رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«مافيا» المستلزمات الطبية الناقصة «تفرم» المرضى فى المؤسسات العلاجية

المستلزمات الطبية
المستلزمات الطبية - أرشيفية


أعلن مجلس النواب فتح ملف نقص المستلزمات الطبية داخل المستشفيات الحكومية والجامعية، وتواجه وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، استجوابًا بخصوص هذا الأمر من المنتظر مناقشته تحت قبة البرلمان قريبا، وربما يطيح بالوزيرة من منصبها في التغيير الوزارى المرتقب. 


وتقدمت إيمان خضر، عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة إلى رئيس البرلمان الدكتور على عبد العال، بشأن نقص المستلزمات الطبية في المستشفيات الجامعية بمختلف محافظات الجمهورية.


وقالت في طلبها الذي وجهته إلى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، ووزير التعليم العالي الدكتور خالد عبد الغفار، إن أزمة نقص المستلزمات الطبية بالمستشفيات التابعة للجامعات المصرية وتحديدًا وزارة التعليم العالي مثل "قصر العيني القديم والفرنساوي ومعهد الأورام ومستشفى أبو الريش"، وغيرها من المستشفيات بمثابة كابوس يهدد حياة المرضى يوميًا، خصوصًا أن هذه المستشفيات إذا أراد المريض أن يجري عملية داخلها لا بد من أن يشتري هذه المستلزمات على نفقته الخاصة، وإلا لن يتم إجراء العملية الجراحية له.


وأشارت إلى أنه بحكم الدستور فإن للمريض الذي لا يمتلك تأمينًا صحيًا أن يُعالج على نفقة الدولة، وأن تتحمل الحكومة علاجه في المستشفيات الجامعية التابعة لوزارة التعليم العالي أو مستشفيات عادية تابعة لوزارة الصحة، ويكون ذلك عن طريق قرار على نفقة الدولة، منوهة إلى أن قصر العيني يتحكم فيه بعض الأطباء الاستشاريين الذين يسيرون الأمور داخل القصر على أهوائهم الخاصة.


وصرح الدكتور محمد فؤاد، عضو لجنة الخطة والموازنة بـ«مجلس النواب»، بأنه تقدم بطلب إحاطة بشأن نقص المستلزمات الطبية وتوقف بعض الشركات عن توريدها.


وقال "فؤاد" إنه في ظل أسعار المناقصات التي لا تتوافق مع الأسعار الحالية، بالإضافة إلى قلة المخصصات المالية في هذا الشأن، لقيام وزارة الصحة بشكل مركزي بتوفير وتوزيع تلك المستلزمات ما يسبب تأخرًا في توفيرها وسوء في التوزيع يتسبب في نقص تلك المستلزمات بشكل كبير.


وأضاف "فؤاد" أن ذلك يتسبب في مطالبة العديد من الأطباء والمستشفيات من المرضى توفير المستلزمات الخاصة بعلاجهم منها "الشاش، القطن، بعض العلاجات، الأوتار الصناعية، مستلزمات العظام، وغيرهم من المستلزمات"، حتى لا يتعطل المريض في الحصول على حقه في تلقي العلاج في الوقت المناسب.


وأكد "فؤاد" أن ذلك يفتح مجالا خصبا للفساد كذلك يضع البعض تحت مظلة الشبهات ويحرم المواطن من الحصول على أحد حقوقه الأساسية التي يحملها بموجب قرارات العلاج على نفقة الدولة، وكذلك في حالات الطوارئ وخلافه، ويتسبب ذلك أيضا في استخدام البعض لمثل تلك المواقف بشكل ابتزازي تجاه المستشفى أو الأطباء.


وسبق وأعلنت وزيرة الصحة، أن مصر أصبح لديها اكتفاء ذاتي من الأدوية والمستلزمات الطبية والأمصال والطعوم وألبان الأطفال، موضحة أن مصر تتمتع باكتفاء ذاتي بنسبة ١٠٠٪ من الأنسولين بكل أنواعه، و٦٠٪ من أدوية الأورام، من خلال التصنيع المحلي، بالإضافة إلى الاكتفاء من الطعوم التي كانت بها أزمة عالمية، وتم حلها على الصعيد المحلي، كما أكدت على أهمية الدور الرقابي على المستشفيات والمعامل لمتابعة استغلال تلك الأدوية والمستلزمات المتوفرة والتغلب على وجود أي أزمات.


