رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الدكتور علي إسماعيل درويش يكتب عن: التمثيل السياسي للمرأة المصرية بين الواقع والمأمول

دكتور على اسماعيل
دكتور على اسماعيل







لا توجد قضية أقامت الدنيا وأقعدتها وانشغل الناس بها مثل قضية المرأة, والحقيقة أن النظر إليها يختلف باختلاف زاوية الرؤية وأيديولوجية التوجه وطبيعة المصدر وسيلوكوجية المشاهدة، فالفيلسوف يرى في المرأة ما لا يراه الزاهد والمتصوف, والفنان يرى فيها مالا يراه غيره, ولهذا تباينت فيها الرؤى، واختلفت الأذواق، فهي القضية القديمة الجديدة والموضوع الخالد, ولن أكرر الجملة التقليدية: إن المرأة نصف المجتمع، بل أردد واثقاً ومؤكداً بأن المرأة هي مادة الحياة، وجوهر الوجود، وهمس الأفئدة، ونبض الأرواح .


ويؤكد المشهد الإنساني العام إجماعاً من الفلاسفة والأدباء والسياسيين والمفكرين على إجلال المرأة وتثمين دورها في المسيرة الحياتية, فيقول جوبار:"... أحلى هدية أهدى الله بها الإنسان هي المرأة ..."، وذكر بلزاك مردداً :"... المرأة مخلوق بين الملائكة والبشر..."، وقال فولتير :"... خلق الله المرأة لكي تستأنس الرجل وتوجهه..."، و بتعبيره الموحي يؤكد الفنان الكبير بيكاسو على استحالة الوصول إلى رؤية كلية جامعة نظراً لاشتباك وتداخل دورها الممتد، فهي على حد تعبيره "... خليط من الأشكال والألوان..." ، أما نابليون بونابرت فيضع الحقيقة ماثلة أمام الجميع بمفهوم قد يصطدم ظاهره مع الوعي العقائدي, لكنه مفهوم في تصوري يتسامى فوق كل إدراك يقول نابليون : " ... المرأة شعر الخالق والرجل نثره ...".


وتدفعنا أهمية القضية إلى الطرح التأسيسي الذي يستظهر في مرايا التاريخ وجذوره الضاربة الدور النسوي سياسياً واجتماعياً, فهنا على أرض مصر منذ فجر التاريخ أُقيمت أول حضارة إنسانية علمت الدنيا بأسرها, فكانت مصر أول دولة بالمعنى السياسي المنتظم تظهر على مسرح الوجود الإنساني، حيث تعاظم دورها حتى صارت أكبر قوة متجذرة في الوجود، وتنامت فيها عناصر الأمة بمعناها المتكامل، وظلت هكذا حقيقة سياسية في الشرق القديم لمدة ألفي عام امتدت فيهما كل ظواهر السيطرة والنفوذ, وفي ظل هذا المد الحضاري احتلت المرأة مكانة لم يعرفها العالم قديما أو حديثا، فكان لها نفس الحقوق الشرعية ونفس عهود الخلود التي مُنحت للرجل، فُسجل فوق المقابر الفرعونية ما يفيد دفن العظماء بجوار أمهاتهم، ومن ثم مارست المرأة حرية الحركة المديدة والإرادة المطلقة, وهو ما دفع المؤرخ الكبير "ماكس مولر" إلى القول:"... ليس هناك شعب قديم أو حديث رفع منزلة المرأة مثلما رفعها سكان وادي النيل...".


