رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«حبة الغلة».. مُبيد سام يفترس ضحاياه فى «دقائق»

النبأ

شهدت محافظة دمياط فى السنوات الأخيرة تزايد وقائع الانتحار باستخدام عدد من الوسائل كلها تؤدي للموت، وتنوعت ما بين (الشنق - إلقاء الشخص نفسه من مكان مرتفع أو أسفل عجلات القطار - تناول حبوب الغلة القاتلة التى تعد مبيدًا سامًا - تناول أدوية بكميات كبيرة).

ومنذ عدة أيامٍ قليلةٍ، انتحرت فتاة تدعى ندى إسماعيل البدراني، ١٨ سنة، طالبة بمعهد تمريض، ومقيمة بقرية البصارطة التابعة لمركز دمياط شنقًا، فقد عثرت عليها والدتها معلقة بحبل في سقف حجرتها. 

وبسؤال والدتها أكدت أن ابنتها كانت تعانى من مرض نفسي دفعها للانتحار، ولم تتهم أحدًا بالتسبب فى الواقعة، وتحرر محضر برقم 7145، وأغلقت القضية.

وبحسب آخر تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية (WHO)  فإن جمهورية مصر العربية تحتل المرتبة الأولى فى العالم العربي من حيث ارتفاع معدلات الانتحار وذلك فى الفترة الأخيرة وتحديدًا بدءًا من عام 2016.

وشهدت مصر 3799 حالة انتحار عام 2016، تبعتها السودان بـ 3205 حالة انتحار، فيما احتلت اليمن 2335 حالة انتحار، بينما احتلت الجزائر المركز الرابع ووصل عدد حالات الانتحار بها لـ1299، ثم العراق بـ 1128، وطبقا للتقرير فقد وصل معدل الانتحار عالميا إلى 10.5 حالة لكل 100 ألف مواطن، وأكد التقرير أن شخصًا واحدًا ينتحر كل 40 ثانية، وأكثر من نصف المنتحرين فى العالم هم دون سن الـ45، وحينما نتطرق للمنتحرين من الشباب فنجد أن أغلبهم تتراوح أعمارهم من 15 حتى 29 عامًًا.

ووفقًا لعددٍ من التقارير الإعلامية الصادرة فى الفترة الأخيرة، فقد بدأت حالات الانتحار بـ«حبة الغلة القاتلة» تنتشر بين الشباب فى الفترة الأخيرة خاصة محافظة دمياط.

وتؤكد الدكتورة سماح الخضرجى، أخصائية الأطفال بمستشفى الزرقا المركزي التابع لمحافظة دمياط، أنه عقب تناول الشخص "حبة الغلة" تنتشر سريعًا فى أنحاء الجسم متحولة لغاز يسهل التعرف عليه فهو ذو رائحة نفاذة، بالإضافة إلى أعراضه والتى تتمثل في فقدان الوعى، والتصبب عرقًا بشكل لافت للنظر، وخروج إفرازات بيضاء اللون من «الفم».

وأضافت: الحالة الوحيدة التى يمكن أن يتم إنقاذ الشخص فيها تكون فى عدم ابتلاعه المادة، غير ذلك، يكون من الصعب فعل أي شيء؛ فهذه المادة تنتشر بشكل سريع جدًا وتفترس ضحاياها بصمت.

وعن محاولة تقنين تداول هذه المادة فى الأسواق المصرية، أكد أشرف الأسود، مدير الإدارة الزراعية في مركز الزرقا بمحافظة دمياط، أن "حبة الغلة" لا تباع فى منفذ الجمعية الزراعية، فهي تتداول فى المحلات الخارجية، ولها أكثر من اسم فهي كانت تستخدم قديما لـ«حفظ الغلال»، بالإضافة لكونها رخيصة الثمن لذلك يقبل على شرائها كثيرون.

