رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الأسئلة الشائكة حول الحساب يوم القيامة ومصير مرتكبى الذنوب الصغرى والكبرى

تعبيرية
تعبيرية


اشتعلت حالة من الجدل بين المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي، بخصوص طرق وخطوات حساب المسلمين يوم القيامة، وأن العصاة منهم لن يكون مصيرهم النار، وخاصة غير الملتزمين بارتداء الحجاب من السيدات، وكذلك الزاني، وشارب الخمر، خاصة إذا كان هذا الشخص ملتزمًا في الكثير من معاملاته مع الآخرين لاسيما المعاملة الحسنة للوالدين والصدق والأمانة.


وحول الحساب يوم القيامة وموقف المذنبين والعصاة، وعلامات معرفة الإنسان بأنه من أهل الجنة أو النار، «النبأ» تجيب في التقرير التالي عن تلك الأسئلة الشائكة.


يقول الدكتور محمد مسلم، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، إن السيدة غير المحجبة تحت مشيئة الله في الآخرة إن شاء عذّبها وإن شاء غفر لها، ولو دخلت النار في الآخرة فإنها لا تخلد فيها، ولا يستطيع أحدٌ من الناس أن يجزم بمصيرها من ناحية وقوع العذاب عليها أو عدم وقوعه لأنّ هذا أمر مردّه إلى الله وعلمه عنده سبحانه وتعالى، إلا أن المؤكد أنها عصت الله في طاعته بالالتزام بالحجاب وغيرها من الأمور المكروهة والمحرمة في الدين.


وأشار إلى أن الذنوب تنقسم إلى قسمين (صغيرة - وكبيرة) فالصغيرة تكفّرها الصلاة والصيام والأعمال الصالحة، والكبيرة (وهي التي ورد فيها وعيد خاص أو حَدٌّ في الدنيا أو عذاب في الآخرة) فلا تكفّرها الأعمال الصالحة؛ بل لابد لمن وقع فيها أن يحدث لها توبة نصوحًا، ومن تاب تاب الله عليه، والكبائر أنواع كثيرة منها مثلًا (الكذب والزنا والربا والسرقة وترك الحجاب بالكلية ونحوها).


وأكدّ أنه لا يمكن الجزم بأن من تركت الحجاب سوف تدخل النار، ولكنها مستحقّة لعقوبة الله لأنها عصت ما أمرها به، وأما مصيرها على التعيين فالله أعلم به، وفي المقابل فإن من أطاعت ربها فيما أمرها به، ومن ذلك الالتزام بالحجاب الشرعي، فإننا نرجو لها الجنة والفوز بها والنجاة من النار وعذابها.


وأضاف أن العصاة كقاتل النفس بغير حق والزاني والعاق لوالديه وآكل الربا وشارب المسكر إذا ماتوا على هذه المعاصي وهم مسلمون، وهكذا أشباههم هم تحت مشيئة الله كما قال سبحانه: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فإن شاء جل وعلا عفا عنهم لأعمالهم الصالحة التي ماتوا عليها وهي توحيده وإخلاصهم لله وكونهم مسلمين أو بشفاعة الشفعاء فيهم مع توحيدهم وإخلاصهم. وقد يعاقبهم سبحانه ولا يحصل لهم عفو فيعاقبون بإدخالهم النار وتعذيبهم فيها على قدر معاصيهم ثم يخرجون منها، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه يشفع للعصاة من أمته، وأن الله يحد له حدا في ذلك عدة مرات، يشفع ويخرج جماعة بإذن الله ثم يعود فيشفع، ثم يعود فيشفع، ثم يعود فيشفع عليه الصلاة والسلام (أربع مرات)، وهكذا الملائكة وهكذا المؤمنون وهكذا الأفراط (وهم الأولاد الذين ماتوا قبل البلوغ) كلهم يشفعون ويخرج الله سبحانه من النار بشفاعتهم من شاء سبحانه وتعالى ويبقى في النار بقية من العصاة من أهل التوحيد والإسلام فيخرجهم الرب سبحانه بفضله ورحمته بدون شفاعة أحد، ولا يبقى في النار إلا من حكم عليه القرآن بالخلود الأبدي وهم الكفار.


وعن علامات معرفة العبد قبول أعماله وأنه سيكون من أهل الجنة أو النار، قال أستاذ العقيدة، إن أسباب حسن الخاتمة كثيرة متعددة، منها: الاستقامة على طاعة الله، وحسن الظن بالله، والصدق، والتقوى، والتوبة، وذكر الموت وقصر الأمل، والإقبال على الآخرة، ومصاحبة أهل الخير والصلاح.


