رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

تفاصيل الخطة الجديدة لـ«كسر أنف» أردوغان وتسليم الإخوان الهاربين

أردوغان
أردوغان


«من يفوز بإسطنبول.. يفوز بتركيا» مقولة شهيرة للرئيس رجب طيب أردوغان الذي خسر حزبه «العدالة والتنمية» رئاسة البلدية لأول مرة منذ خمس وعشرين سنة، بعد أن فاز مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو في إعادة الانتخابات البلدية المثيرة للجدل في إسطنبول، موجهًا ضربة قوية للحزب الحاكم ومرشحه بن على يلدريم.


ووصفت الأوساط السياسية التجربة التى أذاقت أردوغان مرارة قاسية بـ«انقلاب السحر على الساحر»، فقراره إلغاء نتيجة انتخابات بلدية إسطنبول التي جرت أواخر مارس الماضي، وتوقعه بتغيير النتائج التى شكك فيها، جاءت على نحو صادم له، جعلته الآن يتعامل مع صدمتين بخسارته للمرة الثانية.


وسلطت صحف ألمانية الضوء على انتخابات إسطنبول المعادة، والتى أسفرت عن خسارة مرشح حزب العدالة والتنمية، مؤكدة أن هذه الانتخابات ستضع مستقبل أردوغان وحزبه على المحك، وقالت صحيفة "دي فيلت": إن النظام التركي واحد من أكبر النظم الديكتاتورية في العالم حاليا، ورغم ذلك لم يستطع أردوغان فرض مرشحه لبلدية إسطنبول على الناخبين، وخسر على أيدي مرشح حزب الشعب في أقل من 3 أشهر.


ومن جانبها، قالت صحيفة "دي تسايت" الألمانية "لم تحظ انتخابات بلدية بمثل الاهتمام الذي حظيت به انتخابات إسطنبول داخل وخارج تركيا، الأمر لا يتعلق فقط بمقعد عمدة المدينة التي تعد العاصمة الاقتصادية لتركيا، ولكن يمتد ليشمل مستقبل أردوغان وحزبه العدالة والتنمية".


وجاءت افتتاحية صحيفة «الفاينشال تايمز» بعنوان: «خسارة إسطنبول يجب أن تدفع إردوغان لإعادة التفكير»، وقالت الصحيفة إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحتاج إلى التركيز على التنمية والإصلاحات، مضيفة أنه قامر وخسر بشدة.


واعتبرت الصحيفة خسارة الحزب الحاكم لبلدية إسطنبول بمثابة ضربة موجعة لإردوغان الذي بدأ مشواره السياسي في بلدية إسطنبول التي كان يترأسها، منذ 25 عامًا، وساعدته ليصبح حاكما لتركيا، موضحة أن إسطنبول تمثل القاطرة الاقتصادية لتركيا، وتمتع الحزب الحاكم على مدى سنوات طويلة بالتحكم بميزانيتها التي تقدر بنحو 4 مليارات دولار أمريكي، مشيرة إلى أن نتائج الانتخابات البلدية في إسطنبول قد تكون بداية النهاية لسيطرة إردوغان الطويلة على السياسة في تركيا.


فى نفس السياق، يرى مراقبون أن فوز «أوغلو» سيمهد الطريق أمام مصر للتحالف معه ضد سياسة أردوغان المعادية لمصر منذ «30 يونيو» خاصة أن مصر لها حوار مع المعارضة التركية في أوروبا، وتسعى القاهرة من خلال التنسيق مع أوغلو خلال الفترة المقبلة إلى توجيه ضربة قوية للإخوان الهاربين في تركيا.


ولم ينس المصريون كلام أردوغان خلال صلاة الغائب على الرئيس السابق محمد مرسي حين قال: "لا تنسوا أن في هذا البلد أيضا أشباه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، لذلك نحن مجبرون على أن نكون حذرين" في إشارة إلى مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، وذلك قبل إعادة الانتخابات البلدية لمدينة إسطنبول.


ضمت تركيا بين حدودها، عددًا كبيًرا من قيادات التيار الإسلامي المعادي للنظام الحالي في مصر، ويأتي من ضمن الوجوه السلفية: "ممدوح إسماعيل البرلماني السابق عن حزب الأصالة السلفي، والدكتور محمد عبدالمقصود الداعية السلفي، وإيهاب شيحة، والمهندس محمد محمود فتحي محمد بدر رئيس حزب الفضيلة السلفي وعضو ما يسمى بتحالف دعم الشرعية، ومعتز مطر، ومحمد القدوسي، وباسم خفاجي المالك السابق لقناة الشرق"، والداعية السلفي المتشدد وجدي غنيم.


وتضم القائمة كلًا من: "محمود عزت، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان، والمحكوم عليه بالإعدام في قضيتي «التخابر» و«اقتحام السجون»، ومحمود حسين، الأمين العام للجماعة، وصلاح عبد المقصود، وزير الإعلام السابق، ومحمد محسوب، نائب رئيس حزب الوسط السابق، وعمرو دراج القيادى بالحرية والعدالة، مجدى سالم القيادى بالبناء والتنمية، خالد الشريف المتحدث باسم البناء والتنمية، مراد غراب قيادى بحزب الفضيلة".


