رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

هل يتحول شمال سوريا إلى «لواء إسكندرون» جديد بعد فرض تركيا المنطقة الآمنة بالقوة؟

الرئيس التركي رجب
الرئيس التركي رجب طيب أردوغن


أثبتت التطورات الأخيرة في شمال سوريا، وخصوصا تلك التي تبعت الاتفاق التركي-الأمريكي بشأن وقف إطلاق النار مع القوات الكردية والاتفاق الثاني بين تركيا وروسيا بشأن المنطقة الآمنة، أن تركيا ماضية قدما، بغض النظر عن أي معوقات، في تحقيق أهدافها المعلنة والخفية في شمال سوريا، البلد العربي التي تمزقه الحرب منذ سنوات.


وأطلقت تركيا عملية عسكرية واسعة تحت اسم "نبع السلام" في 9 أكتوبر ضد القوات الكردية في شمال سوريا، وبعد 8 أيام، توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع أنقرة في 17 أكتوبر لفرض وقف إطلاق النار لمدة خمسة أيام للسماح للقوات الكردية بالانسحاب من "منطقة آمنة" مخطط لها، تريد تركيا إنشاءها في شمال سوريا.
   

وفي وقت لاحق، اتفقت تركيا وروسيا على إعطاء مقاتلي وحدات حماية الشعب 150 ساعة أخرى للانسحاب حتى مسافة 30 كم جنوبي الحدود السورية- التركية والسماح لقوات تركية وروسية بدوريات مشتركة في تلك المنطقة.
   

وتعد العملية التي شنتها تركيا في الجانب السوري من الحدود ليست سوى أحدث موجة من توترات مستمرة منذ عقود، وتنخرط تركيا في صراع طويل الأمد مع الأكراد في الجانب التركي من الحدود، لكن بعد قتال قوات حماية الشعب المدعومة من الولايات المتحدة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، توسع مجال نفوذ المجموعات المسلحة الكردية في شمال سوريا، وباتت تركيا تعتبر الحدود الجنوبية بمثابة تهديد وجودي.


وتنظر تركيا بالأساس إلى وحدات حماية الشعب، المكون الرئيسي من قوات سوريا الديمقراطية، كفرع سوري لحزب العمال الكردستاني المحظور، وتصنفه كجماعة إرهابية وتحاربه منذ عقود.
   

وفي ضوء ما أعلنته تركيا كانت "نبع السلام" تهدف إلى تحقيق أمرين: أولا طرد الميليشيات الكردية، قوات حماية الشعب إلى مسافة 30 كم على الأقل على طول الحدود.
   

ثانيا: إقامة منطقة آمنة لإعادة توطين جزء من اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا وعددهم ما يقرب من 3.6 مليون.


وترى أنقرة أن هذه المنطقة من الممكن أن تتوسع في حال نالت موافقة الأوروبيين الذين يستضيفون أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين، وهي خطوة يحذر مراقبون من أنها قد تغير بشكل كبير التوازن الديموغرافي العربي الكردي في شمال سوريا.


ورغم إقرارها بشواغل تركيا، رفضت جميع الدول الغربية العملية العسكرية التركية حتى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي وقع اتفاق المنطقة الآمنة مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، ذكر ذات مرة أن اتفاق "أضنة" من الممكن أن يضمن أمن تركيا. 


وينص الاتفاق الذي وقع في عام 1998 بوساطة مصرية وإيرانية على تعاون سوريا التام مع تركيا في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهاء دمشق كافة أشكال دعمها لحزب العمال الكردستاني، وضمن الاتفاق، أيضا، حق تركيا في ملاحقة الارهابيين في الداخل السوري حتى عمق 5 كم.


وفي الولايات المتحدة، وافق مجلس النواب بأغلبية ساحقة على مشروع قانون يهدف إلى فرض عقوبات على تركيا، ويسعى مشروع القانون أيضا إلى إجبار إدارة ترامب على فرض عقوبات تم إقرارها سابقا بسبب شراء تركيا لنظام الدفاع الصاروخي الروسي أس 400، والموقف في المانيا وفرنسا لم يختلف. 


وإضافة إلى التصريحات التركية المنددة بما وصفته "ردود الفعل المفرطة" من الدولتين، رفض وزير الخارجية التركي مولود قاووش أوغلو، اقتراحا اعتبره "غير واقعي" من قبل وزير الدفاع الألماني بإقامة منطقة آمنة خاضعة للسيطرة الدولية في شمال سوريا تحت مظلة الأمم المتحدة لحماية المدنيين الفارين وتخفيف حدة الوضع الإنساني.


وبينما يستمر الرفض الدولي للحملة التركية، انتهك اتفاق وقف النار عدة مرات واندلعت اشتباكات متكررة بين القوات التركية وداعيها والقوات السورية التي سمحت لها الأكراد بدخول المناطق الواقعة تحت سيطرتهم في شمال سوريا.


وتبين الإجراءات التركية أن أنقرة مصرة على تحقيق أهداف لا تقف عند البعد الأمني، وفي الواقع، تهدف أنقرة إلى توطين أكبر عدد من السكان العرب وتوفير مأوى جديد للجماعات المسلحة الموالية لها بعد خروجها من إدلب، في خطوة ينظر إليها كمحاولة من جانبها لتغيير الطبيعة الديموغرافية للمنطقة من جانب أنقرة.


ولا شك أن التحرك لتحقيق ذلك بإجراءات على الأرض من الممكن أن يضخ الأكسجين في شرايبن الاقتصاد التركي الذي يعاني من صعوبات وتحديات مختلفة.


وذلك من خلال فتح المجال أمام الشركات التركية لإقامة القرى، التي ستستضيف اللاجئين المحتملين بتمويل أوروبي.
  

وحذر مسئولون أمريكيون، مؤخرا، من أن استئناف تركيا للقتال أو تنفيذ هجوم أكبر يخاطر بصراع مفتوح، لن يحقق الأمن للأتراك أو السوريين.


والمقلق أن ينهار اتفاق وقف إطلاق النار تماما ويحدث الأسوأ، فأكثر ما يخشى الآن هو أن تركيا تستخدم توغلها العسكري في المنطقة الآمنة كغطاء لهجوم أكبر ضد السكان الأكراد، مما يخاطر بارتكاب جرائم حرب واسعة النطاق.


وليس هذا مصدر القلق الوحيد، فقد تحدث أزمة إنسانية، إلى جانب تجدد القتال، يمكن أن تسرع عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي يزدهر في الفوضى. 


ويوجد ما يقدر بأكثر من ١٢ ألفا من مقاتلي داعش قيد الاحتجاز في سجون الأكراد في شمال سوريا، هرب منهم العشرات بعد بدء عملية "نبع السلام" التركية، وفقا لتقارير إعلامية.


ولكن السيناريو الأسوأ هو أن لا تخرج تركيا من تلك المنطقة الآمنة فيما بعد، وتصبح "لواء اسكندورن" جديدا، على غرار الظهير التركي داخل الأراضي السورية، الذي استولت عليه تركيا من سوريا عام 1993.


وهذا السيناريو أو غيره يعتقد المراقبون أن تحقيقه من عدمه على مدى قدرة اللاعبين الدوليين والإقليمين على إخراج تركيا من شمال سوريا، وربما تحمل الأيام أو الأشهر القادمة الإجابة.