رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

بعد 29 عام على بقاء البشير في السلطة.. السودان على خطى ثورات الربيع العربي.. مصير الإخوان والعلاقات المصرية السودانية.. خبراء يحذرون من انتقالها لمصر ودول عربية أخرى

النبأ

علاقة تمديد مدد الرئاسة ولقاء الرئيس السوداني ببشار الأسد بالاحتجاجات

«غباشي»: انتقال ما يحدث في السودان إلى دولا عربية أخرى ممكن مثل مظاهرات السترات الصفراء

«اللاوندي»: نجاح الثورة السودانية سيكون له تداعيات على المنطقة العربية بالكامل ومصر من أكثر الدول تأثرا بما يحدث في الجارة الجنوبية

 بعد ثلاثين عاما من مجيء الرئيس السوداني عمر البشير  إلى السلطة، إثر انقلاب عسكري دعمه الجيش السوداني عام 1989، يشهد السودان احتجاجات شعبية عارمة على غرار ثورات الربيع العربي التي اندلعت منذ أكثر من سبع سنوات في عدد من الدول العربية، وقد رفع المحتجون شعارات مستوحاة من ثورات الربيع العربي، مثل، «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«عيش-حرية-عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية».

وقد أسفرت المواجهات المستمرة بين المحتجين وقوات الأمن منذ أيام عن مقتل عدد من المحتجين وإصابة العشرات، وقد أعلن الجيش السوداني تأييده للرئيس عمر البشير.

وتأتي هذه الاحتجاجات بسبب ارتفاع أسعار المواد الأساسية في البلاد، وانخفاض قيمة العملة السودانية، وندرة الكثير من السلع في بعض المدن، من بينها الخرطوم، كما تأتي بعد أيام قليلة من اقترح بعض النواب التابعين للنظام تعديلا دستوريا لرفع القيود على فترات الرئاسة التي كانت ستلزمه بترك السلطة في 2020، وزيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى سوريا ولقاءه بالرئيس السوري بشار الأسد، كأول رئيس عربي يزور دمش منذ اندلاع الثورة السورية قبل أكثر من خمسة سنوات.

هذه الاحتجاجات الشعبية في السودان أثارت الكثير من الأسئلة حول مصير الرئيس السوداني، وإلى أي مدى سوف يؤثر رحيل الرئيس السوداني عمر البشير على العلاقات المصرية السودانية، ومدى إمكانية انتقال هذه الاحتجاجات إلى دولا عربية أخرى كما حدث في ثورات الربيع العربي، وما هو مصير تيار الإخوان المسلمين في السودان بعد رحيل البشير، وكيف ستتأثر جماعة الإخوان المسلمين في مصر برحيل البشير؟.

البشير والإخوان

يقول محللون أن النتيجة المهمة في فترة حكم البشير الذي جاء عبر انقلاب عسكري دبرته الجبهة القومية الإسلامية «الفرع السوداني لجماعة الإخوان المسلمين» وأطاحت من خلاله بالحكومة الشرعية المنتخبة لتفرض سيطرتها على السلطة لثلاثة عقود، أثبتت فشل شعارات الإخوان المسلمين من شاكلة "الإسلام هو الحل" ودعوتهم لتطبيق الشريعة وإقامة الدولة الإسلامية باعتبار أنها ستجلب الحلول السحرية لجميع المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية.

ويضيف المحللون، أن تجربة حكم الإخوان المسلمين للسودان أفضت إلى قيام نظام حكم استبدادي شمولي فاسد، يقف على رأسه رجل واحد، عمر حسن البشير، طوال 29 عاما، ولا يزال يطمح للبقاء في سدة الحكم إلى أجل غير معلوم، على الرغم من كل التدهور والانهيارات التي شهدتها وتشهدها البلاد في مختلف المجالات.