وقائع فساد

وشهدت العديد من المستشفيات وقائع فساد؛ بسبب نقص المستلزمات الطبية، منها التحقيق مع طبيب مقيم جراحة عظام بمستشفى جامعة الزقازيق، واتهامه بالتربح من عملية منظار.


الدكتور (م) مسئول عن وحدة مناظير المفاصل بالمستشفى، استقبل مريضًا كان في حاجة إلي إجراء جراحة فى الكتف، والتي تحتاج إلى توفير خطاطيف، يصل سعر الواحد منهم إلى 3 آلاف جنيه، وكان يحتاج إلى 3 خطاطيف، أي إجمالي مبالغ 9 آلاف جنيه، حين علم الدكتور بأن المريض سيحتاج إلى قرار وزاري للعلاج على نفقة الدولة، أخبره بفارق السعر بين القرار الوزاري وسعر الخطاطيف، ونتيجة لظن المريض أن الطبيب يستغله وسيحصل على أموال لنفسه، سجل له حديثه، وتم إلقاء القبض علي الطبيب.


وكشفت التحقيقات أنه: «ومع زيادة سعر الدولار، ارتفعت المستلزمات الخاصة بجراحة العظام 3 أضعاف ثمنها، وبالتالي القرار الوزاري أصبح لا يغطى كل ما يحتاجه المريض من مستلزمات، وبالطبع الطبيب لا يحصل على الأموال من المريض، بل يدفعها الأخير بنفسه للشركة صاحبة المستلزم الطبي، إلا أن ما حدث أنه فور استلام مندوب الشركة للأموال الخاصة بالمريض، تم إلقاء القبض على مندوبين للشركة والطبيب، واتهامه بالحصول على رشوة مقابل علاجه للمرضى، وتم حبسه لمدة 4 أيام على ذمة التحقيق".


وقال مصدر إنّ الأمر معتاد فى الجامعة، وجميع أعضاء الجامعة يعلمون ذلك جيدا، لافتا إلى أنه أى مريض يدخل المستشفى للعلاج ليس أمامه سوى خيارين، إما أن ينتظر تعديل القرار الوزاري ليغطي التكلفة اللازمة لعلاجه، أو أن يدفع الفارق بين سعر المناقصة وسعر المستلزم بعد ارتفاع سعره، وبالتالي لتسيير الأمور اعتاد الجميع على إبلاغ المريض بالخيارين، وترك حرية الاختيار له.


وكان قد احتجز قسم ثان الزقازيق، طبيب عظام بمستشفى جامعة الزقازيق، على ذمة تحقيقات تجريها النيابة العامة، بشأن اتهام أسرة مريض له بالتربح من عملية منظار على نفقة الدولة.


من ناحيته، كشف الدكتور أحمد عبد الله، مدير التوريدات الطبية بأحد المستشفيات الجامعية، أنه في ظل رفض الشركات بتوريد المستلزمات بعد التعويم وارتفاع العملة، أصبح الاتفاق شفويا مع الشركات على إرسال المرضى لشراء المستلزمات منها، وباختصار هناك مشكلة حادة في المستلزمات كمحاليل و«كانيولا» وغيرها.


وأشار إلى وجود نقص شديد فى المستلزمات الطبية بالمستشفيات الحكومية على مدى السنوات الماضية، لدرجة وصلت الى غياب أبسط هذه المستلزمات مثل القفازات والسرنجات والشاش والقطن والإبر والخيوط الجراحية، لدرجة أن بعض المرضى خاصة مصابى الحوادث الذين يحتاجون إلى عمليات جراحية أصبحوا يذهبون إلى الصيدليات لشراء مستلزمات لإجراء الجراحات لهم ويحملونها معهم إلى المستشفيات.


وتابع: هناك مستشفيات جامعية، لا توفر أي مستلزمات للمريض، مثل أقسام العظام حيث يضطر المريض لشراء جميع احتياجاته من الخارج من مسامسير وشاش ورباط، وكل ما يتم توفيره للمريض هو أداوات العملية فقط، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى طلب شراء مستلزمات التعقيم داخل حجرة العمليات حتى لا يتم تأجيل العملية لعدم توافر تلك المستلزمات.


