رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

نحو اقتصاد أخضر كمسار هام للتنمية المستدامة

الأستاذ الدكتور سعيد
الأستاذ الدكتور سعيد البطوطي

بقلم الأستاذ الدكتور سعيد البطوطي
أستاذ الاقتصاد بجامعة فرانكفورت وعضو لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا والسياحة والاستدامة بمنظمة السياحة العالمية

شهد العالم خلال الأعوام الماضية العديد من التغيرات الحادة سواءً على المستوى السياسي أو المستوى الاقتصادي على حدّ سواء، وللأسف كانت تلك التغيرات سلبية، وخير مثال على ذلك المنطقة العربية والتي كانت أكثر المناطق تأثراً وإرهاقاً وزيادةً في الأزمات المتزامنة وانخفاض معدلات الاستثمار والنمو والانحسار في الطلب السياحي وزيادة معدلات الفقر والبطالة وهو بالطبع ما يغذي الاضطرابات والنزاعات وعدم الاستقرار. 

والمنطقة العربية تحوي تعددًا وتنوعًا هائلًا من المقومات الاقتصادية والموارد الطبيعية والتي لو أحسن استغلالها بشكل تكاملي ووفق خطط تجارية مرنة وعلمية مدروسة فسوف تساهم بشكل كبير في تغيير الواقع العربي ونفوذه الدولي.

إن العالم الآن في تغير مطرد يتسم بالتكتلات والاندماجيات وتبادل المصالح مهما اختلفت الأيدولوجيات واللغة والرُؤى السياسية، وخير دليل عل ذلك الاتحاد الأوروبي والذين يجلسون معا في جميع اجتماعاتهم بسماعات الترجمة لكي يفهم بعضهم بعضاً، فما بالك بعالم يتحدث لغة واحدة ويجمعهم تاريخ واحد ومصير مشترك !!!!!

وبالعودة إلى موضوع الحديث عن الاقتصاد الأخضر، فقد دَفَع ظهور أزمات عالمية ممتدة ومترابطة خلال العقود الأربعة الماضية إلى إجراء تحليل تفصيلي للنماذج الاقتصادية الحالية ولمدى قدرتها على زيادة الرفاه البشري والمساواة الاجتماعية، وكذلك لعدم الاستدامة المتأصل في طريقة التفكير المتمثلة في ترك الأمور على حالها. 

والمقاييس التقليدية للأداء الاقتصادي، التي تركز تركيزاً كبيراً على الناتج المحلي الإجمالي ولا تُظهر التفاوتات الاجتماعية المتزايدة والمخاطر والمسؤوليات البيئية المرتبطة بأنماط الاستهلاك والإنتاج الراهنة. إذ يستهلك النشاط الاقتصادي في الوقت الحاضر كمية من الكتلة الأَحيائية تفوق قدرة الأرض على إنتاجها بصورة مستدامة، مما يقوض خدمات النظم الإيكولوجية التي تشكل عنصراً رئيسياً من مقومات حياة الفقراء، ويؤدي من ثَم إلى استمرار وتفاقم الفقر والتفاوتات الاقتصادية. 

كما تسبب هذا النشاط في آثار خارجية مثل التلوث وتغير المناخ وندرة الموارد الطبيعية التي تهدد ما للأرض من قدرة إنتاجية على توليد الثروة وضمان الرفاه البشري.

وقد ظهر مفهوم’’ الاقتصاد الأخضر‘‘ استجابة لهذه الأزمات المتعددة. وهو يسعى إلى تحويل المحركات الدافعة للنمو الاقتصادي ويدعو إلى نقل المجالات التي تركز عليها الاستثمارات العامة والخاصة، المحلية والدولية، صوب القطاعات الخضراء الناشئة، وإلى خضرنة القطاعات القائمة وتغيير أنماط الاستهلاك غير المستدامة. 

ويُنتظر أن يُوَلِّد هذا التحول النمو الاقتصادي المستمر اللازم لإيجاد فرص العمل والحد من الفقر، إلى جانب تقليل كثافة استخدام الطاقة واستهلاك الموارد وإنتاجها.

