رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

البيت المصري والعلاقة بين أفراد الأسرة المصرية

عمر حبيب
عمر حبيب


حينما نريد أن نقيس مدى تقدم وتحضر أي شعب من الشعوب، ومعيار النجاح والازدهار لأي بلد من البلدان فالأمر في غاية البساطة، لا يحتاج إلى عمل جداول واحصائيات.. لا يحتاج حقا إلى رسم منحنيات بيانية ووضع أرقام و معادلات حسابية.

لا، فالأمر أبسط من ذلك بكثير.. فمن وجهة نظري البسيطة المتواضعة أرى أن معيار قياس مدى رقي ونهضة الشعوب يبدأ من داخل البيت.

نعم، أي نجاح وأي تقدم يبدأ من الداخل إلى الخارج، بمعنى أنه يبدأ داخل بيت كل فرد منا ويتوسع خارجياً ليشمل شارعك، ثم الحي الذي تسكن به، ثم مدينتك.. ويمتد حتى يحتوي بلدك بأكملها.

منذ أن كنت طفلًا صغيراً وأنا أسمع عن مبدأ يتكرر باستمرار على مسامعي، لم أكن أعلم ما معناه ولم أكن أعلم كيفية تنفيذه على أرض الواقع، وهل هو من الممكن تنفيذه أم هو مجرد كلام والسلام.

هذا المبدأ هو مبدأ " إبدأ بنفسك " .. أبدأ بنفسي ؟؟ .. أبدأ بنفسي كيف ؟ و أبدأ بماذا ؟ و أبدأ من أين أساساً؟، ولكن عندما كبرت و تقدمت في العمر وسافرت واختلطت بالبشر على اختلاف ثقافاتهم وطباعهم ومعتقداتهم، بدأ هذا المبدأ يتضح لي أكثر، ويتبين لي بعد أن كان بالنسبة لي مجرد لغز أو خرافة من صنع الخيال.

تعالوا سوياً نبدأ رحلتنا، و كي نبدأ رحلتنا بشكل سليم علينا أن نستهل الطريق بأول محطة يمر بها قطار العمر، ونبحث عن الخلل ونحاول جاهدين في العمل على إصلاحه.

والمحطة الأولى في طريقنا كما قلت آنفاً تبدأ من المنزل .. بيتنا المصري.. بيتنا المصري الذي يحتوي بين جدرانه على حياتنا وذكرياتنا، مسجلا بين أركانه فصولاً من يومياتنا، فبداخله عرفنا معنى الأبوة، والأمومة، والأخوة .. بداخله ضحكنا سوياً ولعبنا صغاراً، تشاركنا الأحلام والآلام .. تجمعنا مساءاً أمام مسلسل الساعة السابعة .. تجاذبنا أطراف الحديث على مائدة العشاء ... سهرنا ، ذاكرنا .. إلخ.

كان منذ بضعة عقود البيت المصري يمتلك ذاك الطابع الخاص، كان جو الألفة و المودة يسود علاقات الأفراد بعضها البعض .. كان أفراد الأسرة يجتمعون باستمرار ويرى بعضهم البعض أكثر مما هو الوضع الآن.. كان الترابط و صلة الرحم نموذجا لهيكل أسري متماسك وبنيان عائلي صلب لا يتخلله الضعف أو الفتور.

كانت العلاقة بين الأب والأم متماسكة وقوية ومبنية على الاحترام المتبادل، وكل فرد في الأسرة له دوره الواضح الذي لا يتعدى عليه غيره من الأفراد.

فالأب كان ربان السفينة الذي يقودها بمنتهى الهمة والإجادة، ويحمل على عاتقه مسئولية سلامة ودعم كل فرد فيها، والأم هي منبع الحنان وبئر العطاء الذي لا ينضب، وربة المنزل التي تدعم قائده معنويا وإنسانياً وكانت مسئولة عن مصروف البيت، و كانت بمثابة وزير الخزانة والخبير الإقتصادي الذي يدبر و يوجه أوجه الإنفاق وتساعد زوجها في تدبير شئون المنزل والإدخار للمستقبل.

من السهل لك يا عزيزي أن تتوقع كيف يصبح أطفال تلك الفترة الذهبية حينما ينشئون في تلك البيئة الأسرية المتماسكة والمبنية على الحب والتفاهم، والتي تشبه إلى حد كبير في أسس نظامها خلية النحل.

من شب على شئ شاب عليه .. قول قديم و لكني أعلم الآن من أين أتى .. أتى من إحترام قدسية و فكرة الأسرة .. ذلك الكيان الإنساني الذي يقوم بدور مصنع الشباب والفتيات وتأهيلهم نفسياً وذهنياً لصنع المستقبل.

أين نحن الآن في أسرتنا المصرية وقد صار كل فرد منها في وادي .. لا ندري في أي سنة دراسية أولادنا هم .. لا نصل رحمنا كما أمرنا الله و رسوله .. لا نتواصل ولو هاتفيا مع الأقارب و المعارف، بل نكتفي ب" اللايك أو الكومنت " على الفيسبوك .. لا أسأل عنك إلا إذا إحتجتك في مصلحة .. و لا أزورك إلا إذا وجدت عندك ضالتي .. و لا أُهديك شيئا إلا و قد حسبت المقابل في ذهني مقدماً.

"إبدأ بنفسك " .. مقومات النجاح في الحياة هي عوامل داخلية و ليست خارجية ... أنت فقط الشخص الوحيد الذي يمتلكها .. إبدأ بالنجاح داخل بيتك ، داخل محيط أسرتك ، إجعل من نفسك القدوة إذا لم تجد في غيرك القدوة .. صل من قطعك .. و سامح من صفعك .. و اشكر من نفعك .. وأدعم من دفعك.

إجعل من بيتك قلعة للعلم ، و حصن للأخلاق ، و دار للعبادة ... إجعل من بيتك وطنك الصغير، ونصب نفسك حارساً عليه ، بكل ما فيه، و اجعل هدفك الدائم هو أمنه و نهضته وتقدمه.