وكشف الدكتور أحمد عبد الله، عن مفاجآت مثيرة في بيزنس المستلزمات الطبية، حيث استغل البعض النقص الحاد وقاموا بافتتاح صيدليات أمام المستشفيات مباشرة، عن طريق معارفهم من داخل المستشفيات سواء كانوا أطباء أو تمريض يستطيعون معرفة النواقص في المسلتزمات الطبية بالأقسام المختلفة لتوفيرها بالصدليات، وهناك أطباء فتحوا صيدليات بالمشاركة مع زملائهم لبيع المستلزمات الطبية، كما أن هناك شركات توريد مستلزمات طبية لديها وسطاء من الأطباء والعاملين بالمستشفيات تقوم بتوجيه المرضى بشراء المستلزمات الطبية من تلك الشركات، نظير عمولات مالية.


وتابع: وهذه الشركات تعمل في النور، ويتواجد لهم مندوبين داخل المستشفيات يوميا مثل الباعة الجائلين داخل الأقسام.


في سياق متصل، قرر قسم جراحة القلب بجامعة عين شمس، إيقاف العمل نهائيا بسبب عدم وجود مستهلكات، وصدر قرار بعدم طلب شراء أي مستلزمات من الخارج من المرضى، وعدم قبول أي شراء من الخارج حتى حال طلب المريض نفسه شراء المستلزم الناقص، رغم أنه كان معتادًا طلب أي مستلزم ناقص من المرضى.


وقائع مثيرة

في السياق ذاته، ذكر بعض المرضى عددًا من الوقائع المثيرة حدثت لهم نتيجة نقص المستلزمات، وذكر محمد عبد السميع، أنه شعر بضيق شديد في التنفس وكحة مستمرة وعندما ذهب لأحد المستشفيات الحكومية ببنها بالقليوبية، شخص الأطباء حالته بوجود "سلة سمك" محشورة في الزور وقبل الحنجرة ويحتاج لجراحة عاجلة، ولكن المشكلة كانت في عدم وجود بنج تخدير بالمستشفى لكونه «خلص»، وقال إنه طلب منه شراء البنج من الخارج وبالفعل وجده في الصيدلية التى وجهه إليها الدكتور، حيث تعتبر الوحيد المتوفر بها البنج المطلوب، ولكن المشكلة أن البنج انتهى مفعولة قبل انتهاء العملية ورفض الطبيب شراء بنج آخر، وتم تكملة العملية بدون بنج.


وقال محمد سعيد، إنه يحتاج إلى تركيب مسامير بالذراع، وطلب مستشفى جامعى شراء تلك المسامير من الخارج وتحديدًا من شركة معينة بوسط البلد، وكان الطبيب المعالج وسيطا، مشيرا إلى أنه اشترى المستلزمات الطبية للعملية من الخارج حتى السرنجة والقطن وجواند الأطباء بالعلمية.


نقص الأجهزة الطبية

يعاني المرضى يوميًا من أزمة تعطل الأجهزة الطبية من أجهزة الأشعة والمعامل وغيره، وكثير من المرضى يجرون أشعة وتحاليل بالخارج، ما يكلفهم الكثير من الأموال، وهناك العديد من الوقائع، منها رفض مستشفى كبير فى الجيزة إجراء أشعة رنين للمرضى؛ بحجة أن الجهاز «عطلان»، ومطالبتهم بالعمل بالخارج.


والمفاجأة التى كشفتها «النبأ» أن جهاز الرنين تم شراؤه للمستشفى بـ«2» مليون جنيه، ومازال جديدا، ولكن إدارة المستشفى تخشى من تشغيله؛ خوفا من تعطله؛ لعدم وجود صيانة له نظرا لنقص الإمكانات، ولكن هذا الجهاز يفتح فقط لأصحاب الواسطة، وعند مجاملة بعض المرضى.


واقعة أخرى تتعلق بتعطل جهاز الليزر بالصبغة فى أحد مراكز الليزر الشهيرة بـ«طب القاهرة»، والجهاز مسئول عن علاج الحالات الجلدية الخطرة، ولكن بقيّ معطلًا لفترة طويلة نظرا لارتفاع تكلفة إصلاحه. 


المثيرة أن إدارة المركز أجرت تحاليل للمرضى باستخدام جهاز آخر ليس له علاقة بعلاج بعض الحالات، وتكلفة الجلسة تصل إلى نحو 350 جنيهًا، في حين أن تكلفة الجلسة على الجهاز المعطل تصل لنحو 150 جنيها فقط.