والفرص التي يوفرها الاقتصاد الأخضر قد تتفاوت من بلد لآخر، فبالنسبة للبلدان المتقدمة قد يكون الاقتصاد الأخضر فرصة لفتح مسارات جديدة لإيجاد فرص العمل إلى جانب الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري وزيادة كفاءة الموارد، أما بالنسبة للاقتصاديات الناشئة فيمكن للاقتصاد الأخضر أن يوفر فرصاً لوضع اقتصادها على مسار إنمائي قائم على انبعاث كربوني منخفض وعلى كفاءة الطاقة والموارد، وأن يوفر لها ميزة نسبية في السوق العالمية، إلى جانب كفالة استدامة النمو السريع لتلبية تطلعاتها الإنمائية. 

وفي كثير من البلدان النامية، ولا سيما البلدان المنخفضة الدخل، يمكن أن يشكل الاقتصاد الأخضر فرصة لتخطي مراحل إنمائية وتطبيق تكنولوجيات متقدمة، ولكن ملائِمة محلياً، من أجل تحقيق الأمن الغذائي، وكفالة حصول المناطق الريفية على الطاقة، وتوفير إمدادات المياه النظيفة والمساكن ومرافق الصرف الصحي والنقل العام، وهي أمور يمكن أن تُوجِد فرص عمل وتسهِم في القضاء على الفقر.

وقد أخذ الاقتصاد الأخضر "تخضير الاقتصاد العالمي" بُعداً دولياً بعد قمة الارض التي عقدت عام 1992م في ريو دي جانيرو بالبرازيل خاصةً بعد أن وصل انبعاث التلوث الصناعي إلى مستوي يُنذر بالخطر الداهم علي كوكب الارض بأَسره، حيث وصلت الانبعاثات من الغازات السامة كأول أُكسيد الكربون Carbon Monoxide CO وأول وثاني أُكسيد النيتروجين NO & NO2 وغاز الكلوروفلوروكربون CFC إلى 30% وهذا أَوجَد حالةً من الرُّعب الدولي، حيث الخطر الداهم بات قريباً وأصبح يهدد حياة الأجيال الحالية والمقبلة. لذا كان يلزم البدء فوراً في تبني تحويل جميع الأنشطة الاقتصادية التقليدية إلى أنشطة تخدم رفاهية ومستقبل الإنسان وتراعي حق الأجيال المقبلة في المعيشة الكريمة بتوفير حياة صحية تتنفس هواءً نظيفاً وتشرب ماءً عذباً ومعالجة الصرف الصحي وأضرار البيئة المختلفة، بمعني آخر تطويع الصناعة لتوازي النهضة الصناعية مع مراعاة التوازن البيئي وعدم الإخلال به، حيث أن مظاهر هذا الخلل موجودة بالفعل وقد بدأت بعض الظواهر على ذلك ولكن الاقتصاد الأخضر الذي بدأته الدول الأوروبية يحارب وصول الارض إلى مستوي التصحر المتوقع نتيجة تلوث الأرض بالانبعاثات التي تقوم بعملية القضاء علي التنوع البيولوجي الذي يؤدي إلى تقليل معدل خصوبة الأرض بقتل جزء كبير من الكائنات المسئولة عن تجديد نسبة الأكسجين بها.. 

وكذلك اتساع نطاق ثقب الأوزون والذي يعني وصول نسبة من الأشعة فوق البنفسجية الي الأرض أعلى من النسبة الطبيعية والتي تساعد على إحداث هذا الخلل في التوازن البيئي، حيث تقضي على الكائنات البيولوجية المسئولة عن تخصيب التربة، بل وما لا يتخيله الكثيرون أن زيادة الانبعاثات من أول وثاني أُكسيد الكربون والأشعة فوق البنفسجية تؤدي إلى خلل بيولوجي سواءً للإنسان أو لباقي الكائنات الحية في منظومة الطبيعة التي خلقها الله تعالى.

وبالنسبة لقضية المياه وارتباطها بالتصحر فالارتباط وثيق والمعادلة صعبة فلا يمكن أن نظل نغفل الزيادة السكانية وحاجتها المطردة للمياه في الوقت الذي لا نحافظ فيه على مصادر المياه ونحسن إدارتها خاصةً في المناطق الفقيرة لتجنب التصحر الذي يهدد أراضيها بصورة كبير، ولا أن نضع في اعتبارنا الاستفادة من مياه الأمطار ولا نستفيد الاستفادة المثلى من تدوير المياه، وكذلك عدم السعي إلى الاستفادة من المياه في تخليق زراعات تفيد الانسان من الناحية العضوية.