أما العلامات التي تدل على سوء حاله وسوء خاتمته، فمنها أن يموت العبد وهو سيئ الظن بالله تعالى، أن يختم له بعمل غير صالح فيموت على معصية الله، كترك الصلاة أو شرب الخمر أو الزنا، أن يُصرف عن التوبة ولا يوفق لها، فيتمادى في غيه وضلاله ولا يرعوي عن فعل المنكر حتى يموت عليه، وأن يُجمع له بين العمل السيئ في الدنيا وبين ما يظهر على وجهه من أمارات سوء الخاتمة من إسوداد وجهه وعبوسه وظلمته، أو رفضه النطق بالشهادتين وانصرافه إلى التكلم بما كان عليه حاله في الدنيا من السوء والفساد، ونحو هذه الأمور، وأن يتهاون آخر عمره بالفروض والواجبات بدعوى المرض وعدم الاستطاعة؛ فيضيع فرائض الله بتهاونه وسوء عمله، وأخيرا أن يكثر الناس من الثناء السيئ عليه بعد موته.


في السياق ذاته قال الشيخ أحمد صابر الداعية بالأوقاف، إن يوم القيامة هو يوم عظيم جاء ذكر مراحله ومشاهده في القرآن الكريم دون معرفة وقت حدوثه، ومن هذه المراحل، مرحلة العرض والسؤال وهو الوقوف بين يديّ الله تبارك وتعالى، فيعرض الناس على ربهم صفًّا صفًّا، ثم يسألهم الله عز وجل عن جميع أعمالهم ويحكم بينهم بالعدل.


أخذ كتب الأعمال بعد انتهاء العرض والسؤال، من الناس من يأخذ كتابه بيمينه وهو المؤمن الطائع الذي يفرح بأعماله الصالحة ويتباهى فيها، ومن الناس من يأخذ كتابه بشماله وهو الكافر الذي يحزن ويستاء لأعماله السيئة ويتمنى أنّه لم يرها، ثم مرحلة الحساب والميزان، وفيها يبدأ حساب الله تعالى للعباد فيُعلمهم ما عملوا في الدنيا وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم وسمعهم وأبصارهم وألسنتهم وكافة جوارحهم، ثم ينصب الله تعالى ميزان ذا كفتين وتوضع الأعمال الصالحة في كفة والأعمال السيئة في الكفة الأخرى، ليكون الجزاء بمقدارها، فمن صلحت أعماله ثقلت موازينه وكان من الناجين، ومن ساءت أعماله خفت موازينه وكان من الهالكين، ثم مرحلة الصراط وهو جسر منصوب فوق جهنم يمر عنه جميع الناس، فالمؤمنون الصادقون يمرون عليه بسرعة البرق الخاطف، دون أن يصيبهم أي مكروه، أما الكافرون فلا يستطيعون تجاوزه فيقعون في جهنم.


وتابع: ومرحلة "الحوض" وهو مكان عظيم مليء بالماء الذي يأتي من نهر الكوثر في الجنة، يكرم الله تعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليسقي منه المؤمنين بعد التعب الذي شهدوه من أهوال يوم القيامة، وأوّل من يشرب منه هو سيدنا محمد ثم تأتي أمته فيشربوا منه ما عدا الذين انحرفوا عن هَدْي نبينا محمد فإنّ الملائكة عليهم السلام يطردوهم، كما يتساءل الرسول الكريم عن سبب طرد الملائكة لهم فيجيبونه: (إنّك لا تدري ماذا أحدثوا من بعدك) فيقول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (سحقًا سحقًا لمن غيّر من بعدي).


وأخيرا: مرحلة الجنة والنار وهما آخر مراحل يوم القيامة فيدخل الجنة من آمن بالله عز وجل واتقاه وخاف مقامه وعمل الصالحات وابتعد عن المحرمات والمعاصي، وكانت الجنة جزاءه الأبدي، أما النّار فهي المكان الدائم للكفار والعصاة الذين عصوا الله وأنبياءه وكانوا يعملون المعاصي والسيئات والذنوب فكانت النار جزاء أعمالهم.


وأكد الشيخ أحمد صابر، أن حساب المؤمن يوم القيامة نوعان؛ الأول: هو حساب عرض، فيسأل عن كلٍ من عمله وعلمه، وعمّا أنعمه الله عليه من النعم، فتكون إجابته بما تثبت به حجته، وينشرح صدره، ويديم عليه نعم الله، وحين تُعرض ذنوبه عليه فإنه يقرّ بها، فيسترها الله عليه، ثم يتجاوز عنه، والمؤمن لا يدقق عليه في الحساب ولا يُناقش ولا يحقق معه، أما كتابه فيأخذه بيمينه، ويذهب إلى الجنّة مسرورًا، وما ذلك إلّا لنجاته من العذاب، وفوزه بالثواب.


أما النوع الثاني من الحساب: حساب مناقشة، وهذا حساب الله للكفار، ومن شاء من عصاة الموحدين، وقد يطول حسابهم ويعسر بحسب كثرة ذنوبهم، وهؤلاء العصاة من الموحدين يدخل الله منهم النار من شاء إلى أمد، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة إلى أبد.