رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

جنرال المخابرات القوى يحدد مصير مفاوضات «سد النهضة» قريبًا

سد النهضة
سد النهضة


بعد جمود وتوقف دام شهورًا بسبب الثورة السودانية، عاد من جديد الجدل حول ملف «سد النهضة» الإثيوبي، وجرت الكثير من المياه الراكدة خلال فترة التوقف.


عزل «البشير»

من أهم المتغيرات التي حدث خلال هذه الفترة هي إسقاط حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير، الذي كان يرتبط بعلاقة قوية بالرئيس عبد الفتاح السيسي، رغم الانتقادات التي كانت توجه له من الجانب المصري بسبب انحيازه للجانب الإثيوبي في ملف سد النهضة. 


وتعثرت مفاوضات سد النهضة في عهد البشير أكثر من مرة.


وبعد تشكيل حكومة سودانية تشاركية بين العسكريين والمدنيين، بقيادة عبد الله حمدوك، يرى خبراء أن هذه الحكومة ستكون لها توجهات خارجية مختلفة تماما عن توجهات نظام «البشير».


وعندما سئلت وزيرة خارجية السودان الجديدة، أسماء محمد عبد الله، عن موقف الحكومة الجديدة من ملف سد النهضة قالت إن التفاوض هو الحل الأمثل للتعامل مع هذا الملف، وكررت ذلك أكثر من مرة.


وبالتالي يصبح موقف الحكومة السودانية الجديدة من سد النهضة غامضا، لكن المؤكد أن هذا الملف لن يكون على رأس أولويات هذه الحكومة بسبب المشاكل الاقتصادية والأمنية التي تعاني منها السودان.


الوساطة الإثيوبية    

لعب رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد دورا مهما ومحوريا في التقارب بين العسكريين والمدنيين في السودان أثناء الثورة السودانية، وكان أحد المهندسين الرئيسيين في توقيع الاتفاق التاريخي بين الفرقاء في السودان، والذي يؤرخ لمشاركة مدنية عسكرية في حكم البلاد، هذا الدور رفع كثيرا من شعبية رئيس الوزراء الإثيوبي بين الشعب السوداني، وقد تجسد ذلك في التصفيق الحاد من قبل الحاضرين أثناء التوقيع على اتفاق الفترة الانتقالية.


وأثار قيام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بدور الوساطة في السودان بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة، التساؤلات حول غياب دور الدول العربية وتحديدا مصر، التي يمثل أمن السودان أمنا قوميا لها.


ويقول بعض الخبراء، إن الدور الذي قام به رئيس الوزراء الإثيوبي في السودان ورفع شعبيته داخل السودان سيكون له تأثير على مفاوضات سد النهضة القادمة بين مصر والسودان وإثيوبيا، حتى أن بعض الخبراء يذهب بعيدا فيقول، إن نجاح الوساطة الإثيوبية في السودان يمثل خسارة لمصر، وسيكون له تأثير سلبي على ملف سد النهضة.

 

مقترح من 6 بنود

ومن أهم المتغيرات التي طرأت على ملف سد النهضة هو وضع وزارة الموارد المائية والري، مقترحا مكونا من 6 بنود بخصوص الأمور الفنية لسد النهضة منها، إخطار مصر بحجم الملء والتخزين خلال سنوات الجفاف، ومواعيد صرف التفريغ والكمية المحددة؛ حتى لا تتأثر السدود الخلفية لسد النهضة في السودان أو السد العالي.


وقال مصدر في وزارة الموارد المائية، إن المفاوضات بين القاهرة وأديس أبابا تسير ببطء شديد، مشيرًا، إلى أن الجانب الإثيوبي لديه حساسية خاصة فيما يخص التعاون الثنائي من خلال لجان مشتركة تعرض حالة النيل وما تم تخزينه وحجم التأثير على المناسيب التي تصل إلى مصر.


وكانت مصر قد سلّمت إثيوبيا والسودان، الرؤية المصرية فيما يتعلق بأسلوب ملء وتشغيل سد النهضة، خلال فترات الفيضان والجفاف، طبقا لحالة الفيضان، وفقا لوزير الري في تصريحات سابقة الشهر الماضي.


وزير الري يحذر

وقال وزير الري والموارد المائية، إن عدم وصول مصر لاتفاق مع إثيوبيا حول سد النهضة سيؤدي إلى مشكلة كبيرة، ويؤثر على الأمن الغذائي المصري، مشيرا إلى أن السد قد يخفض حصة مصر من المياه بنسبة 2%، مما يهدد ببوار 200 ألف فدان، وما يوازي مليون أسرة تقريبا.


وأضاف الوزير، في الجلسة الافتتاحية لورشة العمل الإقليمية حول دعم حول دعم تنفيذ المساهمات المحددة وطنيًا المعنية بتغير المناخ في قطاعي الزراعة والمياه، التي نظمتها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة الفاو-مكتب مصر، أن 95% من أرض مصر صحراء.


وأوضح أن نهر النيل يمثل نحو 95% من مصادر المياه، ما يجعل القاهرة حساسة جدا لأي أعمال تقام في دول المنبع، لم يتم التنسيق معها فيها، مثل سد النهضة في إثيوبيا، مستطردا: "لا يزال لدينا أمل في الوصول إلى حل مشكلة السد بالتفاوض رغم أنه استغرق وقتا طويلا".


عمليات الابتزاز

تقول الباحثة أماني الطويل المتخصصة في الشأن الإفريقي، إن السودان يشكل موقعًا رئيسيًا في ملف سد النهضة، مشيرة إلى أن موقف البشير أسهم في تعقيد الملف خصوصًا في الفترة الأخيرة من حكمه، إذ تعامل مع الملف على المستوى الداخلي في السياقات السياسية وليس الفنية.