قضية أخرى هامة وهي إيجاد فرص عمل خضراء عنصر مركزي للاقتصاد الأخضر وهو يتيح بذلك فرصة قيَّمة لجميع البلدان. وتبين البحوث التي أجراها برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنه في حالة استمرار النهج الخاص بترك الأمور على حالها فإن النتيجة يمكن أن تتمثل في تضاؤل أمان فرص العمل، وحدوث خسائر صافية يمكن تجنبها في حالة اتباع سيناريو الاقتصاد الأخضر. ومن جهة أخرى، يمكن أن يؤدي تنويع الاقتصاد والتركيز على أشد الناس ضعفاً، مثل النساء والشباب والعمال غير النظاميين والعاطلين إلى إيجاد مزيد من فرص العمل وتحقيق نمو اقتصادي شامل وتنمية مستدامة.

الاقتصاد الأخضر يساعد على توفير السبل إلى زيادة القدرة على خفض مستوى الفقر وعدم المساواة داخل البلدان وعبرها إلى الحد الأقصى. وستوفر الاستثمارات الخضراء في قطاعات محددة فرص العمل والإنتاج وتنظيم المشاريع. وتشمل هذه القطاعات قطاعات يُرجح إلى حد أكبر أن توفر للفقراء سبل المعيشة مثل الزراعة وصيد الأسماك والغابات والموارد الطبيعية الأخرى، إضافةً إلى التشييد والهياكل الأساسية للنقل وقطاعات أخرى حضرية في الأساس، وقطاعات تكون فيها العمالة غير الماهرة واليدوية مهمة.

وهناك ارتباط واضح بين تخفيف حدة الفقر والإدارة الناجحة للموارد الطبيعية والنظم البيئية. وتوفر خدمات النظام الإيكولوجي، على سبيل المثال بين 47 و90 في المائة مما يُعرف بـ’’الناتج المحلي الإجمالي للفقراء‘‘. 

وفي بعض البلدان مثل البرازيل والهند وإندونيسيا ساهمت القطاعات القائمة على الموارد الطبيعية مثل الزراعة ومصائد الأسماك والغابات بما يقدر بـ 6 في المائة و17 في المائة و11 في المائة على التوالي من الناتج المحلي الإجمال. 

بيد أنه عند قياس الجزء الكامل من مساهمة خدمات النظام الإيكولوجي في إجمالي دخل الفقراء وُجد أنه يمثل 90 في المائة و75 في المائة و47 في المائة على التوالي من إجمالي حجم النشاط الاقتصادي للفقراء، الذي يشمل الأنشطة النقدية وغير النقدية في هذه البلدان. 

وليس هناك داعٍ للمبالغة في تقدير أهمية الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر بالنسبة لأولئك الأكثر اعتماداً على الموارد الطبيعية. ويمكن للاستثمار في رأس المال الطبيعي كمصدر للنمو الاقتصادي والرفاهية أن يعالج مشكلة الفقر بأشكاله المختلفة، وليس فقط الفقر في الدخل، وذلك من خلال توفير الغذاء والرعاية الصحية. وثمة مساهمة أخرى مهمة يمكن للاقتصاد الأخضر أن يقدمها للفقراء وهي تأمين الحصول على طاقة نظيفة وموثوقة. 

وتشير دلائل متزايدة إلى أن ضمان تمتع الفقراء بالحصول على الطاقة يمكن أن تنتج عنه فوائد ذات أبعاد متعددة تتراوح من نتائج مهمة تتعلق بالدخل والتعليم والصحة إلى رفاه المرأة. وعلى نحو متزايد تثبت أنظمة توليد الطاقة خارج نطاق شبكة التوزيع، التي تستخدم موارد متجددة أنها تمثل حلاً عملياً لتزويد المناطق الريفية في البلدان النامية بالكهرباء. علاوةً على ذلك فإن توسيع نطاق الكهرباء الريفية على هذا النحو يمكن أن يساعد في تعزيز الروابط بين الأنشطة الزراعية والأنشطة غير الزراعية في المناطق الريفية مما يحفز التنمية ويقلل من حدة الفقر.

وعلى نحو مماثل، فإن الاستثمار المتواضع في تخضير الزراعة وتحسين الإنتاجية الزراعية يمكن أن تكون له آثار كبيرة على الرفاه. ويعتمد حوالي 2,6 مليار شخص في العالم على الزراعة كمصدر للدخل تعيش الغالبية العظمى منهم في مزارع صغيرة وفي مناطق ريفية على أقل من دولار واحد في اليوم. 

