رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مبادرة «الحزام والطريق» الصينية.. فرص هائلة على طرق وعرة

الرئيس السيسي ونظيره
الرئيس السيسي ونظيره الصيني


في خريف عام 2013، اقترح الرئيس الصيني شي جين بينغ بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، أو ما يعرف عالميا الآن باسم مبادرة الحزام والطريق، وهي مبادرة تنموية عالمية طموحة، تستهدف عالم أفضل من كل الجوانب اقتصاديا وتجاريا وإنسانيا وأمنيا وماليا وتقنيا وإيكولوجيا وحتى سياسيا، بما تحمله من أهداف جمة تصب في هذا الاتجاه.

على طول مسارات المبادرة من آسيا إلى أوروبا وإفريقيا والأمريكتين وأوقيانوسيا، تفتحت مساحة جديدة للاقتصاد العالمي بنتائج أفضل من المتوقع، مع أكثر من 150 دولة ومنظمة دولية وقعت على وثائق تعاون في إطار الحزام والطريق مع الصين.

تقدم مطرد

وفي السنوات الست الماضية، وبنهاية مارس 2019 تحديدا، وقعت الحكومة الصينية 173 اتفاقية تعاون مع 125 دولة، متقدمة ونامية، و29 منظمة دولية حول المبادرة، وفقا لأرقام اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح الصينية. 

وتجاوز حجم تجارة السلع بين الصين والبلدان والمناطق المشاركة في المبادرة 6 تريليونات دولار في الفترة من 2013 إلى 2018، طبقا لوزارة التجارة الصينية. 

ويزداد الاستثمار المباشر من الصين إلى دول المبادرة بشكل مستمر.

وتظهر البيانات أن الاستثمار المباشر غير المالي من قبل الشركات الصينية في البلدان الواقعة على طول مسارات مبادرة الحزام والطريق قد تجاوز 90 مليار دولار بمتوسط نمو سنوي بلغ 5.2 في المائة. وتجاوزت المشروعات الأجنبية الموقعة حديثًا 600 مليار دولار بمعدل نمو سنوي بلغ 11.9 في المائة. 

وطورت الشركات الصينية عدداً من مناطق التعاون الاقتصادي والتجاري في الخارج في دول عديدة على امتداد المبادرة، من بينها مصر، باستثمارات إجمالية بلغت أكثر من 30 مليار دولار حتى الآن.

وأصبح طريق الحرير الرقمي جزءًا مهمًا من مبادرة الحزام والطريق. 

وأطلقت الصين "مبادرة التعاون الدولي في مجال الحزام والطرق الرقمية" مع مصر ولاوس والمملكة العربية السعودية وصربيا وتايلاند وتركيا والإمارات العربية المتحدة. ووقعت اتفاقيات تعاون مع 16 دولة لتعزيز بناء طريق الحرير الرقمي.

وفي ضوء هذه الأرقام، يمكن أن تتبين الفوائد الهائلة للمشاريع التي تنشئ تحت المبادرة من حيث التنمية المستدامة وخلق فرص العمل للعمالة المحلية والمساهمة في إجمالي الناتج المحلي للدول المشاركة وتعزيز مستوى معيشة الشعوب، والأهم تحسين مستوى الترابط عبر الحدود وتسهيل التجارة والاستثمارات وغيرها.

ويحتل اتصال البنية التحتية مكانة عالية على جدول أعمال المبادرة. 

وفي ظل التزامها الثابت باحترام السيادة والشواغل الأمنية لجميع البلدان ذات الصلة، بذلت بلدان الحزام والطريق جهودا متضافرة لبناء إطار بنية تحتية شاملة ومتعددة المستويات تركز على طرق السكك الحديدية والطرق والشحن والملاحة وخطوط الأنابيب، وشبكات المعلومات الفضائية المتكاملة.

وفي هذا الصدد، أقيمت مشاريع كبرى قللت إلى حد كبير من تكاليف المنتجات وساعدت على تدفق رأس المال والمعلومات والتقنيات بين المناطق، وعززت بشكل فعال التدفق المنظم والتخصيص الأمثل للموارد مما عاد بتحقيق تعاون متبادل المنفعة وتنمية مشتركة بشهادة البلدان المختلفة.

