رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

لماذا نعجز دائمًا عن مواجهة الأمطار؟!

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين


ما الذى حدث فى شوارع القاهرة الكبرى وبعض المحافظات طوال يوم وليل الثلاثاء الماضى؟
هطلت الأمطار، قد تكون غزيرة، لكنها متوقعة فى مثل هذا الوقت من العام، خصوصا أن وزارة التنمية المحلية، قالت إنها أخطرت كل المحافظات وحذرتها قبل أيام من احتمال سقوط أمطار غزيرة، إضافة إلى التحذيرات السابقة بشأن السيول.
لكن كالعادة أصيب الجميع تقريبا بالشلل والارتباك وفقدان التركيز، فكانت النتيجة هى هذه المشاهد المأساوية التى ينتمى بعضها إلى عالم الخيال أو الكوميديا السوداء!
لا أعرف مثلا كيف دخلت المياه إلى مطار القاهرة. لم أصدق ذلك حتى شاهدت على اليوتيوب فيديو من برنامج «على مسئوليتى» لأحمد موسى على قناة صدى البلد. فتيات يركبن على حقائبهن الجرارة للسير فى المطار. الركاب والموظفون يخوضون فى مياه عميقة بصالات المطار، وبعدها عرفنا أنه تم إغلاق صالة ٢ للصيانة. هل يدرك المسئولون تأثير هذه الفيديوهات على صورتنا وسمعتنا وسياحتنا التى نجاهد ليل نهار كى تنتعش وتعود كما كانت؟!.
المشاهد نفسها تكررت فى أماكن كثيرة خصوصا مدينة نصر ومصر الجديدة والقاهرة الجديدة.
شاهدت فيديو لمواطنين يسبحون فعليا فى بعض أنفاق هذه المنطقة ــ خلعوا معظم ملابسهم وسبحوا. وبعضهم كان يمسك بإطار سيارة، كى يساعده على العبور وعدم الغرق بعد أن كاد النفق يمتلئ عن آخره!
بعض الأنفاق لا تبعد أمتارا عن العديد من المنشآت الحيوية أمنيا وسياسيا. وكالعادة قام المصريون بالتنكيت وكتب أحدهم يقول: «عدد ٢ كرسى مع شمسية على نفق العروبة بـ ٧٠ جنيها»!
أما النكتة الأكثر تداولا فكانت محاكاة حوار لأبطال فيلم «الطريق إلى ايلات» وهم يتحدثون عن خطة التنفيذ: «نقطة الإنزال هتكون أول عباس العقاد، هتغطسوا وتتقابلوا عند الشباك قدام بنزينة كالتكس، هتنفذوا مهمتكم، وترجعوا عكس البوصلة فى اتجاه نقطة التجمع عند أول عباس العقاد تانى، لو ملقتونيش عند نقطة التجمع هتعوموا لغاية أول مكرم عبيد وتسلموا نفسكم لأى مركب معدية طالعة على ألف مسكن»!
فى أحد الشوارع كان هناك لودر يحمل أسرا بكاملها كى يساعدها على العبور من البحيرات التى تكونت بفعل الأمطار. وشاهدنا سيارات تكاد المياه تغطيها تماما.
هل تتذكرون ما حدث فى القاهرة الجديدة خصوصا التجمع الخامس قبل نحو العامين؟ يومها انتفض الجميع وقالوا إنها ستكون المرة الأخيرة التى يحدث فيها ذلك!
لكن الأمر تكرر وبصورة أسوأ فى العديد من المناطق المصنفة راقية وفاخرة، وأن العشوائية لا تفرق بين شارع التسعين وشارع الطوابق!
مصالح الناس تعطلت والطلاب لم يذهبوا لمدارسهم وجامعاتهم، والاقتصاد القومى هو الذى يدفع ثمن هذا الفساد.
السؤال: إلى متى سيتكرر هذا الأمر مع كل كمية أمطار تهطل؟
لماذا لا تصارح الحكومة الناس بالحقيقة، وتقول لهم إننا نحتاج إلى كذا وكذا حتى يتم إصلاح الأمور؟
وقبلها نريد أن نعرف: هل تتكرر المأساة بسبب نقص المخصصات أم الفساد وانعدام الكفاءة؟ وهل لدينا شبكة صرف كاملة فى الشوارع، أم نحتاج لشبكة جديدة تماما، أم ترميم القديمة، وكم يتكلف كل ذلك؟
أظن أن إصلاح شبكة الصرف مسألة حيوية ومهمة، وينبغى أن تحتل الأولوية مقارنة ببعض المشروعات الأخرى التى يمكن أن تنتظر توافر التمويل.
البعض كان يعتقد أن سقوط الأمطار لا يحدث إلا مرات معدودة كل عام، وبالتالى علينا أن نتعايش معه. لكن لا أحد يريد أن يحسب الثمن الشامل خصوصا الاقتصادى الذى ندفعه فى كل مرة تهطل فيها الأمطار مقارنة بالثمن الذى نعتقد أننا نوفره!
من المخجل جدا أن تكون عاصمة مثل القاهرة هى الأقدم والأكبر والأهم فى المنطقة العربية والإفريقية، ولا تكون قادرة على التعامل مع حجم أمطار ضئيل جدا مقارنة بما يسقط فى مدن عربية وإفريقية كثيرة!
حينما يتم تداول صور ما حدث يوم الثلاثاء الماضى، فهى أسوأ دعاية يمكن أن تقدمها دولة ضد نفسها. لا أقصد أن نمنع تداول الصور، فذلك مستحيل أولا، والأهم أن نعالج الأزمة من جذورها.
القضية الأهم: هل ندرك الآن الثمن الفادح الذى يدفعه كل المجتمع بسبب فساد المحليات طوال العقود الأربعة الماضية؟ وهل حان الوقت لتوجيه ضربة حقيقية لهذا الوحش الذى تغلغل لمعظم حياتنا، وهل ندرك أن غياب ثقافة المراقبة والمحاسبة الشاملة هو البيئة المثلى للفساد؟

نقلًا عن "الشروق"