وأضافت أن إثيوبيا ستضطر للتعاطي مع متغيرات جديدة في الملف رغم أنها نجحت في تجميده خلال التسعة أشهر الماضية بذريعة التطورات السودانية بعد اندلاع الثورة في 19 ديسمبر 2018.


 وأضافت الطويل، أن البشير وظف ملف سد النهضة في عمليات الابتزاز المشهور بها في السياق الإقليمي، مؤكدة أنه "مارس ضد مصر ضغوطا غير محمودة على مدى سنوات، ولكنه تراجع عنها في يناير 2019 حينما عجز عن تطويق الثورة السودانية ضد نظام حكمه، وكان بحاجة إلى الدعم المصري المباشر لإسناده".


حبة فوق وحبة تحت

ويقول الدكتور عباس شراقي، رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد الدراسات الإفريقية بـ«جامعة القاهرة»، إن هناك جهودًا مصرية تبذل لحلحلة الموضوع وكسر الجمود الذي حدث في ملف سد النهضة بعد اندلاع الثورة السودانية ضد «البشير».


وأشار إلى أن السودان ليس هو العائق أمام موضوع سد النهضة وليس هو اللاعب الرئيسي في هذا الملف، لكن المشكلة تكمن في الجانب الإثيوبي، لافتا إلى أن علاقة عمر البشير بإثيوبيا كانت علاقته جيدة أما علاقته بمصر فكانت متذبذبة وكانت حبة فوق وحبة تحت؛ لكنها كانت جيدة بالرئيس عبد الفتاح السيسي، ففي عهد البشير تم سحب السفير السوداني من القاهرة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات المصرية السوداني، موضحا أن الرئيس السوداني السابق كان يميل لجماعة الإخوان المسلمين وكان مضطرا للتعامل مع النظام المصري الحالي.


ولفت إلى أن السودانيين أخذوا فكرة سيئة عن مصر، عندما اعتقدوا خطأ أن النظام المصري يساند المجلس العسكري وضد الثورة السودانية، كما أن عدم حضور الرئيس السيسي لتوقيع الاتفاق بين الثوار والمجلس العسكري بعث برسالة خاطئة إلى الشعب السوداني مفادها أن مصر غير مهتمة بالسودان.


وأضاف «شراقي»، أن نجاح الوساطة الإثيوبية والدور الذي قام به أحمد في التوفيق بين الأطراف الصراع في السودان رفع من شعبيته بين السودانيين وأدى إلى تقارب في العلاقات بين إثيوبيا والسودان، وهذا سيجعل موقف السودان من ملف سد النهضة ربما لن يتغير لصالح مصر وربما يبقى على نفس موقف عمر البشير، لاسيما وأن السودانيين يرون أن مصلحتهم مع إثيوبيا، وبالتالي هذا التقارب سيكون له تأثير إيجابي على العلاقات السودانية الإثيوبية مما سيكون له تأثير على ملف سد النهضة، وبالتالي هذا التقارب والدفء في العلاقات المصرية الإثيوبية ليس في صالح مصر، لاسيما وأن السودانيين أصبحوا يشعرون أن هناك جميلا من «أبي أحمد»، وأن جهوده كانت مخلصة للتوفيق بين الأطراف السودانية المتصارعة. 


وطالب بعدم رفع سقف التوقعات والطموحات في المفاوضات المقبلة في موضوع ملف سد النهضة، مشيرا إلى أنه لا يتوقع أن تقوم الحكومة الجديدة في السودان بتغيير موقفها من موضوع سد النهضة، وأن رئيس الوزراء الإثيوبي «آبي أحمد» ازداد قوة على المستوى الإفريقي، وقام بعمل صلح مع إريتريا وحاول «يعمل شغل» داخلي مع إثيوبيا ومع السودان.


وتابع: كما أن عدم حضور رؤساء عرب في حفل توقيع الاتفاق وحضور الزعماء الأفارقة يؤشر على أن السودان الجديد يتجه نحو محيطه الإفريقي الفترة القادمة، لافتا إلى أن «البشير» كان يلعب على كل المحاور؛ فتارة نجده مع المحور المصري السعودي الإماراتي وتارة نراه مع المحور التركي القطري، مشيرا إلى أن تصريحات وزيرة الخارجية السودانية حول السياسة الخارجية للسودان الفترة القادمة هي تصريحات دبلوماسية؛ لأن العالم الآن يعيش عصر التكتلات والمحاور، والسودان لا يستطيع أن يعيش في معزل عن هذه المحاور والتكتلات، ولن تستطيع الحكومة السودانية الحالية اللعب على كل المحاور كما كان يفعل الرئيس السوداني السابق، لاسيما وأن السودان يحتاج الآن إلى المساعدات المالية والسياسية، في ظل الأوضاع الاقتصادية الداخلية المتدهورة، كما أن سياسة اللعب على كل المحاور لم تنجح مع البشير.


يذكر أن «أبي أحمد»، رئيس وزراء إثيوبيا، ولد في أجارو بمدينة جيما بإقليم الأورومو، والتحق بالجبهة الديمقراطية لشعب الأورومو، وشارك في الصراع المسلح عام 1990 ضد حكم نظام منغستو هيلا مريام، وبعد سقوط النظام سنة 1991 التحق رسميًا بالجيش الإثيوبي، ثم انضم إلى وحدة المخابرات والاتصالات العسكرية، وتدرج بها حتى وصل رتبة عقيد عام 2007.