وتم إحراز تقدم كبير في بناء مؤسسات وممرات التعاون الاقتصادي الدولية، نقصد هنا الممرات الرئيسية الستة للتعاون الاقتصادي الدولي للمبادرة والمتمثلة في الجسر البري الأوراسي الجديد، والصين - منغوليا - روسيا ، والصين - آسيا الوسطى - غرب آسيا ، وشبه جزيرة إندو تشاينا الصينية، والصين - باكستان، وممرات بنغلاديش - الصين - الهند - ميانمار الاقتصادية، ومن خلال ربط الدائرة الاقتصادية الآسيوية بالدائرة الاقتصادية الأوروبية، لعبت هذه الممرات دورًا مهمًا في تأسيس وتعزيز شراكات الاتصال بين الدول المشاركة وبناء سوق أوروآسي فعال وسلس.

وعلى الصعيد العربي، شهد تعاون الصين مع الدول العربية في إطار المبادرة دفعة قوية في السنوات الست الأخيرة، حيث وقعت 17 دولة عربية على اتفاقيات تعاون حول المبادرة مع الصين، وأصبحت 7 دول عربية من بينها مصر والإمارات والسعودية أعضاء مؤسسين في بنك الاستثمار الآسيوي للبنية التحتية، الذراع التمويلي المهم للمبادرة، ومع تكثف الزيارات رفيعة المستوى أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية بحوالي 200 مليار دولار، وأكبر شريك لعشر دول.

وفتحت المبادرة فرصا كثيرة أمام الاقتصادات العربية لجذب الاستثمارات الصينية وزيادة وارداتها إلى الصين في نفس الوقت. 

ومن التعاون في القدرة الإنتاجية والطاقة والبنية التحتية والفضاء والتكنولوجيا، يسير التعاون في بناء مناطق التعاون الاقتصادي والتجاري بين الدول العربية والصين بشكل مطرد في منطقة محور قناة السويس بمصر، ومجمع جازان الصناعي بالسعودية، والمجع الصناعي بالدقم في عمان، والحديقة النموذجية للتعاون في الطاقة الانتاجية في الإمارات، ومنطقة التكنولوجيا في المغرب وغيرها.

ومع سير العمل على النحو المرجو، سيتمكن الجانبان الصيني والعربي من ربط تلك المناطق الصناعية ببعضها، واستغلال مزاياهما في تعزيز روابط المصير المشترك ومواجهة التحديات التي تفرضها العومل التقليدية وغير التقليدية القديمة والمستجدة على الساحتين الاقليمية والدولية.

تحديات وصعوبات

حظيت مبادرة الحزام والطريق باستجابة واسعة من المجتمع الدولي منذ طرحها قبل ست سنوات. 

وتم دمجها في الوثائق الهامة للمنظمات الدولية. فتمت كتابة المبادرة ومفاهيمها الأساسية في وثائق من الأمم المتحدة ومجموعة العشرين وأبيك ومنظمات دولية وإقليمية أخرى.

ولكن مثل أي مشروع كبير، تواجه المبادرة حتما صعوبات وتحديات، منها:
أولا: نظرية التهديد الصيني وتحفظ بعض الدول عن المشاركة، فبالرغم من التوافق الدولي حولها، إلا أن هناك أصوات منتقدة للمشروع وتعتبرها تهديدا لمصالحها ومناطق نفوذها. 

ولم تشارك الولايات المتحدة في منتدى الحزام والطريق الثاني للتعاون الدولي الذي انتهى لتوه في بكين، كما لم تشارك الهند التي تنظر بارتياب للممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني وتعتبره تهديدا للسيادة الوطنية، بالرغم من أن الحفاظ على السيادة الوطنية مبدأ أساسي من مبادئ المبادرة التي ترفض التدخل في الشؤون الأخرى ووضع شروط تنموية مسبقة واحترام الخطط والتوجهات التنموية للدول للمشاركة.

ثانيا: المشاعر المناوئة للعولمة وتزايد الإنعزالية والحمائية. فقد اقترحت مبادرة الحزام والطريق على خلفية التراجع عن العولمة، وهي تميز نفسها في عدة جوانب عن الاتجاه الحالي للعولمة. 

فتحاول أن تربط البلدان الأكثر فقراً، ففي ظل النموذج القديم للعولمة، كانت الدول الأكثر فقراً مهمشة في العادة، ولا يمكنها التمتع بمزاياها. 

وتسمح مبادرة الحزام والطريق بمشاركة أكثر عدلاً وتتيح للجميع الفرصة للتمتع بمزايا العولمة.

