رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مصير أخطر «6» ملفات بين القاهرة والخرطوم بعد سقوط «البشير»

النبأ

عزل الرئيس السوداني عمر البشير عن طريق الجيش في السودان، سيكون له تأثير مباشر على الكثير من الملفات الهامة بين القاهرة والخرطوم، والتي من أهمها، سد النهضة، ومثلث حلايب وشلاتين، والغاز في البحر الأحمر، بالإضافة إلى ملف جماعة الإخوان المسلمين، والتقارب السوداني التركي القطري، واتهام مصر بدعم المتمردين في دارفور.


فقبل سقوط البشير ورغم العلاقات المتميزة التي كانت تربط الرئيس السوداني بالرئيس عبد الفتاح السيسي، كانت هناك خلافات في هذه الملفات بين الدولتين، كان آخرها اعتراض السودان على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين كل من مصر والمملكة العربية السعودية، حيث أخطرت الحكومة السودانية الأمم المتحدة رسميا بأنها ترفض اتفاقية تعيين الحدود بين مصر والسعودية التي وقعت عام 2016؛ لأنها اعتبرت مثلث حلايب المتنازع عليه مع السودان تابعا لمصر، كما انتقد السودان ما وصفه بالتنقيب “غير القانوني” عن النفط والغاز الذي تقوم به مصر في منطقة حلايب على البحر الأحمر، بعدما أعلنت شركة جنوب الوادي المصرية القابضة للبترول عن طرح عطاء عالمي لعشرة مربعات بحرية لمنح التراخيص للتنقيب عن النفط والغاز في هذه المنطقة.


والسؤال الذي يطرح نفسه هو: إلى أي مدى سوف تتأثر هذه الملفات بسبب ما يحدث في السودان، وبعد وصول نظام حكم جديد في هذا البلد العربي الذي يمثل عمقا استراتيجيا تاريخيا وجغرافيا للأمن القومي المصري؟


تصفية الحسابات                         

يقول الخبراء، إنه مع اتضاح ملامح الوضع الذي نشأ في السودان وحوله بعد عزل الرئيس السابق عمر البشير، يبدو أن البلد يتحول إلى ساحة جديدة لتصفية الحسابات بين المحاور الإقليمية المتصارعة.


وحتى آخر أيام حكمه تمكن البشير من الحفاظ على "علاقات عمل" مع جميع الأطراف الإقليمية، وحل ضيفا في عواصم لا تكاد تخاطب بعضها، من القاهرة إلى الرياض إلى الدوحة ثم دمشق وأنقرة.


وتكشف ردود فعل العواصم المعنية على تطورات السودان استقطابا واضحا في المواقف، فبعد أن ساد حذر طبيعي تصريحات جميع الأطراف الخارجية انعكس في إطلاق شعارات فضفاضة حول دعمها تطلعات شعب السودان وسلامة البلاد في لحظته التاريخية الصعبة، اصطف البعض علنا مع السلطات الجديدة، فيما أبدى آخرون تأييدا لا لبس فيه لمطالب المعارضة السودانية الرافضة لحكم العسكر والمصرة على انتقال السلطة لحكومة مدنية.


وتزامنا مع إعلان الرياض وأبو ظبي والمنامة دعمها المجلس العسكري الانتقالي برئاسة عبد الفتاح البرهان، الذي كان يشرف على القوات السودانية العاملة ضمن التحالف العربي في اليمن، اكتظت الصفحات الموالية للسعودية وحلفائها في مواقع التواصل الاجتماعي بصرخات نصر، تركز على "هزيمة جديدة للإخوان المسلمين" في المنطقة بما يمثل ذلك من ضربة لمشاريع الدوحة وأنقرة وطهران الإقليمية.


وربط أنصار محور المقاطعة انقلاب السودان مع التطورات في ليبيا، حيث يقود المشير خليفة حفتر بدعم من السعودية والإمارات ومصر حربا ضروسا ضد قوات حكومة الوفاق الوطني، التي تراها هذه الدول معركة حاسمة أخرى من أجل اقتلاع "المشروع الإخواني" المدعوم من قطر وتركيا في المنطقة.


