف تمضي الإجراءات الدستورية إذا فرض على مصر الدخول عسكريا في العمق الليبي؟».

يوضح الدكتور رجب عبد المنعم، أستاذ القانون الدستوري، أن المادة 152 واضحة في هذا الأمر، حيث يبدأ المشهد بالطلب الرسمي من قبل الحكومة الشرعية الليبية إلى الرئيس المصري، والذي يرفع الأمر إلى مجلس النواب المصري، ونوابه تقع على عاتقهم مسؤولية الاقتراع بنعم أو لا، ولابد من موافقة ثلثي الأعضاء في الجلسة الواحد العامة عند التصويت، ويخرج القرار من البرلمان بتخويل القوات المسلحة القيام بما تراه مهمًا وحيويًا لأمن مصر القومي في الحال والاستقبال، تبعا لتقديراتها الاستراتيجية واستشرافها للمشهد الآني في المنطقة. 

وتابع: وقبل ذلك لابد من أخذ رأى مجلس الدفاع الوطني، وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء؛ فإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجب أخذ رأي المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وموافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني.

وأشار الدكتور "عبد المنعم"، إلى أن نص المادة واضح وليس بها غموض، حيث ذكرت المادة صراحة إرسال القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، بما يعني حق الجيش في دخول الأراضي الليبية،وحماية المصالح المصرية، الأمنية والاستراتيجية، وليس كما يردد البعض أن نص المادة أعطت الحق للدفاع في حالة وجود خطر على الحدود المصرية.

وأشار إلى أن المادة 152 تم تطبيقها بالفعل من قبل عندما تم إرسال قوات مصرية للمشاركة في تحرير اليمن ومحاربة الحوثيين وتأمين مضيق باب المندب، المرة الثانية التي أظهرت فيها مصر قوتها العسكرية تجاه ليبيا جرت في السادس عشر من فبراير من عام 2015 بعد أن طال الإرهاب الداعشي في سرت نحو 21 مصريا قطعت رؤسهم على شاطئ النهر، وساعتها شنت القوات المسلحة المصرية غارات جوية على مواقع تنظيم داعش في ليبيا قتل فيها نحو 64 من مقاتلي داعش بينهم ثلاثة من القيادات ما بين درنة وسرت.

ولفت الخبير الدستوري إلى أن هناك أصواتًا رافضة للتدخل العسكري المصري في ليبيا وذريعتها أنها لا تريد لمصر الانجرار في سياق الحروب، وقد تكون وجهة نظرها وطنية أيضا، بمعنى أنها ترى ما يجري هو فخ منصوب عمدا لمصر لإنهاك قوى الجيش المصري.

وختم: لكن أصحاب هذا الرد مردود عليهم بأن مهمة القوات المسلحة المصرية هي قطع الطريق على الأخطار المستقبلية، وحسم أي مشهد يتهدد مصر خارج أراضيها، ذلك لأنه سيكون أقل تكلفة من تصدير المعركة إلى الداخل المصري، وهذا ما سعى إليه المشرع عند وضع المادة 152 من الدستور.