رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«حرب الغاز» تُشعل صراعات الدول الكبرى على ليبيا.. وسيناريوهات مصر لضرب مخططات «أردوغان»

الحرب فى ليبيا
الحرب فى ليبيا


وقعت تركيا وحكومة السراج في ليبيا اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية بينهما قرب جزيرة كريت اليونانية، في 27 نوفمبر الماضى، الأمر الذي أثار اعتراضات مصر واليونان وقبرص وإسرائيل؛ بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدم أحقية تلك الدول بموجب الاتفاق، فى التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، فضلا عن وجود تصريحات رسمية تركية بالبدء فى التنقيب وإنتاج النفط والغاز مباشرة استنادا إلى الاتفاقية الجديدة.


وأعلن «أردوغان» أن تركيا وليبيا قد تقومان بأنشطة تنقيبية مشتركة عن الغاز والنفط في شرق المتوسط، بعد توقيع الاتفاقية.


وأصبحت ليبيا ساحة لصراعات النفوذ والقوى الدولية الكبرى؛ فروسيا تعمل على إعلاء شأن حفتر في ليبيا، خدمة لأجندتها هناك، مثل الحصول على امتيازات عسكرية واقتصادية.


كما اشتد الصراع بين فرنسا وإيطاليا في ليبيا، فالأولى تُعد عرابة التدخل العسكري الغربي في ليبيا، وهو تدخل تعتبره إيطاليا تهديدا لمصالحها، ويتجسد هذا الصراع على الأرض في دعم روما لحكومة الوفاق الوطني، بينما تدعم باريس حفتر، فعلى صعيد الاقتصاد والطاقة يتجسد الصراع من خلال المنافسة الشرسة بين شركتي الغاز والنفط التابعتين للبلدين، وهما توتال الفرنسية وإيني الإيطالية.


فإيطاليا ترى في ليبيا منطقة نفوذ لها، فجغرافيًا لا تفصل ليبيا عن إيطاليا إلا أمواج المتوسط، وتاريخيًا كانت ليبيا أهم المستعمرات الإيطالية في إفريقيا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم تنقطع الصلات بين البلدين حتى عندما كانت ليبيا في عزلة جراء العقوبات التي فرضت عليها عام 1992.


وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته في أعمال منتدى "شباب العالم" المنعقد في مدينة شرم الشيخ: "لا نتدخل في شؤون ليبيا ومن الضروري استعادة الدولة الوطنية هناك" وأن مصر تدعم "الجيوش الوطنية" سواء في سوريا أو ليبيا، لأنها مسؤولة عن "الاستقرار والأمن" في تلك الدول.


وقال إن "الجيش الوطني هو المسؤول عن الاستقرار والأمن، الهدف من رؤيتنا لدعم الجيوش هو ألا نسمح بحالة عدم استقرار تستمر في أي دولة نتيجة وجود قوى أخرى تنازع الاستقرار لتنفيذ أجندتها، لماذا الحكومة في ليبيا لا تستطيع أن يكون لها إرادة حرة حقيقية هناك، لأنها أسيرة للميليشيات المسلحة الإرهابية الموجودة في طرابلس".


وأشار السيسي إلى أنه بالرغم من أن خطورة الأوضاع في ليبيا تمس الأمن في مصر بشكل مباشر، فإن مصر لم تتدخل بشكل مباشر، متابعًا: «كان أولى بنا نحن أن نتدخل بشكل مباشر ولدينا القدرة، لكننا لم نفعل احتراما لظروف ليبيا والحفاظ على علاقة الإخوة بيننا وبين الشعب الليبي».


وتعد الإمارات الداعم الرئيسي منذ سنوات للمشير خليفة حفتر في ليبيا، إذ أكدت لجنة الخبراء بمجلس الأمن الدولي خرق الإمارات أكثر من مرة منذ عام 2014 حظر التسليح المفروض على ليبيا منذ عام 2011، بإمداد قوات حفتر بالأسلحة المتطورة والمدرعات الإماراتية والطائرات المسيرة التي تستخدم حاليًا في الحرب على طرابلس.


ومن الناحية الداخلية تشير التوقعات إلى أن الاتفاق الأخير لا يبشر بخير لليبيين الذين يستعدون للاجتماع في العاصمة الألمانية برلين خلال الأيام المقبلة لبحث عودة المفاوضات السياسية، ووضع تصور لحل سياسي ينهي الصراع المسلح المندلع في البلاد.


كما أعلن البرلمان الليبي عدم الاعتراف بالاتفاقية المزعومة لكونها باطلة حيث لابد من موافقة البرلمان والتصديق عليها.


وعلى المستوى الدولي بدأت قبرص واليونان التحرك فعليا ضد الاتفاق المعيب، حيث أعلنت الحكومة القبرصية تقدمها بطلب إلى محكمة العدل الدولية لحماية حقوقها الطبيعية في البحر المتوسط من الاعتداءات التركية.