هذا, وتقلدت المرأة تاريخذاك أرفع المناصب الدينية والسياسية، فكانت الملكة "تي" أول من نادى بالتوحيد، واختارها زوجها "أمنحتب" لتكون عماد استعادة مجد الإمبراطورية المصرية، فقوي نفوذها حتى ظهرت نداً لزوجها في المحافل والإنجازات السياسية، ومن أشهر نساء العالم الملكة المصرية "حتشبسوت " التي حكمت مصر 22 سنة، وحققت نهضة هائلة في الحياة المصرية العامة، وقادت أول رحلة في تاريخ البشرية لاكتشاف بلاد بونت - الصومال حاليا-، والملكة نفرتيتي زوج الملك إخناتون، التي شاركت في التأصيل الديني، ووضع قواعد الدين الجديد لتوحيد كل الأديان في إله واحد هو آتون الشمس، وحين جاء الإسلام وأشرقت شمس محمد صلى الله عليه وسلم في سماء الكون نبياً ورسولاً, فقد أرسى المركز الاجتماعي والسياسي والثقافي للمرأة، فحصلت على كل حقوقها، وشاركت في الدعوة وحاربت، واستظهرت آراءها في أمور الدين والدنيا بكل جرأة ومسئولية وصلابة، وظلت هذه الصورة المشرفة على حالها في عصر الأمويين والعباسيين، ومع تفكك الدولة الإسلامية استقلت مصر تحت حكم الطولونيين والإخشيديين والفاطميين والأيوبيين, وانزوى دور المرأة خاصة بعد ضعف الوعي الإسلامي بحقيقة الدور النسوي، ولم تظهر على الساحة إلا " شجرة الدر " التي يعدها المؤرخون استثناءً من تاريخ هذه الحقب التي توالت رجعيتها، حتى اشتد ظلامها، وتلبدت بغيوم التخلف سماؤها في العصر التركي البائد .


ومنذ بواكير النهضة الحديثة، فقد صحبتها حركات التصحيح لضبط إيقاع المسار الاجتماعي وتوازي أطراف المشاركة المجتمعية, فظهرت الدعوات الإصلاحية لرواد المفكرين، وبالفعل لاقت استجابة من بعض أطراف النبض المجتمعي، حتى توهج دور المرأة في ثورة 1919، واستمر التماع ضوئه مع بداية إعلان الجمهورية بمراحلها المختلفة انطلاقا من مبدأ ثقافة المساواة وسد الفجوة النوعية، فلم تعد المشاركة النسائية في عملية البناء والتطوير مجرد تأكيد لحق أصيل من حقوقها، وإنما صار واجباً والتزاماً وطنياً تقتضيه طبيعة التحديات التي تفرضها سياسات وبرامج التنمية، أو التحديات التي تطرحها المستجدات المتلاحقة على الساحة الدولية .


وإذا كان البعض من النساء مازال يستدعي الصورة القديمة التي ظلت فيها المرأة نسبياً حبيسة القهر الذكوري والعبودية الاجتماعية، فإن الأمر يختلف كثيراً منذ عقود تصدرت فيها المرأة كل معالم الريادة، ومازال المجتمع يطمح في حاضره إلى المزيد، وهو ما يرتب على كاهل المنظمات والأحزاب السياسية والمرأة معاً ضرورة خلق المناخ المناسب لعملية التنشئة السياسية، لانتقال الثقافة والتقاليد والقيم والأدبيات السياسية إلى كل أفراد المجتمع، وإتاحة كل المعلومات والفرص لتداول الخبرات، لاتساع مساحة النسق السياسي السائد، ومن ثم فإن التغير ليس نتاجاً للقوة الشخصية مفردةً، وإنما نتيجة لالتقاء الإرادات والأفعال البشرية في ضوء القناعات الفكرية والأيديولوجية الحاكمة .


ولقد كانت مصر وما زالت في هذا الصدد أحد أهم أعضاء المجتمع الدولي في دعم المساواة والتمثيل السياسي للمرأة، فدولياً قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإقرار الاتفاقية الدولية للقضاء على كافه أشكال التمييز ضد المرأة في 19 سبتمبر 1979، ونُفذت في 3 سبتمبر 1981، وكانت مصر من أولى الدول التي صدقت على هذه الاتفاقية، وأصبحت لها قوة النفاذ بموجب القرار الجمهوري رقم 434 لسنه 1981..