رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

معنى أن يعود السجين لبيته

عماد الدين حسين
عماد الدين حسين

قرار النيابة العامة مساء الاثنين الماضى، بإخلاء سبيل السفير معصوم مرزوق ورائد سلامة ويحيى القزاز ونرمين حسن وعبدالفتاح الصعيدى البنا، خطوة فى الاتجاه الصحيح، ينبغى الترحيب والإشادة بها، والمطالبة بالمزيد من هذه الخطوات، بغض النظر عن الجدل بشأن الموضوع بأكمله من أول القبض عليهم نهاية بقرار الإفراج عنهم. وفى نفس اليوم أيضا صدرت قرارات طيبة بإخلاء سبيل متهمين آخرين فى بعض القضايا.

وفجر الجمعة الماضى أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قرارا بالإفراج عن حوالى ٥٦٠ شخصا من المسجونين السياسيين، كان من بينهم الكاتب الصحفى الكبير والصديق عبدالحليم قنديل، ومجموعات متنوعة من المسجونين.

سيقول البعض: ما هذه الحالة الغارقة فى المثالية التى تتحدث بها، هل أنت تعيش فى المريخ، ولا تدرك الواقع حولك، وتنظر إلى الآلاف الموجودين فى السجون؟!

والإجابة ببساطة إننى لست ساذجا لأعتقد أن كل مشاكل مصر تم حلها بقرارات إخلاء السبيل الأخيرة، وأنظر للأمر فى إطاره الطبيعى، وأراه فى النهاية خطوة إيجابية ينبغى الإشادة بها.

صرت أفكر بصورة عملية وهى أن خروج أى مسجون أو محبوس محكوم عليه، أوعلى ذمة المحاكمة، أو بصورة احتياطية فى كل القضايا المتعلقة بالرأى هو أمر طيب جدا، علينا أن نحييه ونفرح له، طالما أن المسجون غادر السجن وعاد لبيته وأهله، وبعدها فلنتجادل كما نشاء فى أى قضايا أخرى.

بعض الناس خصوصا من الحنجوريين لا يتخيلون معنى السجن والمعاناة التى يلاقيها المسجونون والعذاب الذى يتحمله أهلهم وأقاربهم وأصحابهم.

صرت مقتنعا أكثر أن خروج أى مسجون أو محبوس يخفف بعض الاحتقان، ويلغى ورقة يستخدمها المتطرفون أو الإرهابيون.

سوف يتهمنى البعض بأننى أروّج من خلال هذه السطور للإفراج عن الارهابيين الملطخة أيديهم بالدماء، والاجابة هى لا بالمطلق.

لا يمكن لعاقل أن يتعاطف مع المسجونين فى قضايا العنف والإرهاب، الذين حرضوا أو خططوا أو نفذوا عمليات إرهابية. هؤلاء ينبغى أن ينالوا عقابهم بالكامل، طالما تمت إدانتهم بصورة قانونية.

لكن ما أتحدث عنه اليوم هم أولئك المقبوض عليهم ويخضعون للتحقيق، أو تمت إدانتهم فى قضايا تتعلق بإبداء الرأى، ولديهم مواقف سياسية تختلف مع الحكومة.

هؤلاء أتمنى أن يتم الإفراج عنهم جميعا وأن تبدأ الحكومة والنظام وأجهزة الأمن معهم صفحة جديدة تماما.

خروج أى مسجون متهم فى قضية سياسية تتعلق بالرأى، تعنى ببساطة مكاسب لكل الأطراف. وجوده فى السجن يعنى أن كل أهله وأقاربه ومحبيه، صاروا ضد الحكومة. وحينما يتم الإفراج عنه، تهدأ نفوسهم وينسون الأمر، بمرور الوقت.

وهى مكسب كبير للحكومة، لأنها تعنى أنها نزعت فتيل الغضب والكراهية الموجودة فى صدر المسجون وأهله، وسوف ترتاح أجهزتها من صداع هذا الشخص وقضيته وتركز على الإرهابيين الكبار.

الغيوم فى سماء المشهد السياسى المصرى كثيرة جدا، لكن وسط كل هذا هناك بارقة أمل هى عمليات الإفراج التى تمت فى السنوات الأخيرة، خصوصا تلك التى أنجزتها اللجنة التى شكلها رئيس الجمهورية عقب مؤتمر الشباب الأول فى شرم الشيخ عام ٢٠١٦. أتمنى أن يستمر هذا المنهج، وأتمنى أن تدرس الحكومة مقترحا أساسيا، بأن تكون القاعدة هى الإفراج عن كل من يثبت أنه لم يتورط فى عنف أو إرهاب، حتى لو كان فى إطار التدابير الاحترازية لمن تعتقد الحكومة أنه خطير.

كل شخص يخرج من السجن وينام فى بيته، هو نزع لفتيل قنبلة غل وغضب وكراهية ويأس وتفكير فى ثأر. وبالتالى أتمنى أن تستمر عمليات الإفراج بنفس المعدل الأخير، الذى يعتبر الأعلى على الإطلاق منذ ٣٠ يونيو، سواء عدديا أو نوعيا. وفى هذا الصدد أتمنى أن تعيد أجهزة الأمن التفكير فى ملف الصحفيين الموجودين بالسجون وتفرج عن كل من لم تتلطخ يداه بالدماء.

مرة أخرى حتى لا يزايد علىّ البعض، لا أتحدث بالمرة عن أولئك الذين شاركوا فى عمليات عنف أو إرهاب أو حرضوا عليها. أتحدث عن الذين اختلفوا مع الحكومة، بالتظاهر أو الكتابة أو الرأى أو الفكر. وجود هؤلاء خارج السجن يجعل الحكومة تحقق العديد من المكاسب أهمها عدم استغلال المتطرفين لهؤلاء المساجين. والأهم أنه يفتح نافذة ضوء فى سماء السياسة الملبدة فى الفترة الأخيرة.

شكرا لكل من ساهم فى عمليات الإفراج الأخيرة خلال الأيام الماضية.

نقلا عن "الشروق"