رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

حتى لا تتحول إلى سبوبة فاشلة.. 9 إرشادات تضمن نجاح مراكز الدعم النفسي في مواجهة الانتحار

أرشيفية
أرشيفية


"الاكتئاب هو حالة العذاب التي تكون بها أنت السجين والسّجان"، تعبر تلك الكلمات التي قالتها العالمية النفسية الاسترالية "دوروثي رووي"، منذ عقود، عن المعاناة والسوداوية التي يغرق فيها مريض الاكتئاب، وأنه يكون محبوسا خلف قضبانها. 

الحالة ذاتها إن لم يكن أقسى منها، عاشها خريج هندسة حلوان، قبل أن ينهي حياته بالقفز من أعلى برج القاهرة، ليدق ناقوس الخطر داخل الكثير من المؤسسات، على رأسها جامعة القاهرة، التي قررت افتتاح أول مركز للدعم النفسي لمواجهة الانتحار بالجامعات. 

أسبوعان فقط يفصلان عن افتتاح المركز، الجميع يترقبون الآلية التي من المفترض أن يعمل بها المركز، حتى لا يؤول إلى ما آلت إليه مراكز الإرشاد النفسي والعيادات النفسية بالمستشفيات الجامعية؟

جامعة القاهرة تواجه الانتحار

في 2 ديسمبر الجاري أعلن رئيس جامعة القاهرة محمد عثمان الخشت، أنه يجري التجهيز لأول مركز للدعم النفسي لمواجهة الانتحار بالجامعات، بمُشاركة عدد من أساتذة الطب النفسي والأخصائيين الاجتماعيين بالجامعة، ومن المُقرر افتتاحه خلال 3 أسابيع؛ لمساعدة الطلاب على مقاومة أمراض الاكتئاب والحالات النفسية.

ووفقًا للخشت فالجامعة تستهدف تقديم الحماية والمساندة والدعم النفسي والروحي لطلاب الجامعات بشكل عام، وذلك من خلال مركز الدعم النفسي، كما ستستعين الجامعة بعدد من المدربين النفسيين المؤهلين على كيفية التعامل مع كافة الحالات؛ لعلاجهم وزيادة قدراتهم الذاتية في مقاومة الأمراض النفسية والاكتئاب.

يتكون المركز من أربع وحدات، هي: وحدة للبحوث الميدانية وجمع البيانات، وأخرى لدعم الحوار بين أعضاء هيئة التدريس والطلاب، وثالثة للمساندة النفسية والتنمية الذاتية، وأخيرًا وحدة المساندة والإرشاد الأسري.


مراكز عديمة الفائدة

فرحة الكثيرين بمركز الدعم النفسي الذي أعلن عنه الخُشت لم توصف، لاسيما بعد تفشي حالات الانتحار بين طلبة الجامعات بالتحديد، إلا أن البعض الآخر استنكر الفكرة خصوصًا وأن عدد كبير من الجامعات المصرية تمتلك مركز للإرشاد النفسي، بالإضافة إلى أن العديد من المستشفيات الجامعية التي تُقدم خدمات الدعم النفسي بالمجان أو بأسعار رمزية.

مراكز الإرشاد النفسي المنتشرة في الجامعات المصرية يأتي على رأس أهدافها، تقديم الاستشارات النفسية لأفراد المجتمع بكافة فئاتهم، فضلًا عن إعداد البرامج الإرشادية الوقائية والعلاجية، إلا أن معظم تلك المراكز أُفرغت من أهدافها ـ حسب المختصين ـ وباتت تركز على تقديم الدورات التدريبية في مجال الإرشاد النفسي بمبالغ كبيرة، وإعطاء شهادات "لكل من هب ودب" ليعمل في المجال.

كشف نفسي بالمجان

وعن خدمات الكشف النفسي التي تقدمها المستشفات من بينها الجلسات النفسية بمستشفى الدمرداش، التابعة لجامعة عين شمس مقابل 20 جنيهًا للجلسة، في حين يبلغ سعر الكشف 5 جنيهات، وذلك من خلال مركو الطب النفسي بالمستشفى، ثلاثة أيام أسبوعيًا وهم: الأحد والإثنين والأربعاء.

كما يبلغ سعر الكشف في مركز الطب النفسي التابع لمستشفى جامعة عين شمس 10 جنيهات فقط، بالإضافة إلى خدمات العيادات النفسية بعدد من المستشفيات الجامعية، ومنها العيادة النفسية بمستشفى الحضرة بجامعة الإسكندرية، والعيادة النفسية بمستشفى جامعة الزقازيق، فضلًا عن العيادة النفسية في مستشفى شبين الكوم بالمنوفية.

ومن المُقرر وفقًا لتصريحات الخُشت أن يتم التعاون بين مركز الدعم النفسي المنتظر افتتاحه بمقر المدينة الجامعية، وبين عيادات الطب النفسي بالقصر العيني لمتابعتها، في حين أن بعض الحالات سيتم متابعتها من خلال المركز، الذي يلعب دور اجتماعي أكثر منه نفسي.