كما يضم مكتب إخوان تركيا كلًا من القيادي الإخواني جمال عبد الستار، ووصفي أبو زيد، وحمزة زوبع، وعادل راشد، ومحمد عماد صابر، وأشرف عبد الغفار، ومحمد الفقي، ومحمد جابر، ورضا فهمي، وعبد الغفار صالحين، وتامر عبد الشافي، وهبة زكري، وهويدا حامد.


كما تضم تركيا المئات من شباب الإخوان المصريين الهاربين إلى تركيا عقب ثورة 30 يونيو، حيث استقر عدد كبير من الشباب في إسطنبول بجانب قياداتهم، والتحاقهم بالجامعات التركية لاستكمال دراساتهم داخل أروقة الجامعات العثمانية.


من جانبه قال السفير صلاح فهمي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن فوز المعارضة التركية في الانتخابات البلدية، من المؤكد أنه حقق خسائر لأردوغان وحزبه الحاكم وجماعة الإخوان، بسبب رفض المعارضة التركية لسياسات الخليفة العثماني، الخارجية، ما قد يشير إلى أن هناك احتمالات لدى المعارضة بالضغط عليه للمطالبة بفتح قنوات اتصال جديدة مع الدول العربية التي يعاديها أردوغان، وفي مقدمتها مصر، ودول منطقة الخليج فيما عدا «قطر»، مما قد يدفع بالرئيس التركي في النهاية إلى تغيير سياساته المناوئة للدول العربية، والتخلص من احتضانه وتبنيه لجماعة الإخوان، وإلا سيفاجأ بتزايد شعبية أحزاب المعارضة وسيطرتها وتكرار فوزها في انتخابات 2023 القادمة، وخروجه وحزبه من دائرة الحكم، أو يجد نفسه أمام حراك شعبي مثلما حدث في «جيزي بارك» عام 2013، ينتهي بضياع وتحطم حلمه فى الخلافة العثمانية.


وأشار إلى أن الخارجية المصرية تدرك جيدا أهمية فوز المعارضة التركية بالانتخابات، وهناك قنوات اتصال مفتوحة للتنسيق فيما بينهم ضد أردوغان، مضيفًا أن أول ضربة للإخوان في تركيا نتيجة بعد فوز أوغلو هو نقل أفراد الجماعة الهاربين لتركيا إلى مدن أخرى لا تزال تحت سيطرة حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، خاصة وأن الإخوان في إسطنبول، غير مرغوب بهم من حزب الشعب الجمهوري المعارض المسيطر على المدينة الآن.


وتابع أن الحزب المعارض في إسطنبول سوف يتقدم خلال الفترة المقبلة، بطلب تسليم الإخوان المقيمين في إسطنبول وأنقرة، لبلادهم، ما يشير إلى أن الرئيس التركي وحكومته وحزبه، قد يواجه ضغوطا متزايدة لتسليم الإخوان والمعارضين العرب لبلادهم.


وتوقع مساعد وزير الخارجية الأسبق، عقد لقاءات بين مصر «وأوغلو» خلال الفترة المقبلة، وتبادل الزيارات لبحث وقف سياسة الرئيس التركي ضد القاهرة، وهجومه الشرس على النظام المصري.


من ناحيته قال ناجى الشهابى، رئيس حزب «الجيل»، إن خسارة الحزب الحاكم في تركيا الذي يترأسه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، تعني خسارة الصعود إلى سدة السلطة فى تركيا، موضحا أن شغل منصب حاكم إسطنبول تعنى الكثير في عالم السياسة بتركيا.


وأضاف «الشهابى»: هذا يعنى تقلص نفوذ حزب العدالة والتنمية التركي وأن جماهير الناخبين انصرفت عنه وخاصة أن أردوغان حاول إنقاذ مرشح حزبه من الهزيمة فلم يعترف بالنتيجة وهزيمته فى المرة الأولى فأعاد الانتخابات ليتسع الفارق لصالح مرشح حزب الشعب الذى وصفه أردوغان فى إحدى مؤتمراته الانتخابية بأنه مرشح السيسى فى محاولة منه لإثناء الناخبين الأتراك من التصويت لصالحه.


وتابع: «ولكن فى انتخابات الإعادة يفوز المرشح أكرم إمام أوغلو بفارق كبير وهذا يؤكد أن شعبية أردوغان وحزبه تتآكل وأن مصيره وحزبه يشوبه الغموض وأن الشعب التركي انصرف عن تأييده وأتوقع فى انتخابات قادمة أن يفقد الأغلبية».


بدوره قال مصطفى صلاح، الخبير فى الشأن التركى، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حاول توظيف الأحداث الخارجية للتأثير على مجريات العملية الانتخابية وخاصة الأكراد والاستعانة بقوى خارجية، وهو ما دفع الناخب التركي إلى عدم قبول سياسات حزب «التنمية والعدالة».


