رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

أسرار «بيزنس» التقديم فى المدارس و«تعذيب» أولياء أمور الطلاب

طارق شوقى
طارق شوقى


رغم أنّ شكاوى التقديم لـ«مرحلة رياض الأطفال»، والصف الأول الابتدائي تتكرر بشكل سنوي، إلاّ أنّ هذا العام الأمر يعد أكثر خطورة وينذر بكارثة كبيرة تواجه التربية والتعليم، خاصة بعد وصول الأمر لدفع الرشاوى و«الإتاوات» لقبول الطلاب في تلك المراحل، بجانب دخول «الوساطة» و«المحسوبية»، وسط عجز الوزارة عن المواجهة وترك أولياء الأمور للدخول في مشاحنات يوميًا مع مديري المدارس والإدارات التعليمية المختلفة، فضلًا عن تصاعد الأزمات الخاصة بالمدارس التجريبية والخاصة.


سبوبة التحويلات

أزمة يواجهها أولياء الأمور تتمثل في تحويلات الملفات بين المدارس والإدارات، وهي المشكلة التي أصبحت بابا خلفيا للفساد، واستمرار جني وحصد آلاف الجنيهات من قبل أولياء الأمور للتنسيق والموافقة على نقل الملف إلى الإدارة أو المدرسة التي يرغبون فيها، والتي وصلت أزماتها إلى حد التحرش وتعرض أمهات الطلاب إلى مضايقات بعض الموظفين والمعلمين من حيتان التحويلات بالإدارات التعليمية.


ولم يتوقف بيزنس التحويلات عند مجرد مرحلة رياض الأطفال، بل امتد حتى مرحلة الثانوية العامة، ويتم من خلاله طلب تبرعات مالية لبعض المدارس لتأهيلها أو المساهمة في توفير المعدات والأدوات اللازمة لها، أو تحصيل مقابل مادي من ولي الأمر مباشرة لأحد الوسطاء، الذي عادة ما تكون له علاقات مباشرة بالمسئولين في الإدارات التعليمية ومديري المدارس للحصول على موافقتهم على نقل الملف إلى مدرسة محددة، أو إلى إدارة معينة، دون الالتزام باللوائح والشروط المحددة لتلك العملية.


أزمة الالتحاق بالمدارس التجريبية

ومع الإقبال الشديد على المدارس الرسمية، واجهت وزارة التربية والتعليم، مشكلة توفير أماكن لاستيعاب الطلاب، سواء الجدد أو المحولين من مدارس أخرى، حيث قدرت أعداد التحويلات من المدارس الخاصة إلى الرسمية حتى الآن بنحو 20 ألف طالب وطالبة، وبلغ عدد المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال في خمس محافظات (القاهرة - الجيزة - الدقهلية - الشرقية - القليوبية) هذا العام نحو 50 ألف طالب وطالبة.


وجاءت محافظة الدقهلية الأكثر شكوى، حيث بلغ عدد الأطفال المتقدمين بها لرياض الأطفال نحو 6 آلاف، واعترض بعضهم أمام مديرية التربية والتعليم بالدقهلية، على عدم توفير أماكن لأطفالهم، البالغة أعمارهم خمسة أعوام فيما فوق.


وتعد هذه الأزمة الأكبر التي فشلت وزارة التربية والتعليم في التصدي لها على مدار السنوات الماضية، وصل الأمر لقبول  المدارس التجريبية للصف الأول "حضانة" إلى 5 سنوات و8 أشهر، ما يعني أن الطالب يلتحق بالصف الأول الابتدائي في سن 8 سنوات، وهناك قائمة طويلة من الطلاب تم وضع في الانتظار، لحين توافر أماكن خالية بمرحلة رياض الأطفال، عند بدء الدراسة، وهذا نادرا ما يحدث ليواجه أولياء الأمور مأساة تتمثل في الاضطرار إلى تقديم أبنائهم في مدارس بعيدة جدا عن محل إقامتهم، كما أنهم يفشلون فيما بعد في نقلهم بالمدارس القريبة منهم ما يكلفهم المزيد من الأعباء.