رحلة البشير مع السلطة 

وقد ولد عمر حسن أحمد البشير، في أول يناير عام 1944، وعين قائدًا أعلى للجيش السوداني ووزيرًا للدفاع وهو في الخامسة والأربعين، وقام  برفقة صديقه وزميله القديم منذ المرحلة الثانوية «على عثمان طه» بعمل انقلاب عسكري نفذه ضباط الجيش الإسلاميون، ليطيح بالجمهورية الديمقراطية الثالثة في السودان في يونيو 1989، بعد أن اختارته الحركة الإسلامية قائدًا لجناحها العسكري.

شكل البشير بمجرد نجاح الانقلاب مجلسًا عسكريًا أعلى لحكم البلاد تكون من خمسة عشر قائدًا من الجناح العسكري للحركة الإسلامية التي اتخذت منذ تلك اللحظة لقب «جبهة الإنقاذ»، وتضمنت إجراءاته المبكرة فصل كل موظفي الدولة ممن دعاهم بالعلمانيين الذين يدينون بالولاء لأحزاب المعارضة.

ظل البشير قائدًا للمجلس العسكري الحاكم حتى عام 1993 الذي أصدر فيه المجلس قرارًا بحل نفسه واختيار البشير رئيسًا للبلاد، ومنذ ذلك الحين ظل البشير رئيسًا للبلاد بعد انتخابه وفقًا لاقتراعات متتالية قاطعتها أحزاب المعارضة وحظيت بنسب إقبال ضئيلة

البشير يتبرأ من الإخوان

بعد اتهامه من جانب مصر بإيواء أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين الفارين من مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013، تبرأ الرئيس السوداني من الانتماء للإخوان المسلمين، حيث قال في تصريحات لافتة وغير مسبوقة، إن علاقة بلاده بمصر جيدة جدًا على كل المستويات، مشيراً إلى أن الإخوان في السودان ليسوا أعضاءً في التنظيم الدولي.

وأضاف البشير: "تجريم الإخوان شأن داخلي لأي دولة، لا يحق لنا التدخل فيها، وعلاقتي بالرئيس عبد الفتاح السيسى علاقة أخوة.. وعلاقتنا بمصر طبيعية جداً على المستوى التجاري والثقافي، وليس لدينا علاقة تنظيمية مع جماعة الإخوان، ولا تؤثر علينا ولا نؤثر عليها".

البشير ومصر

العلاقات المصرية السودانية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي عبر عنها السفير بسام راضي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، الذي قال، إن العلاقات بين مصر والسودان تاريخية، مشيرا إلى حدوث نقلة نوعية كبيرة في العلاقات منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي قيادة الدولة المصرية.

وتابع : أعتقد أن مستوى الآليات التنفيذية والمشتركة ما بين مصر والسودان ليس لها مثيل على مستوى العالم ما بين أي دولتين حتى ما بين مصر وأي دولة أخرى والمرحلة المقبلة ستشهد تفعيلا لكل المعطيات"

وقال: ما حدث خلال الـ 4 سنوات الماضية إعادة صياغة للعلاقات ما بين مصر والسودان على نحو يرقى إلى مستوى العلاقات الوطيدة والتاريخية بين الشعبين".

وأثناء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة للسودان، قالت صحيفة "الرأي العام" السودانية، إن "أفضل عهد للتجسير مع مصر وبناء علاقات راسخة معها بالنسبة لنا في السودان هو عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، فالرجل واضح وصريح ومباشر.. كنا ولا زلنا وسنبقى نرى في الرئيس السيسى صدقا في المشاعر وإدراكا لأهمية العلاقات والمصالح الإستراتيجية بين البلدين".

وعبر الرئيس السيسي عن علاقة مصر بالسودان بالقول«روابط مصر والسودان لا توجد بين أي بلدين في العالم».

وعن علاقته بالرئيس عمر البشير قال السيسي« الرئيس عمر البشير شقيق عزيز، وصديق مُقرّب، وهذه المناسبة تُجسّد مشاعر الأخوّة».

