رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أتون القدر «8»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب




بدأ القلق الشديد ينتاب الملك وسلطات الاحتلال البريطاني خشية رسوخ الديمقراطية النيابية والثقافة الليبرالية في مصر مما يهدم مصالح الملك الراغبة في عودة الحكم المطلق، ومصالح سلطات الاحتلال البريطاني الراغبة في استمرار نفوذها بمصر فتأمر الملك والبريطانيون على وزارة الشعب التي لم تستمر في الحكم سوى أقل من عام واحد، وبدأت مصر تعرف أساليب الانتخابات النيابية المزورة وحكومات أقلية لا تمثل الشعب لإبعاد حزب الوفد عن الحكم مع الاحتفاظ بهيكلة الحكم البرلماني بعد إفراغه من مضمونه.


موضوع الخلافة الإسلامية وبذور الإسلام السياسي:


في نفس هذه الفترة أي عقب نهاية الحرب العالمية الأولى التي هزمت فيها ألمانيا وحليفها السلطان العثماني كانت من النتائج المباشرة لهذه الهزيمة تقطيع أوصال ما بقي من الإمبراطورية العثمانية وسلخ الأقاليم العربية والكردية وغيرها منها وتقسيمها بين الدولتين المنتصرتين بريطانيا وفرنسا، ووضع المنتصران خطة كسلخ بعض أقاليم الدولة التركية الأم في هضبة الأناضول عنها، وقام الجيش اليوناني حليف المنتصرين الصغير بالهجوم عنها، وقام الجيش اليوناني حليف المنتصرين الصغير بالهجوم على أرض تركيا لانتزاع بعض أقاليمها وضمها لليونان.


ولكن الجيش التركي بقيادة الجنرال الشهير مصطفى كمال أتاتورك (وتعني كلمة أتاتورك أبو الأتراك) هب في ثورة عارمة ضد الخليفة العثماني الأخير وعزله عن عرشه بعد أن هزم الجيش اليوناني واحتفظ بأرض تركيا الأم موحدة.


وقام أتاتورك بعدها بإلغاء منصب الخلافة وإعلان تركيا جمهورية حديثة سنة 1924 واستبدل حروف اللغة العربية التي كانت تكتب بها اللغة التركية بالحروف اللاتينية في محاولة لقطع الصلة بين تركيا الحديثة تمامًا بماضيها العثماني، ولكن بقي الشعب التركي مسلمًا يقرأ القرآن باللغة التركية فقد كان ومازال أكثر من تسعين في المائة من الأتراك مسلمين.


كان لإلغاء منصب الخلافة وقع الصاعقة على الملايين العديدة من السذج وأنصاف المتعلمين الذين كانوا يظنون خطأ أن الخلافة ركن من أركان الإسلام وليس مجرد أسلوب حكم ابتدعه المسلمون بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يدم سوى أقل من ثلاثون عامًا منذ لافة أبي بكر الصديق حتى مصرع الإمام علي بن أبي طالب، وتحول الحكم الإسلامي إلى ملكية استبدادية خلال الدولة الأموية ثم استبدادية ترفع راية الدين خلال الدولة العباسية ثم استبدادية انتزع فيها السلطان العثماني سليم الأول بعد غزو مصر سنة 1517 لقب الخلافة من آخر الخلفاء العباسيين الصوريين الذين كانوا سلاطين المماليك حكموا مصر وقتها يضعونهم على عرش الخلافة الصوري لإضفاء هيبة على ملكهم المغتصب، وظلت الخلافة أربعة قرون في سلاطين العثمانيون حتى أسقطها أتاتورك سنة 1924 كما ذكرنا أعلاه.


التف المنافقون والباحثون عن دور حول الملك فؤاد وراحوا يزينون له فكرة أنه وقد سقطت خلافة العثمانين فإن أولى الناس بالخلافة هو فؤاد ملك أكبر دولة عربية واهتز فؤاد طربًا بالفكرة ورأى في تنفيذها فرصة العمر لعودة الملكية المطلقة على بساط مقدس ورحب الاحتلال البريطاني بالفكرة ورأى في تحقيقها الوسيلة الفعالة لضرب الديمقراطية الناشئة بدستور سنة 1923.


