رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

سيناريو مولد ربيع عربى جديد بعد نجاح ثورة الشعب الجزائرى

بوتفليقة
بوتفليقة


نجح حراك الشعب الجزائري في إجبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، على إعلان «تأجيل» الانتخابات الرئاسية، وعدم الترشح لـ«ولاية خامسة».


وأكد «بوتفليقة» فى بيان للشعب الجزائري أنه لم تكن لديه نية قط بالترشح للانتخابات، موضحًا أنّ هناك تغييرًا وزاريًا سيجرى قريبًا.


وأعادت تظاهرات الشعب الجزائري ونجاحها ما حدث في ثورات العربي العربي، وأثار الكثير من الجدل في العالم العربي، والأسئلة المطروحة بقوة الآن: هل ما يحدث في الجزائر«بلد المليون شهيد» يمكن أن ينتقل إلى دول عربية أخرى مثل ثورات الربيع العربي، ويشهد العالم العربي موجة جديدة من ثورات الربيع العربي، وما  الرسائل التي يجب على العالم العربي تلقيها مما يحدث في الجزائري؟.


يقول الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، إنه منذ وصول عبد العزيز بوتفليقة لسدة الحكم في الجزائر بعد الهزة الكبرى التي تعرضت لها الجزائر في عام 1992، والحرب الأهلية التي أودت بحياة مئات الآلاف من الجزائريين خلال عشرة سنوات، وبعد أن انتصرت الحكومة على الفلاحين والإسلاميين، حدث سوء إدارة وفساد كبير وتدهور اقتصادي كبير، رغم الإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي تتمتع بها الجزائر، كما سيطر الجنرالات الذين اشتركوا في الحرب الأهلية على الاقتصاد وبعضهم أصبحوا أثرياء ثراء فاحشا، وأصبحت لديهم مليارات في الخارج، حتى أن أحد الجنرالات يمتلك حوالي 29 فندقا في فرنسا.


وأضاف «صادق» أن الجزائريين نجحوا في تجنب ثورات الربيع العربي، لأنهم مروا بربيع أسوأ منها في تسعينيات القرن الماضي، أسفر عن مقتل مئات الآلاف من الجزائريين، لذلك لم يطلب المتظاهرين في بداية الحراك بإسقاط النظام، لأنهم يدركون أن الذي يدير البلد ليس هو عبد العزيز بوتفليقة ولكن مجموعة من الأشخاص من خلف الكواليس، مشيرا إلى أن المشكلة التي تواجه الجزائر الآن هي أن الجنرالات ليس لديهم بديل لبوتفليقة كما أنهم يشكون في بعضهم، وأنهم غير قادرين على القياد بانقلاب صحي كما حدث في تونس عندما تولى زين الدين بن على الرئاسة بعد أن تم إصدار شهادة صحية من المحكمة بناء على مادة في الدستور لمنع بورقيبة من الترشح في الانتخابات، لافتا إلى أن فرنسا هي التي تتحكم في الوضع داخل الجزائر الآن ولها نفوذ كبير هناك وكانت تقوم بتسليح الجيش الجزائري ويوجد في فرنسا أكثر من 3 ملايين جزائري.


وأكد أستاذ الاجتماع السياسي أن الوضع في الجزائر أصبح مفتوحا على كل الاحتمالات، والكل في العالم العربي يراقب ما يحدث في الجزائر، كما تابع الجزائريون ما حدث من أخطاء في ثورات الربيع العربي ويحاولون الآن تجنبها وعدم تكرارها، والعرب يراقبون هذا الحراك باهتمام لأنهم يدركون أن نجاح هذه الثورة سيؤدي إلى تقليدها في الدول العربية الأخرى، مشيرا إلى أن فرنسا لن تسمح بسوريا جديدة على البحر المتوسط، وبالتالي من المحتمل أن تقوم فرنسا ومعها أوروبا بدعم أحد المرشحين.


وأضاف «صادق»، أن المنطقة العربية مشهورة بالحكام الذين يظلون في الحكم مدة طويلة، لذلك يوجد في المنطقة العربية أطول حكام على مستوى العالم، فالسلطان قابوس هو ثاني أكبر حاكم بقاء في السلطة إليزابيث ملكة بريطانيا، ويعتبر الرؤساء الليبي معمر القذافي والعراقي صدام حسين واليمني على عبد الله صالح والسوداني عمر البشير ومحمد حسني مبارك من أشهر الحكام العرب الذين بقوا في السلطة مدة طويلة، مشيرا إلى أن الشعوب العربية لديها ثقافة «اللي تعرفه أحسن من اللي متعرفوش».


