رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الاستثمار في مهب الريح

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

إذا كانت العِبرة في تقييم التعديل الوزارى الأخير بما ينطوى عليه من تغيير في السياسات وليس الأشخاص، فإن من أبرز ما تضمنه هذا التعديل إلغاء وزارة الاستثمار وإلحاق هيئة الاستثمار برئيس مجلس الوزراء، لما يعبر عنه ذلك من اعتراف بضرورة مراجعة السياسة الحكومية حيال هذا الملف الشائك والمتعثر.

والمقصود، على ما يبدو، من إلحاق هيئة الاستثمار برئيس مجلس الوزراء هو رفع مكانتها وجعلها قريبة ممن لديه سلطة اتخاذ القرارات اللازمة لحل مشاكل الاستثمار والمستثمرين والتنسيق بسهولة مع مختلف الوزارات والجهات الحكومية.

ولكن مع تقديرى لما يعبر عنه هذا الاهتمام بملف الاستثمار والحرص على النهوض به وإدراك خطورة استمرار تعثره على الاقتصاد القومى، إلا أننى أخشى أن تكون الأداة المقترحة لتحقيق هذا الهدف غير مناسبة لأنها تسعى لحل المشكلة الأقل أهمية وتترك المشاكل والعقبات الأهم على حالها. وأكتفى هنا بالإشارة للمشاكل ذات الطبيعة القانونية أو المؤسسية.

على رأسها أنه في غمار التعديلات التشريعية المتتالية وغير الموفقة التي تعرض لها قانون الاستثمار منذ عام ٢٠١٥، جرى إلغاء ما كانت تتمتع به هيئة الاستثمار من استقلال تنفيذى وإدارى، وصار وزير الاستثمار رئيسًا لمجلس إدارتها، وجرى تعيين غالبية أعضاء المجلس من مندوبى الجهات الحكومية. وهذا أدى إلى تقليص صلاحيات الهيئة والحد من قدرتها على التفاعل مع المستثمرين والترويج للاستثمار، كما أدى إلى تجاهل الخبرات والطاقات المتراكمة لديها عبر السنين. وزاد من صعوبة الوضع أن المدير التنفيذى للهيئة جرى تغييره خمس مرات في ذات العدد من السنوات، وكثيرًا من الوقت كان قائمًا بالأعمال وليس رئيسا كامل الصلاحيات. لذلك فإن مجرد إلحاق الهيئة برئيس مجلس الوزراء لن يحقق الكثير ما لم يجرى تعديل القانون من أجل إعادة استقلال الهيئة وتمكينها من ممارسة دورها كاملا. وقد استوقفنى في أول تعليق منشور للسيد رئيس مجلس الوزراء قوله، إن التعديل يعيد للهيئة دورها السابق، بينما إعادة هذا الدور لن يتحقق طالما ظلت الهيئة مكبلة ومحددة الصلاحية والاستقلال على نحو ما يفرضه عليها القانون الحالى.

من جهة أخرى، فإن مجموعة القوانين الصادرة في الأعوام السابقة بغرض تحسين مناخ الأعمال- قوانين الاستثمار والإفلاس والتراخيص الصناعية والمحال العامة وغيرها- لم تحقق المرجو منها، لأن الخلل لم يكن في التشريعات الأساسية، بل في ضعف التنفيذ وفى غياب النظم والقواعد والآليات التي تسمح بتطبيقها بكفاءة. وهذه نقطة ضعف متأصلة في نظامنا القانونى منذ عقود طويلة، ولكن تزداد وطأتها حينما تفقد الهيئات الحكومية المعنية بتطبيق تلك القوانين صلاحياتها واستقلالها على نحو ما أصاب الهيئات العامة المعنية بالنشاط الاقتصادى، والتى باتت واقعة تحت سطوة مختلف أجهزة الدولة. بمعنى آخر، إن الإصلاح التشريعى المطلوب ليس على مستوى القوانين التي لدينا منها ما يكفى «وزيادة»، بل على المستوى اللائحى والتنفيذى الذي لا يأخذ حظه من الاهتمام الرسمى والإعلامى رغم أنه مربط الفرس الحقيقى في تحسين مناخ الاستثمار.

وأخيرًا، لا توجد قوانين أو لوائح، مهما بلغت براعة صياغتها وإحكام معانيها، قادرة على تحسين مناخ الاستثمار وكسب ثقة واطمئنان المستثمرين في غياب سياسة اقتصادية واضحة للدولة وفى استمرار حالة الغموض والتداخل بين ما تقوم به أجهزتها وشركاتها العامة من نشاط استثمارى وتجارى وما يتاح للقطاع الخاص أن يمارسه من نشاط على أرضية تنافسية عادلة وباعثة على الثقة. ومرة أخرى، فإن المطلوب ليس الانسحاب الكامل للدولة من الساحة الاقتصادية، فهذا ليس ممكنًا ولا مفيدًا، بل تحديد الأدوار والإعلان عن سياسة يفهمها المجتمع الاستثمارى المحلى والدولى معًا.

مرحبًا باهتمام الدولة بالاستثمار وإدراكها ضرورة تعديل مساره. ولكن تحقيق تقدم ملموس سيكون مرهونًا بمواجهة مشاكله الحقيقية والعميقة، والتى تتجاوز بكثير نقل تبعيته لأعلى المستويات الإدارية. فعسى أن تكون هذه بداية لخطة إصلاحية أكبر وإلا بقى الاستثمار ملفًا في مهب الريح.

نقلا عن "المصري اليوم "