رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

بالصور.. حكايات مأساوية لمرضى هزمهم الإهمال ونقص الخدمات بـ«قصر العيني»

مريض مطرود من قصر
مريض مطرود من قصر العيني


تظل مشكلة الإهمال الطبي، ونقص الخدمات في المستشفيات الحكومية، تلقي بظلالها على المشهد، بعدما أصبح الأمر شبيها بالوحش الذي يهدد حياة المرضى، دون رحمة أو شفقة.  

هذا فضلا عن المعاملة السيئة التي يلقاها المريض، من قبل بعض الأطباء والممرضين، حتى وصل الأمر في بعض الحالات إلى التعدي على المرضى، وإلقائهم في الشوارع. 

ويروي "محمد جمال سلامة سالم"،  مأساته التي تعرض لها والده، البالغ من العمر 54 سنة، في الفيوم، وتفاصيل رحلته المأساوية منذ إصابته ودخوله بعض المستشفيات في الفيوم، إلى أن وصل مستشفى قصر العيني، قائلا: "والدي تعرض للسقوط في حمام المنزل، وعلى الفور تم نقله لمستشفى الفيوم العام، وبعد إجراء الفحوصات اللازمة، أكد الأطباء أنه مصاب بنزيف في المخ، نتيجة سقوطه على الأرض، واصطدامه بجسم صلب، وتم تحويله إلى مستشفى الجامعة بالفيوم". 

وأضاف لـ"النبأ": "عقب الاطلاع على الأشعات، التي أجريت له بمستشفى الفيوم العام، أكد الأطباء أن والدي يحتاج عملية جراحية كلفتها 85 ألف جنيه، وبما أن المبلغ غير متوفر، طلبنا تحويله لمستشفى قصر العيني بالقاهرة، وتم ذلك بالفعل، بتاريخ 2019 / 9 / 17، وعقب دخوله المستشفى، وتوقيع الكشف الطبي عليه، من قبل أحد الأطباء، والاطلاع على الأشعة، طلب مني الطبيب أشعة مقطعية على المخ خارج المستشفى". 

وتابع: "ذهبنا إلى حدة أشعة تابعة لمسجد بالمطرية، أجريناها بكلفة 1900 جنيها، ورجعنا مرة أخرى إلى المستشفى، وشاهد الطبيب الأشعة، وأكد أن والدي يحتاج تدخلا جراحيا، فتوجهت إلى بنك الدم، وتبرعت، ووقعت إقرارا عن حالة والدي، ثم فوجئت بالطبيب الذي شخص حالة والدي يتراجع ويؤكد أنه لا يحتاج إلى جراحة لأن النزيف توقف، وفي هذا اليوم تعب والدي جدا، وسقط على الأرض في غيبوبة تامة، وأدخل الرعاية المركزة، وعلقوا له محاليل، وتم وضعه على جهاز التنفس الصناعي". 

وأضاف الابن: "بسبب الإهمال بمستشفى قصر العيني أجريت اتصالا بوزارة الصحة، وطلبت منهم توفير سرير لوالدي في أي مستشفى، لنقله من هذا المكان، وبالفعل ردوا عليّ، بأنهم وفروا لوالدي سرير في مستشفى الهلال، إلا أن الطبيب رجع مرة أخرى، وأكد لي أن النزيف توقف، ومش محتاج عملية جراحية، رغم أن حالته كانت تزداد سوءا كل يوم، فاتصلت مرة أخرى بوزارة الصحة، فردوا علي قائلين إحنا وفرنالك سرير في مستشفى الهلال وانت ما حضرتش، فقلت لهم إن الطبيب في مستشفى قصر العيني، أكد لنا أن حالة والدي تحسنت، ولم يعد في حاجة لإجراء عملية، أو نقله لمكان آخر".

وواصل: "بعد أن فاض بي الكيل مع استمرار تدهور حالة والدي، طلبت نقله لمستشفى التامين الصحي بالفيوم، وعلى الفور وافقوا، وبالفعل اتصلت بسيارة الإسعاف، إلا أنهم كنسلوا الطلب عدة مرات، فاضطررت للاتصال بطبيب في الفيوم، تربطني به صلة قرابة، وطلبت منه الاتصال بمرفق الإسعاف، والتفاهم معهم، وبالفعل تواصل معهم، فاشترطوا إحضار طبيب لمرافقة الحالة، أثناء نقلها من القاهرة إلى الفيوم.

وتابع: "بناء عليه توجهت لمكتب مدير مستشفى قصر العيني، وطلبت منه تكليف طبيب لمرافقة والدي في رحلته إلى مستشفي التامين الصحي بالفيوم، وتم ذلك فعلا، لكن حالته بدأت تتدهور بشكل سريع والآن فاقد الوعي تماما، مع العلم عندما ذهبنا به لمستشفي قصر العيني، كان بيمشي على قدميه، إلا أن الإهمال وعدم الخبرة من الأطباء، تسببا في تدهور حالت".
 
وقال محمد: "تعرضت للضرب والإهانة، أنا ووالدتي من قبل الأمن في مستشفى قصر العيني، بسبب منعهم دخول عمتي للاطمئتان على شقيقها، وعليه حدثت مشادة كلامية بيننا، قاموا على أثرها بالتعدي علينا بالضرب، وسحل والدتي، وحررنا محضرا، في نقطة شرطة مستشفى قصر العيني إلا أنه تم الصلح بيننا".


بالصور.. مريض يرقد بجوار سور مستشفى قصر العيني 

على بعد مسافة 3 أمتار، أو ربما أقل من بوابة وحدة الاستقبال، بمستشفى "185 قصر العيني"، يفترش الأرض، مريض تعرض لحادث تصادم أثناء عبوره الشارع بمنطقة الخليفة بالقاهرة، فأصيب بكسر مضاعف في الساق اليمنى وخلع في الفخذ، وجرى نقله لمستشفى قصر العيني.