احياء لثورات الربيع العربي

عن هذا الموضوع يقول الدكتور مختار غباشي خبير العلاقات الدولية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن هناك علاقة بين الزيارة التي قام بها الرئيس السوداني عمر البشير لسوريا على طائرة روسية وبين الاحتجاجات الشعبية التي يشهدها السودان، لاسيما وأن هذه الزيارة نقلته من المحور التركي القطري إلى المحور الروسي الإيراني، وإن كان السبب الظاهر هو الواقع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الشعب السوداني منذ فترة.

وأضاف «غباشي»، أن نجاح هذه المظاهرات على اسقاط البشير يتوقف على قدرة الشارع السوداني، وكذلك على مدى قدرة الحكومة السودانية على مواجهة هذه الاحتجاجات والاستجابة لمطالب الشعب، مشيرا إلى أن تأييد الجيش السوداني للبشير يعني وقوفه بجانب السلطة الشرعية، لكن هذا الوقوف لن يصل إلى حد التصادم مع الشعب.

ولفت خبير العلاقات الدولية، إلى أن ما يحدث في السودان مختلف بعض الشئ عن ثورات الربيع العربي، رغم أن ثوار السودان يرفعون نفس الشعارات التي رفعها المحتجون في ثورات الربيع العربي، لكن ما يحدث هو احياء جديد لثورات الربيع العربي، ويمكن أن ينتشر في دول عربية أخرى مثل مظاهرات السترات الصفراء في أوربا، رغم أن دول ثورات الربيع العربي تعيش واقع سياسي واقتصادي وأمني صعب، واصفا علاقة الرئيس السوداني بالإخوان بالكلام الإعلامي، مشيرا إلى أن مشاكل النظام السوداني مع مصر غير مرتبطة بالإخوان، لكنها مرتبطة بأمور سياسية وفنية وتقنية مثل حلايب وشلاتين، والدليل الزيارات المتكررة من الرئيس السوداني لمصر، والزيارات المتكررة من الرئيس عبد الفتاح السيسي للسودان، مؤكدا على أن علاقة نظام البشير بقطر وتركيا قائم على المصالح وليس على علاقة البشير بجماعة الإخوان المسلمين، منوها إلى أن العلاقات المصرية السودانية لن تتأثر كثيرا برحيل عمر البشير.

المسئولين المصريين يضعون أيديهم على قلوبهم

ويقول الدكتور سعيد اللاوندي خبير العلاقات الدولية بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، ما يحدث في السودان له علاقة بما يحدث في الأردن وبعض دول العالم مثل فرنسا، وهو مرتبط بمشكلة الجياع وارتفاع الاسعار وتدني المرتبات وانخفاض القوة الشرائية، والأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم، مشيرا إلى أن الأمر في السودان يختلف بسبب محدودية الدخل وارتفاع الاسعار بشكل جنوني وانتشار الفقر والفساد.

وأضاف «اللاوندي»، أن نجاح الثورة السودانية سيكون له تأثير المنطقة العربية باكملها ويمكن انتقالها إلى دولا أخرى، مشيرا إلى أن مصر من أكثر الدول تأثرا مما يحدث في السودان بسبب تشابه الظروف الاقتصادية والعامل الجغرافي، لذلك يضع المسئولون في مصر أيديهم على قلوبهم مما يحدث في السودان، كما أن رحيل النظام السوداني سيكون له تاثير كبير جدا على العلاقات المصرية السودانية، لاسيما وأن توجه  النظام السوداني الحالي هو توجه إسلامي محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، وهذا يختلف تماما عن توجه النظام المصري، الذي يعتبر الإخوان جماعة إرهابية، كما أن النظام السوداني كان منحازا لصالح إثيوبيا في موضوع مياه النيل، مؤكدا على أن رحيل البشير سوف يكون له تأثير مباشر على علاقة السودان مع كل من قطر وتركيا، كما سيكون له تأثير على تيار الإخوان المسلمين في كل من السودان ومصر، لاسيما وأن النظام القادم لن يكون له علاقة بالإخوان المسلمين.