والليبرالية الوليدة في مقتل قبل أن ترسخ جذورها في أرض مصر، ولكن أباء التنوير وعمالقة الحداثة الذين قامت على يديهم النهضة الفكرية الحديثة والتي أفرخت ثورة سنة 1919 المجيدة هبوا دفاعًا عن الديمقراطية الوليدة وأفكارها الليبرالية.


ونشر أحد أعلام التنوير وهو الشيخ علي عبد الرازق خريج الأزهر كتابه الشهير الذي هز مصر من أقصاها إلى أقصاها وهو كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، أوضح علي عبد الرازق بالدليل القاطع والبرهان الشرعي الساطع أن الخلافة ليست ركنًا من أركان الدين إطلاقًا بل أسلوب ابتكره المسلمون لتيسير أمور حياتهم وأن الدين الحنيف هو رباط بين العبد وربه وليس نظام حكم على الإطلاق.


ثار فؤاد ثورة جامحة ضد علي عبد الرازق وأحال الأزهر بضغط من الملك علي عبد الرازق خريج الأزهر وحامل شهادته العالمية إلى التحقيق والمحاكم التأديبيبة وتم سحب شهادة العالمية من علي عبد الرازق.

 

لم يكتفي الاستعمار بذلك بل لجأ إلى وسيلة شيطانية أخرى لإلهاب مشاعر العامة وأنصاف المتعلمين ليهبوا دفاعًا عن الخلافة وعن الدين كما زعموا.


قامت شركة قناة السويس بموجب عقد امتياز ينتهي سنة 1967 قامت الشركة ٠- وكانت دولة داخل الدولة في مصر ليس لأحد سلطان عليها - قامت بتشجيع شاب متدين في الثانية والعشرين من عمره، وكان يتميز بقدرة خارقة على التأثير في سامعيه عندما يخطب - وأن من البيان لسحرًا شجعته الشركة الفرنسية على الدعاية لفكرة الخلافة ودفعت له خمسمائة جنيه، وكانت مبلغًا ضخمًا وقتها مكنه من إقامة مبنى ليكون مقر له ولدعوته الجديدة وكان اسم هذا الشاب هو حسن البنا وكان يعمل مدرسًا في مدينة الإسماعيلية.


وأنشأ حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين بالإسماعيلية سنة 1928 وانتشرت دعوتها التبشيرية بسرعة في طول مصر وعرضها خاصة الريف بين السذج وأنصاف المتعلمين، وكان شعارها سيفان متقاطعان يتوسطهما كلمة «وأعدوا» اختصار للآية الكريمة «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل»، كان واضحًا منذ البداية أن دعوة الإخوان ستستند إلى السيف وأن هدفها هو القضاء على حزب الوفد وفكرة الليبرالية عندما يحين الوقت لذلك.


وكان موقف الإخوان المسلمين سياسيًا دائمًا هو الوقوف في المعسكر المعادي للشعب ضد طغيان الملك فؤاد، فمثلًا عندما أسقط صدقي دستور سنة 1923 وفرض دستوره الكسيح سنة 1930 هب الوفد دفاعًا عن دستوره الديمقراطي وحقوق الشعب وخرجت المظاهرات العارمة في كل أنحاء مصر تهتف «العشب مع النحاس» (زعيم الوفد بعد وفاة سعد) فسير الإخوان المسلمون مظاهرات معادية تهتف «والله مع الملك» وعندما حاول صدقي سنة 1947 كما سيأتي فرض معاهدة تربط مصر ببريطانيا إلى الآبد قامت ثورة عاتيه في مصر تصدرها الطلبة والعمال وأسقطت مشروع معاهدة صدقي.


وأما الشيخ حسن البنا فناصر إسماعيل صدقي علنًا وخطب في الراديو الحكومي خطابًا سجله التاريخ جاء به «واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان الصادق الوعد وكان رسولًا نبيًا» وتكررت مواقف الإخوان المسلمين التي كان حربًا على الحركة الشعبية كما سيأتي.