ثالثا: العوامل الجيوسياسية: فقد شهد الوضع السياسي في بعض الدول الواقعة على طول الحزام والطريق اضطرابات وتغيرات كبيرة، كما تشهد دول عدم توازن في التنمية الاقتصادية وصعوبات في انفتاح السوق. 

والتاريخ يشهد أن طريق الحرير القديم ازدهر في أوقات السلم وتراجع في أوقات الحرب. وبدون بيئة سلمية ومستقرة، سيكون من المستحيل متابعة مبادرة الحزام والطريق، فالسلام والأمن هما الشرط الأساسي والضمان لبناء الحزام والطريق.

وسيتعين على مبادرة الحزام والطريق أيضا التعامل مع سلسلة من التهديدات غير التقليدية التي تتراوح من الإرهاب إلى الجريمة المنظمة، وكذلك الأزمات الوطنية في أفغانستان والشرق الأوسط والتي قد تسبب التوترات والأزمات حتى داخل أوروبا من خلال البلقان، فضلا عن النزاعات العرقية والدينية واختلاف الثقافات وثمة بعض الدول لديها شكوك وسوء فهم أو ربما شعور بالعداء ضد الصين .
وهناك مخاوف بين العديد من الدول الأوروبية بشأن عمليات الاستحواذ من خارج أوروبا، مع الإشارة بشكل خاص إلى الصين والصناديق السيادية للدول العربية، ومحاولة ربط المبادرة دون أساس بمصطلحات مثل "فخ ديون" و"استعمارية جديدة" وغيرها من الانتقادات التي تروجها وسائل الإعلامية الغربية.

وكلها تحديات سيتعين على المبادرة التعامل معها بينما تمضي قدما باتجاه تحقيق أهدافها. 

وفي الوقت نفسه، لا يمكن إغفال أن استمرار الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وكذلك النزاع حول شركتي هواوي وزي تي إي الصينتين، يمكن أن يؤدي إلى تفاقم حالة عدم اليقين ويترك تداعيات على أداء مبادرة الحزام والطريق.

وفي الواقع، تدرك القيادة الصينية كل ذلك وأكثر، وحرص الرئيس الصيني شي جين بينغ في خطابه الرئيسي في افتتاح بمنتدى الحزام والطريق الثاني للتعاون الدولي على مخاطبة الشواغل وحمل رسائل طمأنة في اتجاهات عديدة.

أولا: تبديد مخاوف الدول الأعضاء في المبادرة ولاسيما الدول النامية من احتمالات تفاقم الديون من خلال تطمينات بأن الصين تبني آلية لتحليل وإدارة الديون بهدف تخفيف تداعياتها على الدول النامية.

ثانيا: طمأنة المجتمع الدولي بأن أهداف المبادرة تتسق مع أهداف أجندة 2030 للتنمية المستدامة للأمم المتحدة، وأنها تستهدف تحرير التجارة، ومواجهة الإجراءات الحمائية، والشفافية، وتعزيز النمو الاقتصادي العالمي، وتحقيق المنفعة المشتركة.

ثالثا: توجيه رسالة إلى الدول المنتقدة والمتحفظة على الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق بأنه لا يوجد تعارض مع المصالح الوطنية لكل دولة مع المبادرة، وأنها تتسق مع مبادئ التجارة العالمية الرامية إلى تشجيع الأسواق الحرة، وتراعي آليات السوق الحرة والسيادة الوطنية للدول، ولا تضع شروطا مسبقة.

رابعا: الالتزام بإعداد صيغ تمويلية وتعزيز مساهمة المؤسسات الصيينة في توفير التمويل للدول الأعضاء في المبادرة.

وفي ضوء ما سبق من استعراض لتقدم المبادرة والتحديات والصعوبات التي تواجهها، جاءت المشاركة العريضة في منتدى الحزام والطريق الأخير بما في ذلك 37 رئيس دولة وحكومة وأكثر من 5000 ممثل من 150 دولة لتعكس إيمانا قويا بأهدافها ونتائج الربح المشترك التي تحملها.

وأكثر ما لفت النظر مشاركة رئيس وزراء إيطاليا ورئيس الاتحاد السويسري لتجسد اهتمام الاتحاد الأوروبي بتعزيز التعاون مع المبادرة والاستفادة من الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة رغم التحفظات التي أبدتها بعض الدول الأوروبية لتعكس الزخم الذي يزداد يوما بعد يوم على الصعيد الدولي للمبادرة.