وتابع: كما أن الذي يصل للسلطة في العالم العربي «بيبلط فيها» ولا يتركها حتى تتدخل العناية الإلهية، وهذه ثقافة منتشرة في العالم العربي، مؤكدًا أن بقاء الحكام في السلطة مدة طويلة هو السبب الرئيسي في تخلف العالم العربي، لأن السمكة تفسد من رأسها، مشيرا أن التحول الديمقراطي في العالم العربي عملية تاريخية وتعليمية وثقافية، ويحتاج إلى تدرج وخطوات ووقت وليس بالضربة القاضية، كما يحتاج إلى تحولات داخلية في التعليم والإعلام والثقافة العامة وفكر المؤسسات المتزمتة، وكذلك هناك أسباب خارجية تقف عائقة أمام عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي، بسبب ما عانته أوروبا من ويلات ثورات الربيع العربي من إرهاب ولاجئين، لذلك أوروبا لا تريد الآن تكرار ما حدث في سوريا وليبيا واليمن وغيرها من الدول التي شهدت ثورات الربيع العربي، وتفضل دعم ومساندة الأنظمة القوية حتى لو كانت مستبدة، وتتغاضى عن مواضيع الديمقراطية وحقوق الإنسان، لأنها تعتبر أن الاستبداد مفيد لها والديمقراطية مضرة لها، لذلك ستظل تساند الأنظمة المستبدة لمدة طويلة، حتى وإن كانت تعلم أن نهاية ذلك هي الثورة والفوضى.


وأشار إلى أن موضوع الخوف من سيطرة التيار الإسلامي على السلطة في الجزائر مبالغ فيه، ويستخدم كـ«فزاعة» لتخويف الشعوب، وهم يعلمون أن فرنسا وأوربا لن يسمحوا بإقامة دولة إسلامية على البحر المتوسط، كما أن الإسلاميين لن يقدموا على هذه الخطوة، لأنهم يعلمون أنها خاسرة، وأنهم سوف يتعرضون للقتل هذه المرة، لأن الكل ضدهم، كما أن الشعب الجزائري شعب علماني وثقافته فرنسية.


ويقول السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الخطأ الكبير الذي ارتكبته جبهة الإنقاذ التي تحكم الجزائر هو أن لم تقم بإعداد بديل للرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال الخمس سنوات الماضية، ومنذ أن أصبح بوتفليقة غير قادر على ممارسة أمور الحكم، كما أن ذلك دليل على عدم وجود بعد نظر سياسي وعدم الاستفادة من المتغيرات التي حدثت في الشمال الإفريقي، في مصر وليبيا وتونس ومصر، وسيطرة التيار الإسلامي في هذه الدول.


وأكد أن الإصرار على ترشيح بوتفليقة وهو لا يستطيع أن يخاطب الشعب، وكان له دور وطني كبير في حركة التحرير الوطني وتحرير الجزائر وبناء الجزائر بعد التحرير، يمثل إهانة لبوتفليقة وكفاحه ولمكانة الجزائر وفيه تجني على المنصب وغير مقبول إنسانيا، كما أن ذلك ينم عن غياب الرؤية السياسية الإستراتيجية على المدى القصير والمتوسط، مشيرا إلى أن مشاركة القضاة والمحامين وكل فئات الشعب الجزائري في الحراك دليل على أن هناك حالة فوران في صفوف الشعب الجزائري.


وطالب بإجراء انتخابات رئاسية حرة يشارك فيها الجميع، ويتفق الجميع على تفاصيل المرحلة الانتقالية للخروج من الأزمة، وألا يكون هناك تخوف لهذه الدرجة من قوة التيار الإسلامي، والخوف من سيطرته على السلطة، لافتا إلى أن ذلك يدخل في إطار الفزاعات التي يتم استخدامها لتخويف الناس، مشيرا إلى أن هذه الأساليب لم تعد مقنعة للشباب، وهم يرون ما يحدث في تونس والمغرب من تعايش مع التيار الإسلامي.


وأضاف «حسن»، أن المواطن الجزائري صبر صبرا طويلا احتراما لمكانة المناضل بوتفليقة، وهم يرون أنه غير قادر على ممارسة مهامه الرئاسية، وليس هو الذي يحكم، مشيرا إلى أن الشعب الجزائري أرسل عدة رسائل للعالم العربي من خلال هذا الحراك وهي، أن التغيير مطلب شعبي، وأنه لابد من احترام إرادة الشعب، وعدم احتقار ذكائه.


وتابع: حان الوقت للتغيير، الجزائريون يريدون فقط أن يختاروا من يحكمهم، مشيرا إلى أن زيادة الفئات المشاركة في الاحتجاجات بما فيها القضاة والمحامين يشير إلى أن عدم الاستجابة لهذه المطالب سيؤدي إلى كارثة في الجزائر لا يعلم مداها إلا الله، لاسيما وأن الحراك هذه المرة يشمل كل فئات الشعب الجزائري ولم يقتصر على الإسلاميين فقط كما كان في السابق، موضحا أن هذا الحراك يؤكد أن الشعب الجزائري فاض به الكيل، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة  والاختناق السياسي، رغم الموارد الضخمة للجزائر من البترول والغاز، وحان الوقت للتغيير وإفساح المجال لقيادات جديدة وأفكار جديدة، وهذه رسالة للعالم العربي، وهي أن تجميد الوضع بدعوى الخوف من القادم أصبح غير مقبول؛ لأن الشعب ليس قاصرًا.