رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أسرار الظهور القوى لـ«جروبات المكتئبين» على السوشيال ميديا

حالة اكتئاب
حالة اكتئاب

خلال السنوات الأخيرة، ظهرت العديد من المجموعات على منصات موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» بهدف الإرشاد والنُصح للأشخاص الذين يُعانون من الاكتئاب، خاصة مع النظرة السلبية التي يواجهونها من المُجتمع بسبب إصابتهم بالأمراض النفسية، فضلًا عن التكلفة المُرتفعة للعلاج.

هذا الأمر دفع الآلاف من الأشخاص إلى اللجوء إلى هذا العالم الافتراضي؛ لشرح مُعاناتهم والحصول على النصيحة والدعم من خلال أعضاء هذه «الجروبات»، ومنها على سبيل المثال: "الاكتئاب والأمراض النفسية" والذي يبلغ عدد أعضائه 14.316عضوًا، "علاج الأمراض النفسية الرُهاب والاكتئاب والوسواس القهري" والذي يبلُغ عدد أعضائه 9884 عضوًا، جروب "تجربتي مع الوسواس القهري"، ويبلغ عدد الأعضاء به 4210 أعضاء، "علاج الأمراض النفسية الخطيرة"، ويبلُغ عدد أعضائه 3299 عضوًا، جروب "العلاج النفسي والاكتئاب"، ويبلُغ عدد أعضائه 3 آلاف عضو، جروب "مرض الاكتئاب"، ويبلُغ عدد أعضائه 3200 عضو، وصفحة تحمل نفس الاسم "مرض الاكتئاب "، ويُتابعها 3،212 عضو، وصفحة "العلاج النفسي الافتراضي" ويُتابعُها 2،192 عضو.

وللاقتراب بصورة أكبر كانت هذه بعض النماذج لبعض الأشخاص الذين لجأوا إلى هذه الجروبات والصفحات لعرض مشاكلهم النفسية وكيفية حلها نستعرضُها من خلال السطور التالية: البداية مع محمد جمال، أدمن جروب يحمل اسم "المكتئبين والمُكتئبات"، ويقول إنه أنشأ هذا الجروب وهو طالب في كُلية الهندسة قسم ميكانيكا، بهدف عرض المشاكل، مُشيرًا إلى أنه يُمكن حل هذه المُشكلات النفسية من خلال «الفضفضة»، ووجود آراء تُساعد في حلها من خلال أعضاء الجروب.

ويُواصل أسامة العزوزي الذي يُقيم في المغرب، وعضو بأحد جروبات العلاج المجاني للأمراض النفسية، قائلًا إنه كان يعيش حالة من الاكتئاب والأمراض النفسية منها القلق، والتوتر، والخوف، وعدم الثقة بالنفس والآخرين، ما أدى إلى إصابته ببعض الأمراض في الجهاز الهضمي، وتناول العديد من الأدوية دون جدوى.

وتابع: بعد عرضي على بعض الأطباء وإجراء الفحوصات اللازمة، وأثناء تصفُحي للفيسبوك وجدت هذه المجموعة فقمت بالانضمام لها لعرض مُشكلتي لعلي أجد لها حلًا.

أما مُراد حسانين الموجود في نفس الجروب فيقول إنه كان يُعاني من مرض الاكتئاب مُنذ 20 عامًا، ومع تلقي العلاج اللازم تحسنت حالته بنسبة تصل إلى 70 %، إلا أنه مازال يعاني من بعض الأعراض مثل عدم التركيز، والاضطراب، والصُداع ولكن بنسبة خفيفة تصل إلى ذروتها أثناء العمل، موضحًا أنه انضم إلى هذا الجروب لإيجاد حل لمُشكلته خاصة أن الأدوية الفعالة مُرتفعة الثمن.

وتُواصل «ماريام» قائلة إنّ مُشكلتها تتلخص في أنها فاقدة الثقة في جميع الأشخاص، وأصبحت تعيش الوحدة والعُزلة وكأنها تنتظر الموت.

وتستكمل فلورا من داخل جروب "علاج الأمراض النفسية الخطيرة"، قائلة إنها تُعاني من الشعور بالاكتئاب مُنذ عامين وتُحاول أن تُعالج نفسها بنفسها على اعتبار أنها «مرحلة وتعدي».

وتابع: «قمت بالانضمام إلى هذه المجموعة بهدف التعرُف على المفهوم الصحيح للاكتئاب وكيفية علاجه بصورة نهائية».

وحول هذه الظاهرة تقول الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية الأسبق، إنه في البداية يجب أن نُفرق بين الاكتئاب العقلي، والاكتئاب النفسي، الاكتئاب العقلي يحتاج فيه المريض إلى تناول عقاقير خاصة ويدخل فيه الجانب الوراثي، أما الاكتئاب النفسي يأتي نتيجة ضغوط، أو إحباطات بسبب وجود أهداف لم تُحقق، أو أزمات لمُشكلات لم يجد لها حلًا، وبالتالي المرض النفسي هُنا يأخذ وقتا مُحددا ويزول بزوال السبب.