وفي الوقت ذاته أعلنت اليونان رفضها للاتفاق، واستدعت سفيري تركيا وليبيا للاستفسار عن الاتفاق، وتبعت ذلك بطرد السفير الليبي من أثينا حتى إشعار آخر.


مراقبون أكدوا أن الاتفاق بين السراج وإردوغان غامض، حيث إن تركيا لم تقدم تفاصيل عن الاتفاق الذي أعلنته فضلًا عن مذكرة تفاهم لتوسيع نطاق التعاون الأمني والعسكري، حيث إن أنقرة لم تذكر أين تلتقي الحدود البحرية بين تركيا وليبيا.


من ناحيته، كشف الدكتور محمد عبد الله، أستاذ القانون الدولى والخبير بالأمم المتحدة، أن هناك ثلاث اتفاقيات تتحكم في مسائل التنقيب عن الغاز في المياه الدولية وهي «اتفاقية البحار، والجرف القاري، والمناطق الاقتصادية الخالصة»، والاتفاق المبرم بين إردوغان وفايز السراج يخالف تماما تلك الاتفاقيات. 


وأضاف أن الاتفاق المبرم يفيد بأن الحدود البحرية ستصل إلى 200 ميل بحري تدخل فيها مياه اليونان ومصر، وقبرص مؤكدا أن ما تقوم به الحكومة التركية تحايل لكي تحصل على حصة من الغاز الطبيعي بمنطقة البحر المتوسط رغم عدم أحقيتها في ذلك مطلقًا، متابعًا أن تركيا لا تعترف بقبرص لذا اتجهت إلى ليبيا ولرئيس حكومة الوفاق الليبي فايز السراج.


وأوضح، أن ما تقوم به أنقرة عبارة عن مناوشات سياسية بحتة الغرض منها مضايقة الجانب المصري، رغم علمها بأن الاتفاقات والقوانين الدولية كافة تؤكد عدم مشروعية ذلك، كما أن حكومة السراج ليست شرعية ومعترف بها دوليا والبرلمان الليبي لن يمرر تلك الاتفاقية، فضلًا عن أن جيش حفتر رفضها، وبالتالي لن يسمح قائد الجيش الوطنى الليبي بدخول «الحفارات التركية» السواحل الليبية. 


وأشار إلى أن الدول المتضررة من الاتفاقية عليها اللجوء إلى مجلس الأمن الدولى؛ لإصدار قرار بعدم الاعتراف بالاتفاقية كما يجوز لها اللجوء لمحكمة العدل الدولية.


وأكد اللواء يحيى الكدواني، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أن هناك اتفاقية معتمدة من الأمم المتحدة لترسيم الحدود بين مصر وقبرص واليونان، والمياه الاقتصادية المصرية معروفة ومحددة، وأنقرة تحاول زرع نوع من الصراع دون وجه حق أو أي سند قانوني، مؤكدا أن المذكرة الموقعة بين فايز السراج وإردوغان لا يعتد بها وباطلة ومخالفة للقانون الدولي، موضحا أن الاتحاد الأوروبي يقف بجانب الحكومة المصرية ويساندها.


وأضاف رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري أن أنقرة تحاول الضغط على القاهرة من خلال طرابلس، لكون أن لها اليد الطولى في نشر الفتنة بالمنطقة وزيادة الصراعات.


وأضاف السفير صلاح فهمى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن اتفاقية فائز السراج مع إردوغان المتعلقة بالتفاهم في مجال التعاون الأمني والمجال البحري مع تركيا بمثابة معاهدة دفاع، وهو ما يعني إعادة إرسال النفوذ التركي في منطقة شمال إفريقيا، واستمرار الرهان السياسي التركي على تيار الإسلام السياسي في العالم العربي.


وأضاف الخبير، أن هذا الاتفاق يضر بالأمن القومي لعدد من الدول المجاورة لليبيا وعلى رأسها مصر، موضحًا أنه يجب مراعاة أن مصر كانت رافضة بشدة لأي تدخل أجنبي في الشأن الليبي، ومشيرًا إلى أن المجلس الرئاسي في الغرب الليبي لا يستطيع الحصول على أي دعم سياسي إلا من خارج ليبيا وهذا الأمر يؤثر على التسوية السياسية، لأنه يضع الحل في أيادي أناس آخرين.


وتابع أن الاتفاق الأخير الموقع بين السراج وإردوغان مخالف لاتفاقية الصخيرات التي تمنع التدخل الأجنبي لتسوية الصراع في ليبيا، ولا يحق للسراج أن يوقع على هذه الاتفاقية منفردًا، وموضًحا أن هذا الاتفاق يسمح بالمزيد من التدخل التركي، والتواجد العسكري التركي في المياه الإقليمية الليبية ويساعد على مستوى المجال الجوي، كما أن هذه الاتفاقيات تمثل عودة أنقرة كفاعل في منطقة جنوب المتوسط وشمال إفريقيا، مشددًا على أن هذا يعتبر الغرض الرئيسي للتدخل التركي في الملف الليبي وخاصة ما يتعلق بالغاز الطبيعي.


