رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

تطوير ميدان التحرير ومصر الجديدة: أين رأي الناس؟

محمد أبوالغار
محمد أبوالغار


أين رأى الناس؟

صرح وزير المالية بمناسبة التقدم بباقة من القوانين الضرائبية إلى مجلس النواب بأن الحوار المجتمعى أمر مهم ولن يتم الموافقة على قوانين جديدة قبل إجراء الحوار مع الشعب وأخذ رأيه، وهذا أمر جيد أرجو أن يكون حقيقة يتم تطبيقها وليس فقط «طق حنك». أقول هذا لأننى أرى أمامى مشروعين كبيرين أحدهما إعادة تخطيط ميدان التحرير، والآخر تغييرات واسعة فى حى مصر الجديدة، ويجرى العمل فيهما كما نرى على قدم وساق بدون أخذ رأى مخلوق واحد.

أولًا: لا أحد يعلم شيئًا عن هذين المشروعين، وما هو تصميم ميدان التحرير النهائى، وهل هذا التصميم سوف يحبه المصريون، الأصحاب الأصليون للميدان. لم يؤخذ رأى أحد، لم يحدث حوار على شكل المشروع فى الصحف، لم تدر حلقة حوار حول تطوير الميدان، لم نعرف ما اسم المكتب الهندسى المتميز الذى صمم التطوير. لم تقم مسابقة فنية يتقدم فيها الجميع بمشروعاتهم، ولم يتم اختيار لجنة على مستوى عال لانتقاء أفضل المشروعات.

ثانيًا: كيف يتم هذا التطوير فى أهم ميدان فى الشرق الأوسط فى غيبة عن الناس الذين يمرون فيه يوميًا والذى يعتبر الملايين أنه رمز مهم؟ كيف يتم ذلك بدون سماع رأى المعماريين المصريين الذين يساهمون فى تخطيط العواصم والميادين العربية ولا يتم أخذ رأيهم فى ذلك فى مصر؟

ثالثًا: قرأنا أن مسلة مصرية سوف تقام فى ميدان التحرير، وهى فكرة جيدة، ولكن ما هذه المسلة؟ وما شكلها ووضعها وحجمها؟ وأين هى الآن؟ هل سيتم نقل المسلة التى وضعت أمام القصر الجمهورى الجديد فى العلمين إلى ميدان التحرير؟ أم أن هناك مسلة أخرى؟

.. أعتقد أن من واجب وزارة الآثار أن تقدم للشعب صاحب المسلة وصاحب الميدان معلومات عن المسلة وتاريخها وطريقة ترميمها قبل النقل، وطريقة نقلها. شاهدنا أفلامًا ووثائق وصورًا عن نقل المسلات المصرية العظيمة إلى أوروبا وأمريكا وكيف تم الاحتفاء بها منذ أكثر من قرن، ونحن لا نعلم شيئًا عن المسلة التى سوف تنقل للتحرير.

رابعًا: حى مصر الجديدة هو حى كان جميلًا ورائعًا بنى بتخطيط بلجيكى بشركة البارون إمبان وحافظ على شكله وشوارعه ومبانيه لعشرات السنوات، حتى بدأت المهزلة الحضارية التى أصابت مصر العقود الأخيرة، فبدأ تدمير الحى بواسطة بعض المقاولين وبمساعدة أجهزة الحكم المحلى المشكوك فى ذمتها.

خامسًا: الأمر الآن لم يصبح بسبب المقاولين، وإنما الحكومة المصرية هى التى تقوم بتغييرات هائلة فى الشوارع والمترو وهدمت المبانى ونزعت الأشجار، وتم الاعتداء على كل ما هو أخضر دون خطة واضحة ورسومات دقيقة تبين الوجه الجديد لمصر الجديدة. وبعد إلغاء المترو ترك الأمر سداح مداح للميكروباصات، واضطر راكبو المترو إلى ركوب سياراتهم فازدحمت الطرق.

سادسًا: هناك مدن جديدة تم بناؤها، والبعض مازال يجرى بناؤه فى القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية. وبالرغم من المجهود المبذول فى بناء الكمباوندز فى أكتوبر وزايد والقاهرة الجديدة وغيرها فإن هذه المجتمعات المحاطة بالأسوار بالرغم من فخامة القصور والفيلات فيها وكميات الجرانيت والرخام والسيراميك، إلا أن عمارة واحدة فى القاهرة الخديوية أجمل وأرقى وأوفر وأسهل فى الصيانة من فيلا حديثة ضخمة. لا بد من عمل دراسة دقيقة لمستقبل المدن الجديدة والكمباوندز الضخمة مع تطور الحياة والاقتصاد فى مصر فى العقود القادمة ومدى إمكانية الحفاظ على مظهرها، وتكلفة صيانتها المستقبلية. هذه المدن تشبه إلى حد كبير المبانى والأحياء فى بعض دول الخليج، مصر مختلفة تاريخياً وجغرافياً، وبها آثار وفنون معمارية متراكمة عبر خبرات مئات السنوات، ولا بد أن نحتفظ بطابع مصر ونطوره. انظروا إلى مبنى الجامعة الأمريكية فى ميدان التحرير والذى كان مقرًا مؤقتًا لجامعة القاهرة بعد إنشائها. انظروا إلى التصميم الخارجى والداخلى والحدائق الداخلية وتصميم القاعات لتعرفوا كيف تدهور بنا الحال بعد أكثر من مائة عام.

سابعًا: سكان مصر الجديدة غاضبون وعندهم حزن شديد على ما حدث لحيهم الجميل. تساءلوا كثيرًا ولا من مجيب! انظروا إلى الفارق بين مصر الجديدة ومدينة نصر لتعرفوا الفرق بين التخطيط الجمالى الفنى المدروس بذوق وبحس حضارى وبين خرسانات مدينة نصر القبيحة التى بنيت فى عصر مختلف وبفكر مختلف وبذوق مختلف، وأصبحت بعد جيل واحد متهالكة. الجمال ليس فى الضخامة وليس فى صرف أموال طائلة بأشياء مكلفة ولكنها قبيحة ولن تعيش وسوف تندثر وتصير أطلالًا لصعوبة الحفاظ عليها.

ثامنًا: الحكومة المصرية عليها الآن وفورًا أن تعلن التصميم النهائى لميدان التحرير ومصر الجديدة وتشرك الشعب أصحاب المصلحة والذين يستخدمون هذه الأماكن ويعيشون فيها وتشرك كبار المعماريين المصريين فى الرأى حتى يمكن إعادة تخطيط ما يرونه خطأً أو ضد الذوق العام أو يعوق المرور والحركة. على أن تعلن التكلفة كاملة لهذه المشروعات حتى يعرف الشعب هل كان صرف هذه الاموال فى مكانه.

تاسعًا: وأخيرًا أرجو أن نقوم بعمل دراسات جدوى مستفيضة وحوار مجتمعى واسع قبل عمل أى مشروع يخص حياة الناس حتى يحدث نوع من الرضا والارتياح. الراحة النفسية أمر مهم يخرج المصريين من حالة القلق ويساعد على الاستقرار ويرفع القدرة على العمل والإنجاز ويحسن الاقتصاد. لا أعرف من المسؤول عن هذا التطوير، هل هو محافظة القاهرة ومحافظها، أم وزارة الإسكان، أم مجلس الوزراء أم جهة أخرى، حتى نتقدم إليها طالبين الحوار لمصلحة الوطن وتقدمه.

قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك

نقلا عن "المصري اليوم"