رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أتون القدر «19»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب


الفصل الرابع: الصراع العربي الإسرائيلي


نشأة الديانة اليهودية:


لا يمكن لنا أن نفهم هذا الصراع على حقيقته، وندرك مدى خطورته على المستقبل العربي دون أن نمر مرورًا سريعًا على تاريخ اليهود منذ عهد نبي الله إبراهيم عليه السلام الذي كان الجد المشترك لكل من العرب عن طريق ابنه إسماعيل واليهود عن طريق ابنه الثاني إسحاق.


وقبل أن نعرض الموضوع يتعين علينا تفنيد أكذوبة كبرى يرددها اليهود وهي أن أهرامات الجيزة الثلاث الكبرى، أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع قد بناها أسلاف اليهود بالسخرة التي فرضهم عليها ملوك الفراعنة.


وبلغت الجرأة برئيس وزراء إسرائيل الراحل مناحم بيجين أن يردد هذه الأكذوبة أمام الرئيس الراحل السادات والرئيس الأمريكي كارتر خلال مفاوضات كامب ديفيد سنة 1978 وضحك السادات ساخرًا، ثم انتهى الأمر عند ذلك.


الرد المفحم على كذب هذا الزعم جملة وتفصيلًا هي أن بناة أهرام الجيزة الثلاث الأولى كانوا ملوك الأسرة الرابعة الفرعونية حوالي سنة 2350 قبل الميلاد والتي كان أول ملوكها هو خوفو ابن زوسر صاحب الهرم المدرج بسقارة.


أما إبراهيم عليه السلام أبو كل من العرب واليهود فكان ميلاده في أور بجنوب العراق على الأرجح وكان ذلك حوالي 1900 قبل الميلاد أي بعد بناء الأهرامات بأكثر من أربعة قرون كاملة.


ولن نعتمد فيما تسرد عن التاريخ اليهودي على وثيقة أو لوح حجري فرعوني بل سنقتصر على مصدرين يؤمن اليهود بأولهما وهو العهد القديم التوراة الذي أنزل على موسى عليه السلام.


ويؤمن العرب بكليهما وهما توراة العهد القديم والقرآن الكريم، ولن نسمح لأنفسنا بالتعليق على أي نص نسوقه، حيث سنكتفي بسرد النص كما ورد في أحد الكتابين المقدسين التوراة والقرآن.


تقول التوراة في سفر التكوين أول الأسفار الخمس التي أنزلت على موسى وهو بين يدي ربه فوق البقعة المقدسة من أرض سيناء أن إبراهيم عليه السلام رزق بابنه الأكبر إسماعيل الذي كانت أمه الجارية المصرية هاجر، وبعد حوالي أربعة عشر عامًا بعد أن أدركه الكبر وأصبحت امرأته سارة عاقرًا لا تنجب جاءته النبوءة الربانية بأن سارة ستلد له إسحاق بمعجزة إلهية، وبينما تناسل العرب من إسماعيل تناسل اليهود من إسحاق.


وأنجب إسحاق ولدين عيسو الأكبر ويعقوب الأصغر، وسنقتصر هنا على تتبع نسل إسحاق، كان عيسو مصابًا بمرض جلدي يجعل جلده خشنًا، ولما كبر إسحاق وفقد بصره تراءت ليعقوب فكرة خبيثة هي أن يأخذ العهد بعد أبيه بدل من أخيه الأكبر عيسو.


فدخل على والده الضرير لابسًا جلد شاه خشن، فلما تحسس أبوه يده ظنه عيسو فطلب منه يعقوب أن يعطي العهد من بعده لصاحب هذه اليد، وفعلها إسحاق وهو يظن إنها يد عيسو، ولما انكشف الأمر بكى الأب ولكنه كنبي لم يستطع الرجوع في عهده، وخرج يعقوب إلى الصحراء هائمًا ونادمًا على فعلته، فظهر له الرب في صورة بشر فتصارعا وكان يعقوب قويًا فصرع الرب وطرحه أرضًا، فأعجب الرب بشجاعته وقال له: إنني أسميك من اليوم إسرائيل، ومعناها الذي غلب إيل، وإيل هي اسم الرب باللغة الآرامية التي يتكلمونها.


وأضاف الرب: أسميك من اليوم إسرائيل وأمنحك ملك هذه الأرض بين نهر مصر والنهر العظيم (أي نهر الفرات) أمنحها لك ولسلالتك من بعدك إلى الأبد، وكان ذلك هو أصل موضوع الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات.


تلك هي القصة كما وردت في سفر التكوين في التوراة، ولا نسمح لأنفسنا أو غيرنا بالتعليق عليها أو مناقشتها، فالعقائد لا تناقش !!


نأتي الآن لاستكمال القصة من مصدرنا الثاني، وهو القرآن الكريم، ورد في سورة يوسف أن يعقوب رزق باثني عشر ابنًا كان أصغرهم وأجملهم يوسف عليه السلام الذي كان أخوته يغارون من حب أبيهم له، فتآمروا عليه وألقوه في الجب والتقطه بعض السيارة وباعوه لرجل عني في مصر، وشغفت به امرأة الرجل فتعفف يوسف فكادت له حتى دخل السجن بضع سنين ثم خرج، وعينه الحاكم وليًا على خزائن مصر لعبقريته الاقتصادية.


استدعى يوسف أبويه وأخوته الأحد عشر لمصر وكان ذلك في عهد تدهور الدولة المركزية، وغزوات الهكسوس وغيرهم حوالي القرن الثامن عشر قبل الميلاد وعلى مدى خمسة قرون تكاثر نسل يعقوب وأصبحوا قبيلة كبيرة وغنية وبدأ الفراعنة يضطهدونهم وكان ذلك حوالي القرن الثالث عشر قبل الميلاد عندما ولد نبي الله موسى عليه السلام.


وباقي قصته معروف في القرآن الكريم وليس هذا مجال تفصيلها، عبر اليهود سيناء ودخلوا فلسطين أرض الميعاد بعد أن حاربوا أهلها من الكنعانيين وغيرهم وخلال ثلاثة قرون كان اليهود قد أصبحوا شعبًا كبير العدد عند وصول نبي الله داوود إلى العرش حوالي 1000 سنة قبل الميلاد، ووصلت مملكة داوود ومن بعده ولده سليمان عليه السلام إلى قمة ازدهارها، وبني سليمان هيكله الشهير الذي يقول اليهود أن الباقي منه الآن هو حائط المبكى بالقدس.


ولم يدم ازدهار الدولة اليهودية إلا حوالي ثلاثين عامًا حتى مات سليمان حوالي 970 قبل الميلاد، وانقسمت المملكة إلى مملكتين هما يهوذا في الجنوب (وبها الضفة الغربية الآن) وإسرائيل في الشمال، وعلى مدى القرون الثلاث التالية تعرض اليهود لغزوات قبائل وممالك عديدة مجاورة كان أشهرها غزوة الملك البابلي نبوخذ نصر للقدس سنة 586 قبل الميلاد، وتدميره للهيكل تمامًا.


وأخذ الشعب اليهودي كله أسرى كعبيد معه إلى بابل وظل اليهود أسرى في بابل خمسين عامًا، ثم أفرج عنهم حفيد نبوخذ نصر وأعادهم إلى القدس بفضل نفوذ امرأة يهودية صارخة الجمال خلبت عقل الملك فأفرج عن شعبها، ويوجد بالعهد القديم من التوراة سفر كامل يسمى «سفر إستر» وهي المرأة اليهودية صارخة الجمال.