واستبعد مساعد وزير الخارجية تحول الأزمة إلى صراع عسكري في المنطقة خاصة أن الأمر لن يترك لذلك، مؤكدًا أن تركيا لن تقوم بالتنقيب عن الغاز على الحدود الليبية، في ظل الضغط الأوروبي والدولى والتهديد بفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية والعسكرية على أنقرة من قبل الاتحاد الأوروبي، كما أن روسيا لن تسمح لتركيا بتواجد عسكري في ليبيا وبناء قواعد عسكرية.


وأشار إلى أن مصر لديها عدة سيناريوهات لمواجهة الاتفاق التركى الأخير عن طريق التنسيق المصري الروسي لمنع التواجد العسكري التركي في ليبيا، كذلك التنسيق بين دولتى اليونان وقبرص والتحرك دوليا وقانونيا في هذا الملف، كما تقوم القاهرة بمشاورات مع الجانب الأوروبي لفرض عقوبات على أنقرة في هذا الملف، هذا بجانب وجود تنسيق مصري ليبي مع الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر؛ لمنع التواجد العسكري التركي على الحدود البحرية الليبية، وتوجيه ضربات عسكرية لأي سفينة تركية تبحث عن التنقيب بالبحر المتوسط ونفس الأمر بالنسبة للبرلمان الليبي.


وأضاف أن القاهرة لديها سيناريوهات ومشاورات مع دول عربية مثل الإمارات والتى لها دور بارز في الملف الليبي، ومن الممكن أن تستدعى مصر أمريكا للتدخل فى الأزمة، خاصة أن إسرائيل متضررة أيضًا، وأردوغان هدد مصالح في مياه البحر المتوسط، وبالتالى تل أبيب سوف تلجأ لترامب للتدخل.


ويؤكد مساعد وزير الخارجية الاسبق، أن الحل الوحيد لإفشال مخطط تركيا في سواحل البحر المتوسط، هو توحيد شطري الجزيرة القبرصية، الذي إن تحقق سيتقاسم سكان الجزيرة الموارد النفطية بشكل طبيعي، دون حاجة إلى دخلات خارجية، الأمر الذي تعمل تركيا دون تحققه حتى يظل هناك ذريعة لتدخلاتها وتحقيق مطامعها، وهو ما يجب على مصر القيام به.


وقال اللواء حمدي بخيت، الخبير العسكري وعضو لجنة الشئون الإفريقية بـ«مجلس النواب»، إن تواجد عدة دول على الأراضي الليبية، ما هو إلا تواجد استخباراتي بدافع المصالح، وليس تواجدًا عسكريًا بالمعنى التقليدي؛ فالجيش الليبي الوطني قادر على تحرير طرابلس في حالة رغبة الشعب الليبي ذلك وقيام الدولة الليبية الموحدة ولكن تركيا ستعمل جاهدة على ألا تسقط طرابلس لأنها موطء القدم لها بليبيا الذي تنطلق منه إلى القارة الإفريقية وإلي حدود مصر ولكن بفرار المسئولين الكبار من طرابلس يبرهن أنها في طريقها إلي القوات الوطنية.


واستبعد «بخيت» حدوث مواجهة بحرية بين مصر وتركيا في ظل الوضع الراهن وقال: «الدول التي تعمل في إطار دعم أمنها القومي وتأمين حدودها لا تعطى الفرصة لدول أخرى بالدخول إلى مياهها الإقليمية والتحرك في منطقة نفوذها فمصر لديها القدرة في الدفاع عن مياهها الإقليمية وتأمينها جيدًا، ومن يتخطي تلك الحدود يتحمل عواقب تصرفه، فأنا أعتقد أن تركيا تستطيع الدخول إلى المياه الليبية أو المياه القبرصية فتلك الدول جيوشها ليست بالقوة الكافية ولكن تركيا تعلم علم اليقين أنها لا تستطيع الاقتراب من المياه الإقليمية المصرية ولذلك لا أتوقع أي نوع من الاصطدام أو الاشتباك إلا لو أصاب أردوغان مس من الجنون ففي حينها قواتنا البحرية قادرة على ردعه».


وأضاف «بخيت» أن الصاروخ الذي أطلقته البحرية المصرية يحمل عدة رسائل لمن يهدد مياهنا الإقليمية، ومنها أن لدى مصر ما يمكنها من الدفاع به عن حدودنا البحرية، أيضًا ترسل رسالة عن جاهزية البحرية وتسلحها بأسلحة متطورة، وأن سيناريو سوريا لن يحدث على الأراضي الليبية فلن تتحرك الدبابات والطائرات وتحدث حرب تقليدية لأن فاتورة الحرب باهظة الثمن ولن تقوى حتى الدول الكبرى على لدفعها.