رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أتون القدر «20»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب


اليهود عند ظهور المسيحيين:


نأتي الآن إلى القرن الأول الميلادي عند ظهور السيد المسيح عليه السلام، كانت فلسطين وقتها مثل مصر وباقي أقاليم الشام مستعمرات رومانية يحكمها الإمبراطور الروماني من روما، ولكل منها حاكم أو ملك إقليمي من أهلها، وكان ملك اليهود عند مطلع القرن الأول الميلادي هو الملك هيرود الشهير الذي هام حبًا بابنة أخيه سالومي التي رقصت عارية أمامه فخلبت عقله وأمر بقطع رأس يوحنا المعمدان (نبي الله يحيى) هدية لها لأن يوحنا كان يسبها هي ومها كالقصة الشهيرة.


طوال القرن الأول الميلادي قام اليهود في فلسطين بعدة ثورات بهدف الاستقلال عن روما، كان أشهرها ثورة المكابيين سنة 66 ميلادية التي استمرت أربعة سنوات قبل قمعها، ولجأت فلول اليهود إلى قلعة جبل جنوب البحر الميت هي قلعة الماسادا، وظلوا يقاومون الرومان ثلاث سنوات حتى بقى منهم عشرة رجال فقط قرروا ألا يقعوا في الأسر أحياء فانتخبوا أحدهم الذي قتل التسعة ثم انتحر، وعندما دخل الرومان القلعة وجدوا الجثث العشرة ولم يجدوا أي أحياء.


قام اليهود بثورة أخرى سنة 115 ميلادية استمرت سنتين قبل أن يسحقها الرومان، ثم قاموا بآخر ثوراتهم سنة 127 ميلادية في عهد الإمبراطور الروماني هادريان، فقرر الإمبراطور عدم الاكتفاء بقمع الثورة بل إبادة الشعب اليهودي في فلسطين إبادة كاملة رجالًا ونساء شيوخًا وأطفالًا، وقامت جيوش روما بقتل مئات الألوف من اليهود في حمام من الدم البارد، ولم يستطع الهرب إلا بضعة آلاف أو عشرات الآلاف على الأكثر.


وطبعًا فروا إلى خارج حدود الإمبراطورية الرومانية، واستقر بهم المقام وسط القبائل المتبربرة حول بحر الخزر أو بحر قزوين جنوب روسيا وشمال إيران، وخشي اللاجئون أن تنقرض الديانة اليهودية بسبب صغر العدد الباقي أحياء فقاموا بالمخالفة لأحكام الدين اليهودي بالتبشير بالديانة اليهودية بين قبائل الخزر المتبربرة فالديانة اليهودية يعتقد معتنقوها أنها ديانة خاصة باليهود شعب الله المختار ولا يجوز لغيرهم اعتناقها، ولكن الضرورات أباحت المحظورات واعتنقت قبائل الخزر الوثنية ديانة اليهود بالآلاف، ومن سخرية القدر أن السمات المميزة لليهود هي الأنف المعقوف هي من سمات الخزر الإشكناز، فملامح اليهود الشرقيين من بني إسرائيل مماثلة تمامًا للملامح العربية وهي ملامح الجنس السامي، ومن سخرية القدر مرة ثانية أن يصل عدد اليهود الإشكناز ذوي الأنف المعقوف إلى 80% من يهود العالم كما جاء في الإنسايكلوبيديا اليهودية نفسها طبعة 1960، وأن بني إسرائيل يمثلون 20% فقط من يهود العالم.


