رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

ندفع الآن ثمن فساد المحليات!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين


ما شهدناه من غرق كامل لشوارع فى القاهرة الكبرى وبعض المحافظات فى الأيام الماضية، هو ثمن طبيعى للفساد الشامل الذى شهده قطاع المحليات طوال الأربعين عاما الماضية. تلك هى الخلاصة التى يجب ألا تغيب عن أذهاننا ونحن نحاول فهم ما يحدث.
قولا واحدا، نحن نحصد الآن ثمار تحالف الفساد والإهمال وانعدام الكفاءة فى قطاع المحليات طوال العقود الأربعة وربما الخمسة الماضية، ومن دون اجتثاث هذا الفيروس اللعين، فسوق نظل ندفع أثمانا باهظة فى كل مرة.
فى حقبة الثمانينيات من القرن الماضى وإلى حد كبير التسعينيات، كان الفساد الأكبر فى المحليات التى أنتجت أساسا العديد من الظواهر المدمرة أهمها عشوائية الإسكان والطرق.
كان بإمكان أى شخص أن يدفع رشوة لرئيس أو مهندس الحى أو أى صاحب قرار هناك لكى يبنى عمارته من دون ترخيص، ومن دون التزام بالأدوار القانونية، وكذلك من دون التزام بأى قواعد الأمن والسلامة والبيئة والمرافق. رأينا شوارع عرضها لا يزيد عن ثلاثة أمتار ومبانيها ترتفع عشرين وثلاثين دورا، ومن لا يصدق فشارع فيصل خصوصا الجانب الأيمن منه مثال عبقرى على ذلك!!. وهذا الأمر ليس قاصرا فقط على الجيزة والأحياء الشعبية، بل إن حى مدينة نصر سجل الجانب الأكبر من مخالفات المبانى، ولكن للأغنياء وكبار القوم. مسئولو المحليات انشغلوا بمجاملة أقاربهم أو كبار المسئولين أو الحصول على الرشاوى، ونسوا تماما اتخاذ أى احتياطات لمنع غرق الشوارع.
ومن الفساد إلى الإهمال، يقال إنه عند إنشاء محور ٢٦ يوليو، لم يتم تركيب العدد الكافى من بلاعات شبكة التصريف، لتوفير مبلغ ٣٠٠ مليون جنيه، إذا صح ذلك، فنحن ندفع وسندفع مليارات الجنيهات بسبب الخسائر الشاملة التى يتحملها المجتمع والاقتصاد القومى بسبب ذلك.
مسئولو المحليات وقتها كانوا يأخذون رشوة مائة ألف أو مليون أو أى مبلغ، يضعونها فى جيوبهم، لكن المجتمع بأكمله هو الذى يتحمل دفع الثمن الأكبر والمستمر.
هناك ثروات حرام كثيرة كونها مسئولو المحليات فى هذه الحقب السوداء.. حصلوا على شقق وشاليهات وحسابات بنكية، وأقاموا عمارات شاهقة ومخالفة بفعل فسادهم مع أصحاب العمارات.
أحد مظاهرهذا الفساد يتمثل فى الانهيارات المتتالية لعمارات لم يمر على إنشائها سنوات كثيرة. لكنها بنيت على أسس فاسدة، والنموذج الأوضح لذلك هو انهيارات العديد من المبانى بالإسكندرية.
لا أريد البكاء على الأطلال، لكن الهدف من الكلمات السابقة هو محاولة الاستفادة من دروس وأخطاء الماضى، حتى لا تتكرر ثانية.
أتمنى أن ندرس فكرة فضح وتجريس كل من تورط فى الفساد عموما، وفساد المحليات خصوصا فى العقود الماضية.
سيقول البعض ولكن هذه قضايا انتهت، وعفا عليها الزمن، ولا نملك دليلا على فساد أصحابها. والإجابة أن الأمر أبسط مما نظن. يكفى أن نقول إن عمارات شارع فيصل المخالفة والعشوائية تمت حينما كان فلان رئيسا للحى، وفلان مهندسا وعلان مسئولا عن الإزالات، وقد يكون كل هؤلاء أبرياء ولم يتلقوا رشاوى، لكنهم سمحوا بالمخالفات لأن مسئولا أكبر طلب منهم.
مرة أخرى لا نريد أن ننكأ الجراح، لكن نبعث برسالة لأى شخص يفكر فى الفساد، أنه سيتم تجريسه وملاحقته مهما طال الزمن. على الأقل ليعرف أولاده وأهله ومعارفه وأصحابه أنه كان لصا وفاسدا ومهملا وتسبب فى الكوارث التى نعانى منها الآن.
إضافة إلى ذلك نحتاج إلى التأكيد على ضرورة محاربة الفساد، وليس الفاسدين فقط. بالطبع نفرح ونهلل حينما تتمكن الأجهزة المسئولة من ضبط أى فاسد خصوصا من الكبار، لكن الأهم من ذلك هو إصدار وتفعيل التشريعات التى تمنع الفساد من جذوره، وليس فقط إعادة إنتاج الفساد بصور متعددة.
أدرك أن الأمر ليس سهلا، لأنه حصيلة تراكم سياسات طوال عقود، لدرجة تدفع البعض للقول إن غالبية المصريين فسدوا، وليس فقط مسئولو المحليات.
ورغم ذلك علينا أن نبدأ من الآن حتى لا نكرر المأساة كل فترة.

نقلا عن "الشروق"