رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

عش مدينا تمت مستورا !!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

تحت عنوان «عش مدينا تمت مستورا»، كتب الكاتب والمحلل الاقتصادى المرموق هانى توفيق، على صفحته بالفيسبوك يوم الاثنين «28 اكتوبر» الماضى ما يلى:
«عندما تبلغ نسبة مديونية أى شخص أو دولة ٦٥٪؜ من الدخل السنوى، فنحن هنا دخلنا مرحلة الخطر. هذه النسبة تدور حول الـ ١٠٠٪؜ من الناتج المحلى الاجمالى فى مصر، والأخطر منها أن ديون العالم اصبحت ٢٥٠ تريليون دولار، بينما قيمة الناتج العالمى السنوى ٨٠ تريليون دولار فقط، أى وصلت نسبة الديون للدخل لأكثر من ٣٠٠٪؜ !!
الصورة قاتمة عالميا، ولنبدأ الاستعداد لوقت تفلس فيه الدول والمؤسسات العملاقة، أو تعيد جدولة سداد مديونياتها، وأولها إفلاس توماس كوك، ومرورا بڤينزويلا والارچنتين، وأتوقع لبنان قريبا. والخلاصة ان هذا التعثر سوف، يعقبه شطب ديون وإعادة جدولة لصالح المدينين، وسينعكس قطعا على جميع المستويات، حتى تصل للأفراد، فخذ حذرك عند الدخول فى أى علاقة تجارية فيها مديونية مؤجلة، وإن كان ولابد، فكن مدينا وليس دائنا»!!
انتهى كلام هانى توفيق وميزته انه يحاول تبسيط الامور حتى يستطيع أى مواطن ان يفهم الموضوع، وقد اخترت كلام هانى توفيق الساخر لاستكمل الحديث، عما يمكن ان يصيب الاقتصاد المصرى من اثار، جراء ازمة الديون العالمية، بعد ان كتبت مقالين يومى الجمعة والسبت الماضيين، تحت عنوان: «هل تعلم انك مدين بـ 32 الف دولار؟!!» و«المرشحون للافلاس».
تقول الارقام ان الدين الخارجى لمصر وصل إلى 108.7 مليار دولار بنهاية يونيو الماضى مقارنة بنحو 106.2 مليار نهاية مارس 2019 بقيمة زيادة بلغت 2.5 مليار دولار، وفقا لتقرير البنك المركزى. وإجمالى الدين العام المحلى، وصل إلى 4.205 تريليون جنيه بنهاية مارس الماضى مقابل 4.108 تريليون جنيه فى نهاية 2018. علما بان هذه الرقم لا يشمل ديون الهيئات الاقتصادية والبنوك.
وقدرت موازنة العام المالى الحالى، فوائد الدين نحو 569.6 مليار جنيه خلال العام المالى 2019/2020، مقارنة بنحو 532.2 مليار جنيه خلال موازنة العام المالى الماضى، بزيادة قيمتها 7.02%. واذا اضفنا أقساط الديون إلى الفوائد فى الموازنة الجديدة ٢٠١٩/٢٠٢٠، فانها تصل إلى 971 مليار جنيه، مقابل 817 مليار جنيه خلال موازنة العام المالى الماضى، بنسبة نمو 6.7%. وهذا يعنى ببساطة ان اكثر من 60% من موازنة مصر مخصص فقط لسداد فوائد واقساط الدين. والسبب ان انتاجنا اقل كثيرا من استهلاكنا، وصادارتنا اقل من وارادتنا، وبعض اولوياتنا مختلة، وبالتالى نتوسع فى الاستدانة الداخلية والخارجية.
والأخطر هو الديون الخارجية، خصوصا حينما تكون اسعار الفائدة منخفضة، وبالتالى مغرية جدا لنقوم بالاقتراض، والعالم قد يكون متسامحا معنا، ويقدم لنا القروض الكثيرة، وعند لحظة معينة، واذا انفلت العيار قد نجد انفسنا فى مصيدة كبرى او وضع شديد الخطورة.
كى نفهم معنى وضع شديد الخطورة، اتمنى من كل مسئول فى الدولة المصرية ان يقرأ بعناية وهدوء ما حدث لنا بعد حفر قناة السويس عام 1869.
وقتها الديون تراكمت على مصر فى عهد الخديوى اسماعيل، سواء للتوسع فى المشروعات الكبرى او الانفاق البذخى. الدائنون الاجانب ضغطوا علينا، فأسس الخديوى صندوق الدين.
فى 2 مايو 1876، للاشراف على سداد ديون الحكومة المصرية للحكومات الأوروبية، وكان الصندوق فى البداية يترأسه أمين وثلاثة مفوضون يمثلون حكومات النمسا والمجر، فرنسا وإيطاليا. مهمة الصندوق هى تلقى معظم ايرادات مصر لتسديد الديون. لكن ذلك لم يعجب انجلترا التى اصرت على فرض رقابة ثنائية مع فرنسا على المالية المصرية، وفى 18 نوفمبر سنة 1876 اصدر الخديوى مرسوما يوافق فيه على الرقابة الثنائية الانجليزية الفرنسية على الاقتصاد المصرى، وتبين لاحقا ان تلك كانت خطوة حاسمة قبل التدخل العسكرى والاحتلال الانجليزى المباشر فى صيف 1882.
هذه الصندوق ألغى باتفاقية ثنائية بين مصر وبريطانيا، فى 17 يوليو 1940، بسبب اهتمام الحلفاء بتحسين علاقاتهم بالقاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية.
نترك الماضى ونعود للحاضر والمستقبل، واذا كانت نصيحة هانى توفيق الساخرة تصلح مع الافراد باعتبار ان معظم الديون مشكوك فى تحصيلها، فإنها قد لا تصلح للدول، بل قد تكون مصيدة للوقوع فيها، بما يكلفنا والاجيال القادمة ما لا نطيق.

نقلا عن "الشروق"