رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

اليقين مفتاح الاستثمار

زياد بهاء الدين
زياد بهاء الدين

مرة أخرى ينعقد مؤتمر عالمى للاستثمار فى مدينة شرم الشيخ ليلحق بالعديد من المؤتمرات المماثلة منذ مارس ٢٠١٥ حينما اجتمع رؤساء وملوك العالم ومديرو أكبر المؤسسات المالية الدولية للتعبير عن تضامنهم مع مصر وشعبها. ومرة اخرى يطالعنا الاعلام بما تم إبرامه من صفقات بمليارات الدولارات، على نحو ما طالعنا من قبل بشأن صفقات واستثمارات لو جمع باحث نشيط ما نشرته وسائل الاعلام منها خلال الأعوام الماضية لكنا أغنى دول العالم.
وقد شاءت الظروف أن أكون فى مدينة شرم الشيخ فى ذات الوقت لحضور المؤتمر السنوى لمركز القاهرة للتحكيم التجارى الدولى، وأن أشاهد ما عاد للمدينة من رونق ونظام، وما بذلته المحافظة وهيئة الاستثمار من جهد لكى يخرج المؤتمر الاستثمارى بالشكل اللائق. ولكن الواقع أنه برغم هذه الجهود، وبرغم الأمن المحكم، وبرغم حرص الدولة على تسخير إمكاناتها لنجاح المؤتمر، إلا أن حجم الاستثمار الأجنبى الوافد لمصر خلال السنوات الماضية كان متواضعا وفقا لكل المؤشرات الممكنة، وفقا لما كانت مصر تجذبه من استثمار من قبل، ووفقا لما جذبته بلدان ذات أوضاع مشابهة خلال السنوات الأخيرة، ووفقا لما يحتاجه البلد كى يحقق معدلات النمو والتشغيل المطلوبة.
وفِى ضعف الاستثمار المحلى والأجنبى خلال السنوات الماضية يكمن الجانب الأكبر من مشاكلنا الاقتصادية لأن هذا هو ما جعل الشعب المصرى يدفع ثمن الاصلاح الهيكلى لسعر الصرف ودعم الوقود دون أن تقابله زيادة فى الاستثمار والتشغيل وبالتالى فى الدخول والضرائب، وهذا ما جعل الدولة تلجأ للتوسع الشديد فى الاقتراض المحلى والأجنبى من أجل توفير الموارد التى لم يأتِ بها المستثمرون، وهذا ما يجعل الناس لا ترى من برنامج الاصلاح الاقتصادى سوى جانبه القبيح المتمثل فى الغلاء.
وقد حذرت، كما حذر كثيرون معى خلال السنوات الماضية، من أن الاعتماد على قانون جديد للاستثمار ليس كافيا لأن هذا القانون لا يؤثر كثيرا فى مناخ الاعمال ولا يحسم مشاكله الرئيسية، كما حذرنا من أن الاعتماد على المؤتمرات الترويجية لن يؤتى بثماره ما لم يواكب ذلك تغيير حقيقى فى مناخ الاعمال. وما سبق لا يستهدف انتقاد هيئة الاستثمار، بالعكس فلا مديرها التنفيذى الجديد ولا من سبقوه كان ينقصهم النشاط والحماس والرغبة فى إصلاح ما يمكن اصلاحه فى إطار الامكانات والسلطات المتاحة لهم. ولكن القضية تتجاوز هيئة الاستثمار لأنها تتعلق بالحكومة وبسياسة الدولة الاقتصادية وموقفها من هذه القضية الحيوية التى يتوقف عليها مستقبل مصر الاقتصادى.
ولكن ما هو مناخ الاستثمار الذى يحتاج اصلاحا؟ هل الاهم فيه الحصول على الائتمان، أم الارض، أم التراخيص، أم المزايا والإعفاءات، أم الاتصال مباشرة بالمسئولين؟ الحقيقة أن كل هذه اعتبارات مهمة ولا غنى عنها فى منظومة تحسين مناخ الاستثمار. ولكن كثير منها يمكن تلخيصه فى عنصر واحد فقط، هو اليقين والوضوح اللذان يحتاجهما المستثمر كى يمكنه اتخاذ قراره والمغامرة بأمواله وتفضيل بلد على غيره.
لا يوجد ما هو طارد للاستثمار المحلى والأجنبى معا أكثر من الغموض والمساحات الرمادية. وللاسف أن الوضع الراهن فى مصر لا يمنح اليقين والوضوح المطلوبين فى أكثر من مجال. فلا السياسة الاقتصادية واضحة على نحو ما يعبر عنه عدم ثبات السياسة الضريبية (الضريبة العقارية، وضريبة معاملات البورصة، وضريبة استثمار البنوك فى الدين العام)، وعدم وضوح حدود تدخل الدولة بجناحيها المدنى والعسكرى فى الاقتصاد، وعدم وضوح سياسة تصنيع واستيراد السيارات على سبيل المثال لا الحصر. ولا الوضع السياسى يمنح يقينا فى ظل الحديث الدائر عن تعديل الدستور والتغييرات المتوالية فى الحكومة ووزرائها. ولا النظام القانونى يمنح اليقين المطلوب فى ظل غموض القوانين والتضارب فى تطبيقها والوقت الهائل الذى يستغرقه فض المنازعات التجارية.
منذ سنوات طويلة، خلال رئاستى لهيئة الاستثمار، كنت ألقى كلمة على جمع من المستثمرين وأعرفهم بما كانت تتيحه القوانين وقتها من مزايا وإعفاءات، فوقف أحد الحاضرين فى نهاية كلمتى معلقا بأن كل هذه المزايا والتسهيلات لا قيمة لها لو لم يصاحبها يقين بأن القواعد سوف تطبق والقانون يحترم والاجراءات ستكون فى الواقع كما فى تصريحات المسئولين. وأذكر بالذات قوله بأنه لا يهتم كثيرا بسعر الضريبة لانه قادر على التعامل مع أى منظومة سعرية طالما كانت واضحة ومستقرة وغير معرضة للتبديل والتعديل كلما بدا للحكومة والبرلمان. فلنعطى المستثمرين المصريين أولا والأجانب من بعدهم شيئا من اليقين والوضوح فى السياسة الاقتصادية فهذا أفضل ترويج للاستثمار.
نقلًا عن "الشروق"