رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

كيف ترى الصين النفوذ الروسي المتعاظم في الشرق الأوسط؟

الرئيس الصيني مع
الرئيس الصيني مع نظيره الروسي - أرشيفية


اختتم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، جولته، مؤخرا، إلى الشرق الأوسط والتي زار خلالها السعودية والإمارات، واعتبرها خبراء دليلا على تعاظم النفوذ التركي في المنطقة وسط سياسة انكماشية ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.


وعندما انتهى سريان اتفاق وقف إطلاق النار التركي مع القوات الكردية برعاية أمريكية، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة مفاجئة لروسيا في 22 أكتوبر توصل خلالها إلى اتفاق منفصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.


ونصت الاتفاقية في أحد بنودها على قيام قوات الجيش والشرطة التركية والروسية بتسيير دوريات مشتركة على الحدود الشمالية لسوريا، كما وافقت تركيا على احترام وحدة الأراضي السورية، واعتبر الاتفاق على نطاق واسع بأنه يلبي احتياجات جميع الأطراف.


وكان ترامب أمر بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، في خطوة قوبلت بانتقادات من كافة الأطراف حتى من الداخل الأمريكي، حيث اعتبر الكثيرون من الحزبين الديمقراطي والجمهورية القرار بمثابة تخلي عن حليف وثيق على الأرض السورية، ألا وهم أكراد سوريا.


ورغم التوافق التام بين الخبراء هنا في الصين على أن نفوذ روسيا في تصاعد مع تراجع الولايات المتحدة فيما يتعلق بشئون الشرق الأوسط، إلا أن وجود روسيا وتأثيرها في الشرق الأوسط لهما طبيعة محدودة وإقليمية وتكتيكية، وفقا لهؤلاء الخبراء، حيث إن الفجوة بين روسيا والولايات المتحدة لا تزال كبيرة.


من هؤلاء الخبراء نيو شين تشون، الباحث البارز في معاهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، والذي يرى أن روسيا تبدو بعيدة كل البعد عن استبدال الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولكن لديها نهج لتنفيذ استراتيجيتها الإقليمية.


وأوضح أن هناك عدة عوامل فتحت لروسيا المجال لتعزيز نفوذها في المنطقة، منها: 

أولاً، وفرت الحرب الأهلية السورية لروسيا موطئ قدم للعودة إلى الشرق الأوسط، فخلال الحرب الباردة، قسمت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي الشرق الأوسط، وكان التأثير الإقليمي للأخير متفوقًا.


وبعد الحرب الباردة، انسحبت روسيا تدريجياً من الشرق الأوسط، وفي عام 2015، أصبحت روسيا أكبر لاعب في سوريا بعد إرسال قوات إلى هناك ساعدت في تأمين حكومة الرئيس السوري بشار الأسد.


وبعد أن اصبحت سوريا نقطة ارتكاز لها، قامت روسيا بمناورة في علاقاتها مع إيران وتركيا وإسرائيل والعراق وغيرهم من اللاعبين الشرق أوسطيين، لتعود إلى المركز الاستراتيجي في المنطقة.


ثانياً، منح انكماش القوات الأمريكية في الشرق الأوسط انتهزت روسيا الفرصة لاستعادة النفوذ، وفي الأشهر الأخيرة، لم تنفذ الولايات المتحدة تدابير مضادة فعالة بعد أن أسقطت إيران إحدى طائراتها بدون طيار في يونيو وتعرضت المنشآت النفطية السعودية لهجوم في سبتمبر، ومن بعد الحادثين، أصبحت موثوقية الولايات المتحدة محل تساؤل لدى معظم حلفاء الولايات المتحدة.


وبدأ حلفاء الولايات المتحدة التقليديون، مثل: إسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، في البحث عن شركاء جدد عن طريق اللجوء إلى روسيا.


ثالثا، استراتيجية روسيا تتفق مع الوضع في الشرق الأوسط، حيث أقامت موسكو علاقات تعاونية مع دول المنطقة ولم تأخذ موقفا منحازا في معظم القضايا، وتهدف تدخلات موسكو رفيعة المستوى بشأن النزاعات الإقليمية إلى تعزيز محادثات السلام بدلاً من التدخل، والآن، يمكن رؤية الوفد الروسي على كل طاولة مفاوضات في الشرق الأوسط.


ويرى الخبراء الصينيون أن هدف روسيا الاستراتيجي في المنطقة يتسم بالواقعية، لذلك نجح بشكل جيد حتى الآن، وبعد القضاء على الدولة الإسلامية، منعت روسيا القوة المتطرفة من دخول أراضيها، كما حافظت على قاعدتها العسكرية الوحيدة في المنطقة بعد أن استعادت حكومة الأسد قبضتها على الأراضي.


وبعد توطيد علاقات التعاون مع دول الشرق الأوسط الرئيسية، اخترقت روسيا جزئيًا الحصار الاقتصادي الأمريكي، وعظمت مصالحها التجارية من خلال توقيع عقود بيع أسلحة مع تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر.


وبينما تقوم الولايات المتحدة بتنفيذ انكماش استراتيجي، إلا أن روسيا لديها أهداف محدودة فقط في المنطقة، وبالتالي لا توجد ما يسمى لعبة استراتيجية بين موسكو وواشنطن.


وبرأي الخبراء في الصين، ليست الولايات المتحدة بل قدرة روسيا الخاصة هي التي تقيد تدخلها في الشرق الأوسط، فمن حيث القوة الوطنية، بلغ الناتج المحلي الإجمالي لروسيا في عام 2018 نحو 1.63 تريليون دولار، ليحتل المرتبة 11 في العالم ، وبالتالي لا يمكنها من دعم استراتيجية قوة عالمية.


يضاف إلى ذلك أن ميزانية روسيا العسكرية السنوية تبلغ أقل من عُشر مثيلتها في الولايات المتحدة.


كما تتميز أسواق روسيا والشرق الأوسط بضعف التكامل، وفي عام 2017، بلغ حجم تجارة روسيا مع المنطقة بأكملها 45.5 مليار دولار فقط، منها 21.6 مليار دولار مع تركيا، ومن الواضح أن روسيا ليس لديها مصالح اقتصادية كبرى في المنطقة.


ويرى الخبراء أن عودة روسيا حقيقية، لكن الهدف مقيد والحركة حذرة، وفي الوقت الحاضر، تمر روسيا بمرحلة من القوة التراكمية في الشرق الأوسط، والتي من غير المرجح أن تعيد تشكيل الهيكل الأمني على المدى الطويل في المنطقة.