آلية العمل داخل تلك المستشفيات والعيادات النفسية السبب الرئيسي في عزوف البعض عنها، ولذلك يحاول رئيس جامعة القاهرة أن يعتمد على آلية مختلفة للعمل في مركز الدعم، والذي يعتمد على دعم الحوار بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، ولكن المختصين استنكروا فكرة تحويل بعض الحالات إلى العيادات النفسية بمستشفى القصر العيني التابعة للجامعة، ووصفها بالعقيمة والروتينية.

سبوبة مراكز الإرشاد النفسي

وتعلق استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أسماء عبد العظيم على الأمر قائلة: "للأسف انحسر دور مراكز الإرشاد النفسي في كافة الجامعات في إعطاء دورات تدريبية للمختصين وغير المختصين بمقابل"، واصفة ذلك بأنه السبب الرئيسي في إضعاف دور تلك المراكز، وسمح لغير المختصين بالتسلق على المهنة، لاسيما أن تلك المراكز لم تشترط التخصص في المجال النفسي في المتقدمين للحصول على الشهادات.

"تتراوح أسعار دورة الإرشاد الأسري في مثل هذه المراكز ما بين 5 إلى 6 آلاف جنيه، لتخريج مرشدين نفسيين"، وفقًا لتصريحات عبدالعظيم لـ"النبأ الوطني"، موضحة أن خطوة جامعة القاهرة لتدشين مركز للدعم النفسي خطوة جيدة بشرط الالتزام، بأهداف المركز التي سيتم تدشينه من أجلها.

فكرة جيدة ولكن

أتمنى أن تُعمم الفكرة، لاسيما وأن نسب الانتحار بين الشباب الجامعي لا يمكن السكوت عليها، حتى وإن لم تكن وصلت إلى 25% وهي النسبة التي تحدد وجود ظاهرة من عدمه"، هذا ما أضافته استشاري الصحة النفسية، مؤكدة أن وجود مثل هذه المراكز الفعالة داخل حيز الحرم الجامعي من شأنه نشر ثقافة الطب النفسي في المجتمع، الأمر الذي من شأنه حماية الأجيال الشابة للتوجه إلى أهل التخصص بدلًا من إنهاء حياتهم.

واستنكرت أسماء عبد العظيم فكرة تحويل بعض الحالات إلى العيادات النفسية التابعة للمستشفى الجامعية، واصفة إياها بالروتينية لاسيما مع غياب الثقافة والإمكانيات، لافتة إلى أن الخدمات النفسية المُقدمة من خلالها تُقدم بشكل نمطي يفتقد إلى العلاج المعرفي والسلوكي، والذي من المفترض أنه سيقوم عليه مركز الدعم النفسي الجديد.

آليات النجاح للمركز

وعن الآلية التي من شأنها إنجاح مركز الدعم النفسي المنتظر افتتاحه خلال أيام، اقترحت أسماء عبد العظيم مجموعة من النقاط التي يجب أن يعتمد عليها المركز، وشملت الآتي:

- تنظيم جلسات إرشادية جماعية للطلبة المترددين على المركز ولديهم نفس المشكلة. 

- تقديم جلسات فردية للحالات التي تمتلك مشاكل فردية.

- التعاطف والتقبل للحالات دون التحقير من مشاكلهم مهما كان حجمها.

- التعامل بجدية مع الحالات التي تعلن عن الانتحار واحتوائهم بشكل علمي.

- تفعيل دور أساتذة الجامعة من خلال المركز بإقامة جلسات تواصل بينهم وبين الطلبة.

- عقد دورات تدريبية لأساتذة الجامعة لتأهيلهم للتعامل مع الطلبة.

- إبعاد كل أفكار التشويه عن المركز، لاسيما ما يصم المترددين على المركز بالجنون.

- لا بد من أن يقدم المركز خدمة دعم نفسي بالمجان؛ لضمان انتشار الفكرة.

- لا بد من الإعلان عن المركز وتحديد أهدافه للعامة بشكل صحيح.

الأزمة بالإحباطات المجتمعية

وترى أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، شادية قناوي، أنه لا بد من معرفة الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذه السلوكيات، لاسيما وأن اعتبرنا أن هذا الإقبال على إنهاء الحياة يأتي نتيجة مرض نفسي وخصوصًا الاكتئاب.

"المرض النفسي له أسباب اجتماعية تدفع الإنسان إلى إنهاء حياته"، هذا ما أوضحته شادية قناوي، لافتة إلى أنه لا بد أن يعتمد المركز على الكشف عن الأسباب الاجتماعية لتلك الظاهر، والتي في الغالب تتمثل في مجموعة من الإحباطات  

وأعربت أستاذ علم الاجتماع عن أسفها على طريقة تعامل بعض أساتذة الجامعات مع الطلبة، والتي تفقدهم ثقتهم في أنفسهم؛ بسبب الاستهزاء من آرائهم أثناء المحاضرات، ومنعهم من إبداء الرأي والمناقشة، وكبت قدرتهم على الإبداع.