ولذلك فإن زيادة الإنتاج الزراعي مع تحسين خدمات النظام الإيكولوجي (التي يعتمد عليها الفقراء بصورة مباشرة أكبر للحصول على الغذاء والدخل)، يمكن أن يؤدي دوراً هاماً في خفض مستوى الفقر. 

وعلى سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن كل زيادة بمقدار 10 في المائة في الغلة الزراعية يصحبها انخفاض بنسبة 7 في المائة في مستوى الفقر في أفريقيا وأكثر من 5 في المائة في آسيا. كذلك تشير الدلائل إلى أن تطبيق الممارسات الزراعية الخضراء قد أدى إلى زيادة الغلة إلى ما بين 54 و179 في المائة، خصوصاً في المزارع الصغيرة.

وعلى نطاق عالمي، فإن إعادة توزيع فوائد النمو من خلال توفير خدمات عامة عادلة وعالية الجودة، مثل الرعاية الصحية والتعليم والماء والصرف الصحي والحماية الاجتماعية، يعزز مهارات وإنتاجية الفقراء الذين يمكنهم بدورهم المساهمة في النمو عند تزويدهم بالأصول والموارد التي تسمح لهم بالمشاركة على نحو فعال في عملية التنمية. 

إن التركيز الفعال على النساء والأشخاص المعزولين اجتماعياً والمجموعات السكانية التي يصعب الوصول إليها الذين قد يحتاجون لمساعدة خاصة للحصول على فرص العمل والخدمات الجيدة، قد يكون له آثار هامة مضاعفة تؤثر بشكل إيجابي على العديد من أبعاد الرفاهية. 

فعلى سبيل المثال، تميل الأمهات المتعلمات إلى أن يكون لديهن أطفال يتمتعون بتغذية وتعليم أفضل. ولذلك فإن الاستثمار في رأس المال البشري هو عنصر هام من عناصر الاستثمار في الاقتصاد الأخضر الشامل.

وتمثل أنظمة الحماية الاجتماعية أيضاً عوامل تثبيت اقتصادي واجتماعي فعالة لأنها تعالج الاحتياجات المالية والمشاكل الاجتماعية وعمليات التكيف الاجتماعي والاقتصادي وتخفف من تأثير الكوارث، ولذلك فإن الحماية الاجتماعية يجب أن تكون في قلب التحول العادل نحو اقتصاد مراعٍ للبيئة وسهل التكيف مع المناخ. 

وللاستثمار في نظام وطني للحماية الاجتماعية آثار اقتصادية إيجابية لأنه يمكن المجتمعات من الاتجاه نحو تنمية قدراتها الإنتاجية الكاملة. إن هذه الأنظمة أساسية في إيجاد مجتمع سكاني يتمتع بصحة كافية وتغذية جيدة ومثقف ويحظى بفرص وظيفية أكبر في الاقتصاد الرسمي. 

كذلك تساهم هذه الأنظمة في التعافي بصورة فعالة من الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والطبيعية التي تؤثر على صحة الإنسان ودخله وأمنه الغذائي ومأواه. إضافةً إلى ذلك فإن الحماية الاجتماعية، بوصفها شبكة سلامة، تدفع تحمل المخاطر وأنشطة تنظيم المشاريع التي هي ضرورية لتحقيق تحول منهجي نحو اقتصاد أخضر.