ولم تتوقف الكوارث فى مستشفيات الحكومة، حيث فقد طفلان بصرهما فى مستشفى بمدينة الزقازيق بسبب زيادة نسبة الأكسجين بالحضانة. 


وتقدم والدهما بمحضر ضد المستشفى يتهمه بالتسبب فى حدوث عاهة مستديمة لـ«طفليه التوءم»، وفقدهما الإبصار نهائيًا، وتبين من تقرير الطب الشرعى أن الطفلين أصيبا باعتلال بالشبكية أفقدهما تماما القدرة على الإبصار بسبب زيادة نسبة الأكسجين بالحضانة، وتم تحرير محضر بالواقعة، وأصدر القضاء حكمه بتغريم المستشفى مبلغا ماليا.


كما شهد مستشفى جامعى فى بنها واقعة مثيرة عند قيام جهاز الأشعة بابتلاع إحدى المريضات، المشكلة أن الجهاز استمر أكثر من 6 أشهر تحت الصيانة.


وفي هذا السياق، يقول محمد بدر، عضو مركز «الحق في الدواء»، إنّ أزمة نقص المستلزمات الطبية تخطت كل الحدود لأننا لو نظرنا إلى المريض الذي يُعالج في المستشفيات الحكومية لوجدناه يشتري جميع المستلزمات من خارج المستشفى، وهذا يدل على أن هذه المستشفيات لا تعاني من نقص الأجهزة أو الأطباء فقط ولكن تعاني من جميع المستلزمات التي يحتاجها المريض لذلك لا بد وأن يكون هناك وقفة من وزارة الصحة والحكومة والمسؤولين؛ لأنه توجد نسبة كبيرة من المرضى الذين يعالجون في تلك المستشفيات لا يملكون ثمن السرنجة.


وطالب «بدر»، أن تتدخل الأجهزة الرقابية للكشف عن مافيا البيزنس المتعلق بنقص المستلزمات الطبية في المستشفيات ومن يقف وراءه، في وصول هذا البيزنس إلى ما يقرب من 5 مليارات سنويًا.


وكشف أن ما بين 20 إلى 30 مليار جنيه سنويا، هو حجم ما يتم تداوله فعليا فى السوق المصرية من المستلزمات الطبية، فيما تصل استثماراته فى مجال التصنيع لحوالي 10 مليارات جنيه، وتنتج مصر أكثر من 60% من المستهلكات الطبية المتداولة داخلها، نافيا وجود أى أزمة بالمستلزمات، في ظل استقرار سوقها.

 

وبدورها، طالبت نقابة الأطباء أعضاءها بالالتزام بعدة أمور هامة، لتقديم الخدمة بكل السبل للمرضى مع عدم تعرض الطبيب للمسائلة القانونية، والتى كان من بينها: "الالتزام فقط بكتابة الأدوية الموجودة بالمستشفى، والالتزام فقط بطلب الفحوصات الموجودة بالمستشفى، وعدم طلب أى مستلزمات طبية من المريض غير المتاحة له، وفي حال عدم توافر أي أدوية أو تحاليل أو أشعات أو مستلزمات طبية ضرورية لإتمام علاج المريض، يتم إثبات ذلك في ملف المريض وتوجيه المريض، أو مرافقيه بمذكرة مكتوبة من الطبيب لمدير المستشفى أو من ينوب عنه لاتخاذ ما يراه مناسبا لتوفير المطلوب لخدمة المريض.


وشددت نقابة الأطباء، على أنه في الحالات الطارئة التى تحتاج إلى أى أدوية وتحاليل ومستلزمات طبية غير متوفرة بالمستشفى، وضرورية لإنقاذ حالة المريض، يتم إثبات ذلك في ملف وتذكرة المريض وتتم كتابة مذكرة سريعة بذلك للمدير المناوب، وفى حالة عدم وجود أجهزة لازمة لإتمام علاج المريض أو تعطلها، يتم إثبات ذلك بملف المريض وإحالته إلى مستشفى آخر يتوافر به هذه الأجهزة بمعرفة خطاب تحويل معتمد من إدارة المستشفى. 


وطالبت كل رئيس قسم بالمستشفى بعمل بيان شهري موجه للإدارة بنواقص الأدوية والتحاليل والمستلزمات الطبية والأجهزة، وتسليمه رسميًا لإدارة المستشفى، وذلك كله حماية لهم من المسؤولية القانونية عند التعامل مع المرضى.