وكثر الحديث في هذه الأوساط عن "طرد" قطر وتركيا من السودان، وإنهاء "أطماع" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في بلادهم عبر استعادة السودانيين جزيرة سواكن على البحر الأحمر، التي وافق البشير على تولي أنقرة تعميرها وإدارتها لفترة لم يتم تحديدها، وإلغاء عشرات الاتفاقيات التي "تسمح باستغلال تركيا للأراضي السودانية عسكريا واقتصاديا لخدمة الأتراك فقط".


ويقول الخبراء، إنه من المبكر إطلاق الأحكام النهائية على تأثير انقلاب السودان على التوازنات والتجاذبات الإقليمية، لكن اعترافا خليجيا سريعا بالمجلس العسكري الانتقالي مصحوبا بإعلان الرياض تقديم حزمة مساعدات إنسانية للسودان، في ظل صمت تركي قطري فيما يخص موقفهما من السلطة السودانية الجديدة، يوحي بأن محور المقاطعة سجل نقطة لصالحه على أقل التقدير في السودان، وسط مخاوف من أن يعقد صراع المحورين مهمة الخرطوم الصعبة أصلا في تحقيق انتقال إلى نظام سياسي واقتصادي جديد بعد 30 سنة من حكم البشير، الذي يصفه البعض بـ"المتسلط".


موجة عاتية من الغرور

عن هذا الموضوع يقول اللواء حسام سويلم الخبير العسكري والإستراتيجي، إن ما يحدث في السودان إيجابي، مشيرا إلى أن ما يحدث في السودان يأتي في إطار غباء رؤساء الدول العربية الذين لا يتعظون بمواقف من سبقهم وأصابتهم موجة عاتية من الغرور، لافتا إلى أن سقوط الرئيس عمر البشير شيء طبيعي لأنه لم يستوعب حركة الشعب السوداني، ولم يتعظ من الحكام العرب الذين سبقوه، مؤكدا أن إزالة حكم البشير يصب في مصلحة مصر، لأنه كان جزءًا من تنظيم جماعة الإخوان المسلمين العالمي، الذي كان يمثل تهديدا لمصر، وكان دائم الهجوم عليها، وتحالف مع أعداء مصر مثل قطر وتركيا، موضحا أن التهديد الذي يواجه مصر من جانب السودان ما زال قائما، ويتمثل في سيناريو تولى الإخوان السلطة مرة أخرى في السودان.


وتابع: على مصر فقط فتح عينيها على ما يأتي من الجنوب، وأن توطد علاقتها بالنظام الجديد في السودان، والذي يتوقع أن يكون نظاما مدنيا بقيادة الصادق المهدي، متوقعا أن يتغير موقف السودان ويتوافق مع الموقف المصري في الكثير من الملفات التي كانت موضع خلاف بين البلدين في عهد عمر البشير، وعلى رأسها سد النهضة، كما توقع أن يظل ملف حلايب وشلاتين نزاعا صامتا كما كان في عهد النظام السابق، كما توقع أن يقوم النظام الجديد بتوطيد علاقته بدول الجوار ودول الخليج.


ميوعة البشير

من جانبه يقول اللواء حمدي بخيت الخبير العسكري والإستراتيجي، وعضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، إن هناك ثوابت مصرية في التعامل مع أي قلاقل أو خلافات تحدث في دول الجوار، منها أن الشعب هو الذي يقرر مصيره بنفسه، والحفاظ على مؤسسات الدولة ووحدة أراضيها، وعدم السماح بأي تدخلات خارجية في الشأن الداخلي لهذه الدول، مشيرا إلى أن ما يحدث الآن في السودان يتشابه ويتطابق إلى حد كبير مع ما حدث في مصر، ولكن بعناوين ووجوه وجماعات مختلفة، وهناك قوى وجماعات داخلية مدعومة خارجيا تعمل على زعزعة الاستقرار في السودان، وهذه القوى متمثلة في الحركات الشبابية والنشطاء مثل حركة 6 إبريل في مصر، وهناك تجمع المهنيين وهو تجمع في منتهى الخطورة ويعبر عن كل الطيف الموجود على الأرض وتحركاته فيها شيء من الريبة وعدم الوضوح لأنه ينادي بالعلمانية وإبعاد القوات المسلحة عن السياسية وهي نفس المطالب التي كان ينادي بها العلمانيون في مصر مثل البرادعي وغيره، وكلهم يرفضون أي شيء يصدره المجلس العسكري ويرفعون سقف مطالبهم من أجل إثارة القلاقل.