وتُواصل: هذه الجروبات يكون في الغالب أعضاؤها يُعانون من بعض المُشكلات النفسية خاصة الشباب، ما يوفر لهم متنفسًا من خلال هذه الجروبات للتعبير عن أنفسهم، إلا أن هذه الجروبات والصفحات تُعد سلاحًا ذو حدين، فهُناك سلبيات وإيجابيات.

وأردفت: وتتلخص السلبيات هُنا فى أن الشخص الذي يلجأ لمثل هذه الصفحات والجروبات على مواقع السوشيال ميديا يضع نفسه في دائرة مُغلقة بشكل يجعله يعيش في عُزلة عن المُحيطين به، ما يُزيد عنده الشعور بالاكتئاب وليس علاجه، فإذا تعرض لمُشكلة ما تجده يفتقر للمهارات الاجتماعية بسبب الفراغ الفكري الذي وضع نفسه به بسبب اعتماده على حل مشاكله النفسية من خلال هذه الجروبات والصفحات، فضلًا عن أنه لا يوجد لديه أفق لإيجاد حلول، ما يجعله يُغلق على نفسه ويُصاب بمزيد من الاكتئاب أما عن الإيجابيات فهذه الجروبات والصفحات تُعد مُتنفسًا للتعبير عما بداخله، ما يعمل على خروج الطاقة السلبية، ويُعد هذا أحد أنواع العلاج النفسي.

وتُطالب «فايد» وزارة الثقافة بتنظيم ندوات تثقيفية لتعزيز دور العلاج النفسي وعدم هروب المرضى من التوجه إلى الطبيب المُختص خاصة وأن «الميديا» تُصور الطبيب والمريض بصورة غير لائقة من خلال النوادي، والجامعات، والهيئات، والمؤسسات، مُشددة على أهمية وجود مشروع ثقافي شامل يتضمن كيفية طرح حلول إيجابية لمريض الاكتئاب حتى لا يلجأ إلى الانتحار مثلًا، مع ضرورة إنشاء مواقع مضادة لهذه المواقع والجروبات الهدامة لإحياء الأمل بين هؤلاء المرضى.

ويُضيف الأستاذ الدكتور محمد الشيخ، استشاري الطب النفسي بـ«جامعة الأزهر»، أن هذه الصفحات والجروبات لها عيوب ومميزات، ومن أجل التغلُب على مثل هذه العيوب لابُد وأن يكون الأعضاء الموجودين بها على وعي تام قبل الإدلاء بالنصيحة، خاصة مع وجود مجموعات بالفعل تُعرف بلسم "الدعم النفسي" وتقوم هذه الصفحات على تبادُل الخبرات بين مجموعة من الأشخاص من خلال عرض تجاربهم ولكن مع وجود مُختص لحل المشاكل سواء النفسية أو الجسدية وعادة ما تكون هذه المجموعات أو الجروبات مُغلقة.

ويرى أن هذه الصفحات والجروبات على مواقع السوشيال ميديا "مفتوحة" للنشر، ما يكون سببا فى تخبُط الكثير من الآراء فهُناك من ينصح المريض بالصلاة والاقتراب من الله، والسؤال هنا: ما الضامن لمثل هؤلاء الأعضاء أن الشخص الذي يقوم بشرح مُشكلته أنها حقيقية، وما الضامن أيضًا أن الشخص صاحب اقتراح الحل أنه أخذ مُشكلة الشخص بجدية؟

وتابع: الدعم النفسي لا يكون بهذه الطريقة على الإطلاق، خاصة وأن هذه الجروبات الخاصة بالمُكتئبين في العالم الافتراضي لا يوجد بها مُتخصصون لإعطاء النصيحة، وظهور هذه الصفحات والجروبات بكثرة في الآونة الأخيرة يرجع إلى عدم وجود الدعم من داخل المنزل، ما يجعل الشخص يلجأ إلى حل مشاكله النفسية من خلال هذا العالم الافتراضي.

ويُشير إلى أن العلاجات النفسية ليست غالية الثمن ولكن هُناك سوءا في التوزيع، فالعرض قليل والطلب كثير جدًا، والتوزيع مركزي من خلال القاهرة والإسكندرية فقط، وخلاف ذلك علاجات قليلة جدًا.

وقالت الدكتورة هالة عز الدين استشاري العلاقات الأسرية والتربوية، إن المُشكلة في مثل هذه الجروبات تكمُن في أن الفضفضة تكون مع أشخاص غير مُتخصصين، الفضفضة في حد ذاتها لا تُسبب مُشكلة ولكن يُفضل أن تكون من خلال مُختص وليس على الملأ وأمام الآلاف من المُتابعين.

وتؤكد استشاري العلاقات الأسرية، أهمية دور الأسرة في مُتابعة أبنائهم من خلال مُتابعة تصرفاتهم والحوار معهم بهدوء؛ لمعرفة ما يُفكرون به على أن يكون الحوار معهم بطريقة خالية من العنف والأمر والنهي، كي يتمكنوا من إنقاذ أبنائهم قبل فوات الآوان.