كان عدد من أولياء الأمور المتضررين من عدم توفير المديريات التعليمية أماكن لقبول أطفالهم، قدموا شكاوى، مشيرين، إلى أنه تم تمرير أوراق طلاب بتأشيرة من المحافظ نظرا لكون ولي الأمر يشغل وظيفة مرموقة بالدولة، ودللوا على ذلك، بأن تأشيرات لمن هم دون السن القانونية، الأمر الذي ضيع على أبنائهم فرصة الالتحاق بالمدارس التجريبية.


المدارس الخاصة

وشهدت المدارس الخاصة إقبالا متزايدا من قبل الأهالي بحثا عن إيجاد فرصة لتقديم أبنائهم في مرحلة رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي، ولكن الأمر ليس بالسهولة، حيث أعلنت عدد كبير من المدارس الخاصة غلق باب القبول في مرحلة الصف الثاني برياض الأطفال والصف الأول الابتدائي، ووصل الأمر إلى قصر القبول بمرحلة الصف الأول برياض الأطفال على من له شقيق يدرس بالمدرسة فقط، وهناك بعض المدارس فتحت قبول أوراق التقدم ليوم واحد ولمدة ساعتين نظرا للإقبال المتزايد على التقديم.


من ناحيته، كشف أحمد على، ولي أمر أحد الطلاب، أن ابنه عمره خمس سنوات ونصف السنة وتقدم له بأوراق للالتحاق بإحدى المدارس الخاصة ولكنه اكتشف أنه في قائمة الانتظار تحت رقم 150، وأنه طلب منه إحضار تأشيرة من المحافظ لقبوله ضمن 10% فوق الكثافة، وعندما ذهب للمحافظ كتب على التأشيرة، «تنفذ التعليمات والإجراءات»، ولكنّ المدرسة رفضت قبول نجله.


وأضاف أنه اكتشف بعد ذلك إعطاء المحافظ تأشيرات صريحة بالموافقة على قبول بعض الطلاب في نفس المدرسة؛ نظرًا لأنه شخصية كبيرة أو ذو منصب مرموق بالدولة، أو أن هناك شخصيات بالمحافظة ساعدته في الحصول على التأشيرة المميزة، نظير الحصول على أموال.


وقالت حسناء محمد من القليوبية إنها رأت «الويل» في تحويل نجلها من مرحلة رياض الأطفال إلى الصف الأول بإحدى المدارس الحكومية القريبة من محل إقامتها، مشيرة إلى أن مدير المدرسة الحكومية رفض استلام ملف الأولاد بحجة، أن الأولوية للطلاب الذين كانوا في مرحلة رياض الأطفال بالمدرسة وليس بالخارج، رغم أن الإدارة التعليمية موافقة على النقل.


وتابعت: وبعد وساطة وتدخل موظفين بالتربية والتعليم وافق على قبول الأوراق بشرط دفع رشاوى قدرها 500 جنيه على سبيل التبرع للمدرسة، وأنها اكتشفت أن مدير المدرسة أخذ تبرعات من أولياء الأمور بسبب التحويلات، بعضها معدات ومراوح وتكييفات، ومقشات وصابون للمدرسة والمدرسين.


وفي هذا السياق، قال خالد صفوت، رئيس رابطة أولياء أمور طلاب المدارس الخاصة، ومؤسس ائتلاف ثورة أمهات مصر على المناهج التعليمية، إن المدارس الخاصة تدار دون رقابة من وزارة التربية والتعليم، وكأنها مشروع تجاري يستهدف جني الأموال متابعا أنها دولة داخل الدولة.


وأضاف «صفوت» لـ«النبأ» أنه تم رصد بعض المشكلات التى تواجه أولياء الأمور عند التقديم لأطفالهم في المدارس الخاصة والتي يتركز معظمها في إدخال مسمى الـintreview وapplication بهدف حصد المزيد من الأموال وهو دفع مبلغ بهدف إجراء مقابلة لا تتعدى النصف ساعة مع الطفل ووالديه متابعا سواء تم قبول الطفل أو رفضه في المدرسة فإن المبالغ المدفوعة لا ترد.