وأضاف "صلاح"، أن إمام أوغلو أدار المعركة الانتخابية وفق آليات محلية وكذلك التأثير على الشعب التركى، مشيرا إلى أن إمام أوغلو دعا إلى فتح قضايا الفساد التى تورط فيها أردوغان وبعض الأشخاص المقربين من عائلته، منوهًا بأن مدينة إسطنبول اقتصادية وتحتوي على الكثير من المصانع التي تمثل 80% من الناتج القومي التركي، وبالتالي لم يكن متاحا القبول بمثل هذه التهديدات من أردوغان.


وأوضح أن أسباب فوز إمام أوغلو أمام أردوغان؛ تتركز فى زيادة معدلات التضخم وبالتالي زيادة البطالة فى تركيا مع التركيز على البعد المحلى، إضافة إلى تدهور الاقتصاد.


وأكد الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسة بجامعة القاهرة، أن هناك تداعيات كبيرة على الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ومستقبل حزبه العدالة والتنمية في المقام التالي خاصة بعد خسارته مدينة إسطنبول لصالح المعارضة التركية.


وأضاف أستاذ العلوم السياسة بجامعة القاهرة، أن هناك اتهامات من داخل حزب العدالة والتنمية تتصاعد بقوة، ويتم اتهام أردوغان بإساءة التقدير والفشل فى إدارة المعركة مع المعارضة التركية، وهو ما سيؤدى لاستثمار المعارضة، وتعدد مصادرها من شخصيات مثل أحمد داوود أوغلو، صاحب نظرية تصفير المشاكل.


وأشار "فهمى" إلى أن أردوغان مقبل على مزيد من التنازلات وربما التهدئة التي ستؤثر على استقرار الأوضاع داخل الحزب، مضيفا أنه من المتوقع أن تستثمر المعارضة ذلك مما سيؤدي لمزيد من الاحتقانات السياسية والإعلامية.


واستكمل: «في كل الأحوال الحزب سيمر بمرحلة حاسمة في تاريخه ومن المتوقع أن يزيد التوتر السياسي وتتوسع رقعة وخريطة المعارضة في وجه أردوغان».


ويرى خبراء أن حدوث مشاورات واتصالات بين القاهرة والمعارضة في تركيا متوقع، خاصة أنه لأول مرة تخرج معارضة قوية من داخل تركيا وليس من خارجها، وقد كشفت بعض التقارير الأجنبية عن وجود مشاورات سياسية بين القاهرة وأوغلو قبل الانتخابات البلدية وأن مصر كان لها دور كبير في نجاح أوغلو، حيث استطاع الأخير استغلال التخبط السياسي من أردوغان ضد مصر والسيسي في حشد المزيد من الأصوات.


كما يؤكد الخبراء أنّ مصر تسعى من وراء المعارضة في تركيا إلى الضغط على أردوغان لتسلم الإخوان المطلوبين، أو على الأقل خروجهم من تركيا، ووقف التعاون بينهم وبين أردوغان الذى يوفر لهم الحماية المالية والأمنية والإعلامية، وبالتالي فإنه ينتظر خلال الفترة المقبلة انتقال الإخوان لدول أخرى قد تكون قطر أو ماليزيا أو بريطانيا. 


ويلفت الخبراء إلى أن خسارة الانتخابات في إسطنبول ليست هزيمة لحزب العدالة والتنمية فقط بل إنها خسارة لأردوغان بصورة مباشرة، خاصة وأنها كانت نقطة الانطلاق له نحو رئاسة الجمهورية منذ عام 1994.


ويضيف الخبراء أن خسارة بلدة إسطنبول قد تكون اللبنة الأولى لبداية تحول جذرية في المشهد السياسي الداخلي والخارجي برمته.


ولعل من أبرز العوامل التي زادت من جماهيرية إمام أوغلو بالذات، هي شخصيته و«الكاريزما» التي لديه، التي تجعله ماهرا في فن الخطابة، وقادرا على إيصال رسائله إلى الناس من مختلف الشرائح والطبقات، مما يجعله بمثابة تهديد لمقعد أردوغان الرئاسي، كونه قد يكون قادرا على منافسته خلال بضعة أعوام.


وبالعودة إلى بداياته، ولد إمام أوغلو، في مدينة طرابزون شمال شرقي تركيا، عام 1970، وتخرج من جامعة إسطنبول حاصلا على بكالوريوس إدارة أعمال، مثله مثل أردوغان الذي درس إدارة الأعمال بـ«جامعة مرمرة».


واستمر أوغلو برسم طريق النجاح في عدة مجالات، منها إدارة شركة مختصة بأعمال البناء، بعدها بتأسيس وإدارة نادي «طرابزون سبور» لكرة القدم، الذي أصبح في فترة قياسية من أفضل الأندية في الدوري التركي الممتاز.