رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الدور الخفى لـ«شركات المحمول» فى انتعاشة «مهرجانات السرسجية»

نجوم قدموا إعلانات
نجوم قدموا إعلانات لشركات الاتصالات


كشفت دراسة أعدها الباحث محمود هدهود، بعنوان «حمو بيكا ومجدي شطة.. حتى لا تحترق القاهرة مرة أخرى»، أنه خلال العقد الأول من الألفية، كان النظام في مصر يعيد إنتاج نفسه، ويعيد إنتاج «التهميش» كذلك.

فبين عامي 2004/2005 و2010/2011، زادت نسبة المصريين الذين يعيشون دون خط الفقر الوطني الأدنى من 19.6% إلى 25.2%.

زاد الفقر في الوقت الذي تراجع فيه نصيب العمال من الربح إلى أقل من 25%.

وأضافت الدراسة، أن نسبة غير المشتركين بالتأمين في مصر وصلت إلى 44.5%، وهي نسبة تعبر عمن يعملون في قطاعات غير رسمية لا تضطر إلى الاشتراك في التأمين، و44.5% لا ينتمون إلى المنظومة، يقعون خارجها؛ ناهيك عن نسبة العاطلين عن العمل أو البطالة التي يلاحظ جلبير أشقر أنها تتميز في منطقة الشرق الأوسط بأنها بطالة شبابية.

كان المهمشون يحاصرون القاهرة عندما عادوا إلى صدارة المشهد السينمائي خلال العقد الأول من الألفية عبر أفلام خالد يوسف التي فتحت ملف العشوائيات المحيطة بالعاصمة وسكانها المنسيين.

لكن ما بدأ كصرخة وإنذار للمجتمع لتذكيره بهؤلاء المهمشين، كما شاهدنا في «حين ميسرة» (2007)، لم يلبث أن تحول إلى ثقافة موازية.

في 2010، ظهر «كلمني شكرًا»، الشريط الثاني لخالد يوسف عن المهمشين والعشوائيات.

المسافة بين العملين كانت أبعد من ثلاث سنوات، غادر العمل الثاني أرض الصراخ والرؤية الأبوكاليبتية التي انتهى بها «حين ميسرة» إلى أرض التفهم، إن لم يكن الاحتفاء، بإبراهيم توشكى (عمرو عبد الجليل).

وأضافت الدراسة، أن سنة واحدة مرت على الثورة قبل أن ينطلق قطار محمد رمضان «الألماني» محققًا نجاحًا غير متوقع بميزانية متواضعة.

قدّم رمضان شخصية البطل الشعبي في ثوبها الجديد؛ الشاب المشرد في حي عشوائي الذي تضطره الظروف القاسية إلى أعمال غير مشروعة، لكنه ينجح في الاستفادة منها لأنه «شبح»، وهي كلمة من اللغة الجديدة تصف نوعًا من الشجاعة ينبع من عدم وجود ما يخاف عليه الشخص ويود البقاء من أجله.

وحلل الباحث الظاهرة من كل جوانبها، وقال إنه إلى جوار ذلك النموذج الجديد، تم استدعاء مكونات ثقافية على هامش التيار العام.

راقصة من قناة «التت»، حيث تختزل جماليات التعبير الحركي في الرقص الشرقي ليتماهى تمامًا مع جوهره الإيروتيكي حيث الراقصة الجيدة هي من تملك القدرة الأوفر على إثارة الجمهور جنسيًا.

مرة أخرى، في 2012، طرقت موسيقى «المهرجان» أسماع الطبقات التقليدية في المجتمع المصري عبر حملة موبينيل الإعلانية الأكثر نجاحًا «مع بعض».

لم تعد الطبقات التقليدية تملك الآن أن تغلق النوافذ لكي لا تسمع موسيقى الهامش كما سبق أن فعلت مع أغاني مطربي الهامش كمحمود الحسيني والعيسوي وحمدي بتشان في الأفراح الشعبية.

على خلاف المهمشين القدامى، نجح المهمشون الجدد في أن يسوّروا هامشهم بثقافة خاصة.

استعير الوصف التاريخي للفئة التي رمزت إلى البروليتاريا الرثة في قاهرة الأربعينيات، وهم جامعو أعقاب السجائر، لوصف ثقافة الهامش الجديد. أولئك كانوا «سبرسجية»، وهؤلاء «سرسجية».

عبرت منظومة القيم في الثقافة الجديدة عن «إرادة القوة» عند هؤلاء المهمشين، ثم تركيز مستمر على فكرة القوة، ظهر بقوة في مهرجان «أولاد سليم اللبانين».

تحديدًا تظهر القوة في تلك الثقافة بوصفها «شبحنة»؛ أي، كما سبق أن ذكرنا، نوع من خاص من الشجاعة قائم على الاستهتار بأسباب رغبة البقاء.

وصلت المهرجانات عبر إعلانات شركات المحمول (مهرجان «لأ لأ» وصل عبر حملة إعلانية لأورانج، بينما مر مهرجان «العب يلا» عبر إعلان اتصالات)، وتم استيعاب «أولاد سليم اللبانين» من إنتاج «السبكي».

ولد نموذج الشبح من رحم السينما، وتم تشذيب محمد رمضان لتعميده بين النخبة الفنية سريعًا.

فبعد التراجيديا العنيفة والمتفجرة في وجه المجتمع في «عبدة موتة» و«ابن حلال»، جاء «شد أجزاء» و«الكنز» ليعيد الأمور إلى نصابها (حذف مسلسل «الأسطورة» كل معنى نقدي واجتماعي في «ابن حلال»، وأبقى فقط على المبالغات المرتبطة بثقافة السرسجية).

وقالت الدراسة، وفجأة، صعد حمو بيكا ومجدي شطة من الخارج، لا كليبات في قنوات الأغاني الشعبية، ولا إعلانات تقدم مهرجاناتهم.

لم يخضعا إلى الفلترة كما خضع أوكا وأورتيجا وكاريكا.

ظهرا بكامل الإخلاص لثقافة السرسجية، ومن خارج القنوات الرسمية.

لم يدع الهامش فرصة تلك المرة للمتن لكي يخفي وجوده في الصفحة.

تقدم «السبكى» لاحتواء فوائض الهامش الجديدة، انزعج هاني شاكر، مبعوث التسعينيات السعيدة، وربما المملة، فاستخدم سيف السلطة ليلغي حفل «بيكا».

حدث ما حدث، لكن التيار العام استيقظ مرة أخرى على الهامش المنسي، ربما عمدًا، وعالمه الخاص الذي ينتظر الجمهور فيه مجهولين: «مجدي شطة في حفلة حمو بيكا»، عبارة أشبه بالطلاسم.