وأشار إلى أن أسعار استمارات الـ«application» تتراوح من 500 وحتى 3 آلاف جنيه في بعض المدارس، مضيفا أن الأسئلة التى توجه للطفل تكون في 6 ورقات اثنتان منهما بالعربية واثنتان باللغة الإنجليزية بالإضافة إلى math وغيرها من الأسئلة التى لا تمت بعلاقة للفئة العمرية للطفل وكذلك لا ترتبط بصلب العملية التعليمية ولكنها ترسخ لمفهوم التمييز الطبقي والعنصري.


وأضاف أن معظم الأسئلة للأم والأب تدور حول الوظيفة والمؤهل الدراسي وكذلك النوادي المشتركين فيها والمصايف التي يذهبون إليها كل عام، متابعا في بعض المدارس يتم تقسيم الملفات الخاصة وتمييزها على أساس وظيفة الوالدين.


وأشار إلى أنه في بعض الحالات يتم عمل summer course للأطفال في فترة الصيف إذا كان مستواهم محدودًا ولم يجتازوا اختبارات التقديم للمدارس مقابل مبالغ إضافية كبيرة، متابعا أن هذه المدارس تحقق أرقاما وأرباحا فلكية وراء هذه المسميات.


وواصل: طلبنا من وزارة التربية والتعليم أن يكون التقديم عبر الإدارات التعليمية وبالفعل أعلنت الوزارة عن استجابتها وقالت إن التقديم سيكون عبر الانترنت مع إلغاء فكرة الأبليكيشن باعتبارها غير قانونية ولكنه حتى الآن لم يحدث أي شيء، مضيفا الأزمة تتلخص في أنه لا يمكن إثبات مخالفة المدارس الخاصة في هذه الجزئية لأنه لا يوجد إيصال رسمي يثبت دفع قيمة الابليكيشن.


وأشار صفوت إلى أن المصاريف تتحكم فيها المدارس الخاصة دون رقابة من وزارة التربية والتعليم، وتسير دون علاقة بالنسب التى حددتها الحكومة، موضحا أن المدارس الخاصة في مصر تنقسم إلى ثلاث شرائح تتراوح أعدادها من 8 آلاف إلى 10 آلاف مدرسة بمصر.


وأضاف أن الشريحة الأولى وتمثل المدارس الدولية فإن مصروفاتها تبدأ من 70 ألفا إلى 500 ألف في السنة وحددت الوزارة نسبة زيادتها السنوية من 7 إلى 9%، أما الشريحة الثانية فهى مدارس الناشونال والتى تتراوح مصروفاتها من 6 آلاف إلى 30 ألف وتم تحديد الزيادة من 10 إلى 15%.


وواصل: أما الشريحة الثالثة فإنها تضم المدارس الأهلية والجمعيات والتى تتراوح فيها المصروفات من ألفين جنيه وحتى 6 آلاف وحددت وزارة التربية والتعليم بنسبة 25% وهي مدارس غير موجودة في مصر حاليا، مضيفا أن المدارس ترفع هذه المصروفات بشكل جنوني دون النظر للنسبة المحددة من وزارة التربية والتعليم لكل شريحة خاصة أن أصحاب هذه المدارس رجال أعمال.


من ناحيته، قال عبد الحفيظ طايل، رئيس مركز الحق في التعليم، إنّ الأزمة الأساسية المرتبطة بالتقديم في المدارس الحكومية هي إصرار وزارة التربية والتعليم على الإجراءات البيروقراطية.


وأضاف «طايل» لـ«النبأ» أنه عند التقديم أو حتى التحويل بين المدارس يفاجئ ولى الأمر بطلب عمل حوالة بريدية بمبلغ 10 جنيهات والتى يضطر معها الآباء الانتظار بالساعات أمام المكاتب البريدية في طوابير مرهقة.


وأشار إلى أنّ هناك أزمة أخرى مرتبطة بعدم توحيد الشباك والإجراءات وكذلك التقسيم الجغرافي وعمر المتقدم، متابعا فعلى الرغم من وجود بوابة إلكترونية تتطلب التقديم إلكتروني إلا أن الوزارة تطلب طبع الاستمارة وإرفاقها بملف التقدم للمدرسة باليد.