وعندما وقعت عيناي على هذه المعلومة المذهلة خلال قراءتي في مكتبة اليهود باستوكهلم وجدت الدم يغلي في عروقي، فاندفعت نحو مدير المكتبة وعلى وجهي ابتسامة نصر وشماته، وسألته: كيف يجرؤ اليهود على المطالبة بالعودة إلى فلسطين؟ إن 80% من يهود العالم ليسوا بني إسرائيل ولم يكن أسلافهم فلسطينيين أبدًا، فكيف يجرؤون على المطالبة بالعودة إليها؟


أشهد أن رد الرجل كان عبقريًا في تبريره، قال لي: أجلس وتناول معي فنجان قهوة وسأشرح لك أنت مصري ولست عربيًا من جزيرة العرب غزا الفرس بلدك بقيادة قمبيز سنة 525 قبل الميلاد وبقوا بها قرنين ثم رحلوا دون أن يتركوا أثرًا على الشخصية المصرية، وجاء بعدهم الإغريق بقيادة الإسكندر وبقوا ثلاثة قرون ثم رحلوا دون أن يتركوا أثرًا على الشخصية المصرية وتلاهم الرومان لمدة ستة قرون ثم رحلوا دون أثر عليكم، ثم جاءكم العرب وأعطوكم اللغة والدين، فتولهم من مصريين ليس إلى مجرد عرب بل إلى قلب العروبة النابض فالعبرة يا أخي ليست بالدم ونقائه فنحن لا نضمن من كانت جداتنا تخالط من الرجال العبرة بالثقافة، وعندما يتعلق الأمر بالثقافة فكلنا إشكناز أو شرقيين أو حتى هنود يهود حتى النخاع، ولم أجد ما أرد به عليه.


نعود في عجالة للتاريخ اليهودي بعد الفرار من فلسطين والاحتماء بالخزر وتحويل الكثير منهم لليهودية، بدأت الأقليات اليهودية تنتشر في دول أوربا المختلفة وفي غيرها من الدول، وعلى مدى السبعة عشر قرنًا التالية كانت معظم الجاليات اليهودية تعيش منعزلة عما حولها من جيران فيما عرف بالجيتو أو حارة اليهود، وكان الحنين لفلسطين مجرد شعور رومانسي يعبر عنه في رأس السنة اليهودية بأن يقول اليهود لبعضهم «السنة القادمة في القدس» كما نقول نحن «السنة القادمة على عرفات».


وكان بعض المتزمتين دينيًا من اليهود، يترك أحد حوائط مطبخ منزله دون بياض حتى يتذكر ويذكر أبناءه بأن الإقامة هنا مؤقتة حتى نعود للقدس، وظل الوضع كذلك طوال هذه القرون حتى نهاية القرن الثامن عشر عندما ظهرت أول عبقرية استعمارية في العصر الحديث وكان اسمها «نابليون بونابرت».


نشأة فكرة الدولة اليهودية:


غزت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت مصر 1798، وتعلمنا في المدارس أن نابليون أخذ جزءًا من جيشه واتجه إلى الشام لفتحه، وأنه عجز عن فتح مدينة عكا لدفاع واليها أحد باشا الجزار عنها ببسالة، ولمساعدة الأسطول الإنجليزي له من البحر، ولكن الذي لم يذكروه لنا في المدارس أن نابليون في طريقه إلى عكا وقف عند حائط المبكى بالقدس وخاطب اليهود الذين لم يكن عددهم في القدس وقتها يصل إلى ألفي شخص معظمهم من العجائز الذين حضروا ليموتوا ويدفنوا بجوار حائط المبكى، خاطب نابليون اليهود قائلًا: «هذه هي اللحظة التاريخية لليهود للعودة إلى أرض الأجداد وتتعهد الإمبراطورية الفرنسية بمساعدتهم وبحمايتهم إن قرروا العودة».


وبعد سنين طويلة بعد أن خسر نابليون كل حروبه وآسره الإنجليز ونفوه في جزيرة سانت هيلاند كتب مذكراته، وقال عن موضوع دعوة اليهود للعودة إنه كان ينوي إقامة دويلة يهودية في هذه المنطقة محاظة بالأعداء من العرب تستطيع سد طريق بريطانيا عدوة فرنسا اللدودة عندئذ لطريق الهند درة مستعمرات بريطانيا، وقال نابليون أن هذه الدويلة اليهودية ستكون مخلصة تمامًا لفرنسا لأنها ستكون حاميها الوحيد.