روى المواطن بدوي إبراهيم توفيق، في العقد الرابع من العمر، حكايته لـ"النبأ" قائلا: "كنت أسير في الشارع بمنطقة الخليفة فجاءت سيارة ملاكي مسرعة، يقودها شاب فصدمني وفر هاربا، وبعدها تجمع الأهالي حولي، وتم نقلي لمستشفى قصر العيني، ومكثت من الساعة الثامنة صباحا، جالس على سرير بالمستشفي أتألم حتى اليوم الثاني، دون أن ينظر إليّ أحد، فسألت عن سبب التأخير في علاجي، فقالوا لي إنت جاي لم يكن معك أي مستند أو إثبات شخصية، ولهذا السبب لم يتم علاجك".  

وأضاف: "قلت لهم إن جميع أوراقي ضاعت مني، بعد تعرضي لهذا الحادث، فرد عليه الممرض، طالما لم يكن معك ما يثبت شخصيتك، فمحتاجين شخصين يكون معاهم بطاقاتهم كي يضمنوك، فأجبت بأنه لا يوجد لدي أهل في القاهرة، وما اعرفش حد هنا، لكن أمام إصرارهم على هذا الطلب، انصرفت من المستشفي وذهبت لرجل وزوجته أعرفهما، قصصت عليهما الموضوع، فأخذاني وذهبنا لعدة مستشفيات، لكن لم يستقبلني أحد، فاضطررت للذهاب مرة أخرى لمستشفى قصر العيني".

وتابع: "عندما دخلت وشاهدوني قالوا لي لماذا انصرفت من المستشفى دون علاج؟ فأجبت بأنني مشيت عشان أجيب اثنين ضمان زي ما طلبتم  مني، فقال لي الطبيب لا يوجد أماكن الآن، وبعد سماعي هذه الكلمات فضلت أزعق بأعلى صوتي في المستشفى، والدموع تتساقط من عيني، وأقول حرام عليكم أنا تعبان، ورجلي بتألمني جداً، فتجمع الأطباء من حولي، وعليه تم إدخالي المستشفى مرة أخرى، وبعد الفحوصات أكد لي الطبيب أني محتاج عملية تركيب شرائح ومسامير، لكن تم تجبيس قدمي دون إجرائها".

وأضاف بدوي: "تحدثت مع أحد الممرضين وقلت له ماذا أفعل في هذه العملية، فرد قائلا لو عاوز تعمل العملية، لازم تجيب واسطة، يا إما تشوف حد يتبرعلك من ولاد الحلال، ويعملها لك بره على حسابه".

واختتم بدوي: "بعد سماعي هذا الكلام المؤلم، أسودت الدنيا في عيني، وجلست أمام الباب، في انتظار أصحاب القلوب الرحيمة، كي يخلصوني من معاناتي، لأنني من محافظة قنا، وحضرت إلي القاهرة من أجل إيجاد فرصة عمل، وأنا شخص بسيط على قد حالي، بالنهار بشتغل في جمع عبوات الكانز الفارغة، وبثمنها بآكل وأشرب، وكنت أسكن في غرفة، لكن عجزت عن سداد الإيجار، فاضطررت لتركها، وأنا الآن أسكن في الشارع".

حالات مأساوية أخرى  

الحالات التي تشبه حالة بدوي كثيرة أمام قصر العيني، ومنها رجل مسن جاء أثناء خروجه من البوابة الرئيسية للمستشفى، وهو لا يرتدي حذاء في قدميه، ليصاب بحالة هيستيرية، ويطلق وابلا من الشتائم ضد الأطباء والمسؤولين بالمستشفى، بسبب رفض الأطباء الكشف عليه، والتغيير على قدمه، حيث إنه يعاني من إصابة مزمنة بالقدم اليسرى.

وفي مشهد أخر مأساوي رصده "النبأ"، أمام مستشفى قصر العيني، ظهر مريض أثناء خروجه من المستشفى حاملا في يده زجاجة كبيرة لجمع البول، متصلة بخرطوم يخرج من بطنه، وأخذ يسأل الناس عن للمال من أجل شراء علاج من الصيدلية بالخارج.
 
لا يوجد إهمال

وردا على هذه الحالات قال الدكتور أحمد خليل، مدير أقسام الرعايات بمستشفى قصر العيني، إن المستشفى يستقبل يوميا أعداد كبيرة جدا من المواطنين، من جميع المحافظات، نافيا وجود إهمال متعمد من قبل الأطباء.

وأكد لـ"النبأ" أن الأطباء يعملون تحت ضغط نفسي، نظرا لحجم الأعداد التي ترد إليهم يوميا، من جميع المحافظات، والتي تفوق قدراتهم، ملقيا اللوم على بعض المستشفيات الحكومية بالمحافظات الأخرى، لقيامها بتحويل بعض الحالات المرضية، التي لا تستدعي إلى مستشفى قصر العيني. 

وأضاف أن هناك مستشفيات أخرى كبيرة في مصر، لا تقل كفاءة عن مستشفى قصر العيني، ورغم ذلك يتم تحويل بعض الحالات منها إلينا، ومنها مستشفى معهد ناصر، ومستشفيات جامعات الأزهر، وعين شمس، وحلوان.

ولفت الدكتور أحمد خليل، إلى أن هناك قسم كبير للطوارئ، يتم الآن إنشاؤه داخل مستشفى قصر العيني، ليكون إضافة جيدة للمستشفى، لاستيعابه أعداد كبيرة من المرضى.