وأكد الشيخ أحمد محمد عبد النبي، القائم بأعمال مدير الدعوة فى مديرية أوقاف دمياط، أن الله (عز وجل) يقول فى كتابه الكريم: "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما"، فقد حرم الإسلام الاعتداء على النفس بأي صورة من صور الإيذاء والاعتداء بكل صورة تؤدي إلى التهلكة، وقد بين الإسلام أن النفس أمانة من الله يجب على الإنسان الحفاظ عليها فلا يؤذي نفسه ولا يعطي فرصة لأي سبب لإلحاق الضرر بنفسه.

وتابع: الانتحار حرام ولابد للإنسان من دفع جميع الأسباب التي تؤدي إليه، فقد شدد الإسلام العقوبة على المنتحر، وبين أن من يمر بضائقة عليه أن يسلم أمره كله لله، فالأمر بيد الله، وأؤكد أن الانتحار حرام بجميع أشكاله وأنواعه.

«اتصدمت من منظر الشاب لما رمى نفسه من أعلى البرج».. بهذه الكلمات بدأت "سعاد.خ" ربة منزل مقيمة في قرية الناصرية بدمياط حديثها مع محررة "النبأ"، مؤكدة أنها كل يوم تستيقظ على خبر انتحار أحد الشباب، مطالبة بالتدخل السريع من قبل الدولة والمؤسسات التعليمية لتوعية الشباب بضرورة التقرب من الله والبعد عن التقليد وتحذيرهم من الانتحار.

بينما يؤكد «أحمد.إ»، أحد الآباء، أنه يخشى على أولاده من الوقائع الخاصة بالانتحار، ويرى أن الإعلام يُسلط الضوء بشكل مباشر عليها، وهذا تصرف خاطئ، ولابد من التحذير منها وإهمالها. 

وأضاف: «الشباب الصغير مش فاهم الصح من الغلط وبيحاول تقليد كل ماهو جديد ومجرد تسليط الضوء على النماذج اللى انتحرت وكل شخص يأخذ الخبر على صفحته على الفيسبوك ويبين أن المنتحر ده مظلوم فده بيدفع الشباب أنهم يقلدوه وكده احنا بنزود المشكلة مش بنحلها».

ويضيف «محمد.ع»، شاب جامعى، أن ظروف المعيشة أصبحت صعبة، والأهالى يبتعدون تماما عن أبنائهم، فالشباب يلجأون لأصحابهم لتمضية أغلب الأوقات معهم، وهنا تكمن الخطورة.

وتؤكد سمر الفلال، أخصائي نفسي بدمياط، أن المشكلة فى الآونة الأخيرة ترجع لانتشار حالات الاكتئاب بالتزامن مع تقليص دور الطب النفسي بشكل ملحوظ، فقديما كانت فكرة الانتحار مستبعدة تماما وتمثل حالات فردية؛ فالأشخاص الذين مروا بتجارب قاسية كانوا يقاومون فكرة الانتحار، أما الآن وعقب تسليط الضوء بشكل مبالغ فيه على ظاهرة الانتحار، فقد أصبحت تستحوذ على حيز كبير من التفكير لدى المواطنين خاصة الشباب وصغار السن منهم.

وأضافت: «فى المقابل نرى أن الطب النفسي فى مصر لا يحظى باهتمام بالغ بل إنه أصبح بعبع.. يهرب منه الكثيرون معتبرين أنه وصمة عار ومن يلجأ لطبيب نفسي فهو مجنون».

واستكملت: «لذلك لابد من الحد من نشر أخبار الانتحار وفي المقابل نشر الوعى النفسي وترغيب الشباب فى الذهاب للطبيب النفسي كزيارة عادية روتينية، وقد أعجبتني كثيرًا مبادرة الصحة النفسية حينما طرحت أرقامًا على مدار 24 ساعة لتلقي مكالمات من الأشخاص الذين يمرون بحالة نفسية سيئة، ولابد من مصاحبة الأهالى لأبنائهم، كذلك لابد من نشر الوعي الديني بصورة أكبر لدى الشباب، فالتقرب من الله كفيل أن يغير تفكير الشباب ويبعدهم عن الأفكار الانتحارية».