والاقتصاد الأخضر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بصناعة السياحة، حيث تمثل صناعة السياحة جزءً كبيراً من الناتج المحلي الإجمالي العالم 10,4 %، فخلال عام 2018 بلغ عدد السائحين على مستوى العالم 1403 مليون سائح (مليار و 403 مليون سائح) سائح أنفقوا حوالي 1448 مليار دولار على الأنشطة السياحية المختلفة إضافةً إلى 564 مليار دولار  إنفاق على النقل الجوي، بل أن الإحصائيات تشير إلى أن صناعة السياحة ساهمت بقيمة إجمالية بلغت 8,8 ترليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي العالمي Global GDP ووفرت فرص عمل لما يقرب من 319 مليون شخص، لذا فقد أصبحت السياحة من القطاعات الإنتاجية الهامة في اقتصاديات العديد من دول العالم ، حيث تعتمد عليها هذه الدول كمصدر أساسي من مصادر الدخل القومي فأصبحت صناعة السياحة ترتبط ارتباطاً كبيراً ومباشراً بالتنمية الاقتصادية للدول المستقبلة للسياحة. 
وبما أن هذا الدخل السياحي يتغلغل بسرعة وبطريقة مباشرة ذات قاعدة توزيع عريضة في الاقتصاد القومي، فبالتالي ينتج عنه تلقائيا انسياباً واسعاً متراكباً ودائرياً في الدخول المترتبة على النشاط السياحي في كافة مراحل البيع بالتجزئة والجملة وفى قطاعات النقل ومختلف مكونات القطاع السياحي وسائر المرافق والخدمات والمعاملات المترتبة على الإنفاق الاستهلاكي.

وبما أن السياحة سوق قابل للتوسع فإنها تفتح آفاقاً لزيادة النشاط الاقتصادي داخل المجتمعات المستقبلة لها نتيجة للزيادة المطردة الحادثة في دخول الأفراد والأُسَر والتي يتم استثمارها تلقائياً في أنشطة اقتصادية أخرى تنعش الحركة الاقتصادية داخل تلك المجتمعات.
كما أن صناعة السياحة تعتبر أداة فعالة ومؤثرة في النظام العام تتمثل في خلق تكامل اجتماعي وحضاري على المستويين القومي والدولي، وكذا فإنها سبيل فعال لتنمية صناعات أخرى حيث تأكد أن هناك حوالي 70 صناعة أخرى مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بصناعة السياحة وتتأثر تأثيراً مباشراً بها، حيث تزدهر بازدهارها وتتأثر سلبياً بانحسارها.

وللسياحة تأثيرات اجتماعية هامة تتمثل في تعميق العلاقات بين السائحين والمواطنين في المناطق المستقبلة للسياحة، وتشجيع الاقتراض الاجتماعي والتبادل الحضاري بينهما، مما يؤدى إلى بناء جسور العلاقات الطيبة والتعاون بين الأمم. كما أن السياحة تساهم بشكل كبير في تنمية ورفع مستوى المناطق الطبيعية البعيدة عن العمران والمحرومة من محاور التنمية الصناعية، مما يؤدى إلى رفع المستوى الاقتصادي لسكان تلك المناطق لتدفق الإنفاق السياحي عليها، وبالتالي رفع المستوى الاجتماعي والحضاري وإحياء العادات والتقاليد لديهم وتعميق انتمائهم وهو ما تفتقده العديد من المجتمعات. 

إضافة إلى ذلك كله فالنشاط السياحي له دور كبير في المحافظة على الموارد السياحية الرئيسية في المناطق المستقبلة للحركة السياحية سواءً كانت موارد طبيعية أو من صنع الإنسان، وتنمية القيمة الحضارية لفن العمارة والبناء وإذكاء الروح الوطنية في تحسين الظروف الصحية في مختلف المناطق في تلك الوجهات السياحية، إضافةً إلى تحفيز السلطات المحلية على تجميل الأحياء والمدن والقرى ونظافتها لكى تبدو جذابة في عيون الزائرين، والعمل على إحياء التقاليد المعمارية المحلية بشرط أن تحترم الخصائص الذاتية للإقليم والتراث والبيئة الحضارية وإعادة بعث الفنون المحلية والمصنوعات اليدوية والنشاطات الحضارية في مختلف المناطق المستقبلة للسياحة، وإعادة بعث طريقة الحياة الاجتماعية والحضارية للسكان المحليين في المناطق السياحية البعيدة عن العمران وتشجع وتسهيل التحرك الاجتماعي وتنقل الكثير من العاملين في القطاع الزراعي إلى العمل في قطاعات الخدمات الأخرى مما يساعد على تقليل الفوارق بين الدخول وزيادة فرص التعليم والتدريب ، ورفع مستوى الخدمات وبالتالي رفع مستوى الحياة بوجه عام. 

يضاف إلى ذلك كله الدور الكبير للسياحة في إعمار الصحراء والمناطق النائية وإدارة عملية التنمية الإقليمية المتوازنة والتي هي أحد الأضلاع الرئيسية لقضية السكان (انتشار البشر على الأرض) كواحدة من أبرز تحديات التقدم.