وعبر «بخيت» عن خشيته من أن يتحول السودان إلى ساحة للحرب الأهلية والاقتتال الداخلي بسبب عدم وجود ثقة في قيادات القوات المسلحة لاسيما التي كانت موجودة أثناء حكم البشير ووجود أيديولوجيات داخل القوات المسلحة، وهذا يتطلب من القوات المسلحة تطهير نفسها من الداخل، لأن القوات المسلحة التي تحتوي على أيديولوجيات وطوائف وعقائد لا يمكن أن تبني دولة.


وأشار إلى أن الجيش السوداني تشبع في الفترة الأخيرة بالإسلاميين والإخوان، وبالتالى لابد للجيش من أن يتطهر من كل ذلك ويتحول إلى جيش وطني؛ لحماية الأمن القومي السوداني.


وعن مصير الملفات العالقة بين مصر والسودان بعد سقوط نظام البشير، قال بخيت، إن الثوابت المصرية بالنسبة لهذه الملفات لن تتغير، لكن هذه الملفات سوف تتعطل مؤقتا بسبب الوضع غير المستقر في السودان، مشيرا إلى أن المطلوب من النظام الجديد في السودان اتخاذ موقف واضح ومحدد من ملف سد النهضة، لاسيما وأن مصر أضيرت كثيرا من تلكأ البشير وتحيزه يمينا مرة ويسارا مرة، كما أنه تاجر بهذا الملف ولم يتخذ موقفا واضحا ومحددا منه، وكان موقفه من هذا الملف يتميز بالميوعة وعدم الوضوح.


وأكد أنّ مصر لن تقف مكتوفة الأيدي حيال ما يحدث في السودان، لأن مصر دولة رائدة ودولة محورية ولها دور وفاعلة ويرحب بها السودانيون ويثقون فيها أكثر من أي دولة أخرى كدولة جوار جغرافي وكدولة مؤثرة في العلاقات مع دول الجوار، وبالتالي الدور المصري أقوى بكثير مما يتخيله أحد، ولكن سيتم لعب هذا الدور في هدوء افضل من عملية الشعننة والكلام الذي لا يقدم ولا يؤخر.


الوضع الداخلي في مرحلة حرجة

ويضيف الدكتور هاني رسلان الخبير في الشأن السوداني في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن هناك صعوبة في خروج المجلس العسكري السوداني من المعادلة السياسية بالكامل باعتباره أنه يمثل رمز السيادة ويشرف على المرحلة الانتقالية، لكن في نهاية المطاف لابد من الوصول لحل وسط، مشيرا إلى أن السودان يحتاج الى دعم اقتصادي عاجل وقد أعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر دعمها للمجلس العسكري الانتقالي، لافتا إلى أن قضايا مثل سد النهضة وحلايب وشلاتين وقضايا الغاز والحدود والمياه، لن تكون لها الاولوية في المرحلة الحالية في السودان، لأن الوضع الداخلي في مرحلة حرجة وهناك تحديات داخلية خطيرة تواجه السودان وبالتالي الأولوية سوف تكون للوضع الداخلي، وعدم عودة الحركة الإسلامية مرة أخرى للسلطة، لافتا إلى أن مصر سيكون لها موقف في حال وصول الحركة الاسلامية للحكم مرة أخرى لاسيما وأن البشير كان يعبر عن الحركة الاسلامية وبالتحديد عن التنظيم الرئيسي لحركة الإخوان المسلمين في السودان.


وأكد أن العامل الخارجي مهم وسيلعب دورًا في النظام الجديد في السودان، لأن السودان يحتاج إلى دعم دولى وإلى اعتراف دولي وإلى رفع العقوبات والرفع من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مشيرا إلى أنه من الصعب على السلطة الحالية فرض الاستقرار في الداخل بدون الحصول على دعم خارجي سواء كان دعمًا اقتصاديًا أو سياسيًا في ظل النقص الشديد في احتياجات السودان،  لكن الدور الخارجي في اختيار النظام الجديد هو دور مساعد وليس أساسيًا.