رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مؤتمرات «الأزهر والأوقاف والإفتاء».. صراع على تجديد الخطاب الدينى وإرضاء «السيسي»

السيسي والطيب وجمعة
السيسي والطيب وجمعة - أرشيفية


تُعد المؤسسات الدينية الثلاث متمثلة في الأزهر والإفتاء ووزارة الأوقاف، الأكثر إقامة للمؤتمرات الدولية على مدار الأربع سنوات الماضية، عقب دعوة الرئيس السيسي في الأول من يناير عام 2015 بـ«تجديد الخطاب الديني»، وسعيًا نحو تنفيذ تلك الدعوة لجأت تلك المؤسسات إلى إقامة المؤتمرات الدولية، ظنًا منها أن ذلك هو الطريق الوحيد والفعال لمواجهة الجماعات الإرهابية، وكسب ثقة الرئيس ولعب دور عالمي، ولهذا أقامت المؤسسات ما يقرب من «25» مؤتمرًا دوليًا بالقاهرة، أنفق عليها ما يقرب من «20» مليون جنيه، وكان آخر تلك المؤتمرات، وهو المؤتمر العالمى الرابع للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، المنعقد تحت مظلة دار الإفتاء المصرية، ورعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي استمرت أعماله على مدار 3 أيام من 16 وحتى 18 أكتوبر الماضى، تحت عنوان «التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق»، وهو المؤتمر الذى تقود مصر من خلاله قاطرة تجديد الفتوى في العالم الإسلامى بحضور أكثر من 73 وفدًا من مختلف دول العالم، بحضور ممثلين عن دول لديها أزمات وصراع داخلي مع الجماعات الإرهابية، حيث كان من الحضور وفود من تشاد والصومال واليمن وليبيا.


ويبدو أنّ الصراع بين المؤسسات الدينية الرسمية في مصر، الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء، حول تطوير الخطاب الديني، وسعي كل منها إلى إظهار أنها الأجدر بقيادة الملف، انعكس على طبيعة المؤتمرات الدينية التي تقام بين حين وآخر، وكانت كل جهة تردّ على الأخرى بطريقتها الخاصة، بينما يخرج كل مؤتمر بمجموعة من التوصيات غالبا لا تنفّذ على الأرض.


ويعد الأزهر الشريف الأكثر تنظيمًا للمؤتمرات حيث نظم ما يقرب من 14 مؤتمرًا، دعت جميعها إلى تجديد الخطاب الديني، وتوحيد الفتوى ولكن مازال الملف «محلك سر»؛ بل إن هناك دولًا إسلامية في شرق آسيا ترفض عملية توحيد الفتوى، والأخذ بفتاوى الأزهر كونه المرجعية الدينية الوحيدة للعالم السني.


كما نظمت دار الإفتاء عددًا من المؤتمرات من بينها حماية حقوق المرأة والحفاظ على ثوابت الدين، ورغم ذلك نجد هناك تراجعا كبيرا في حقوق المرأة وخاصة قضية الطلاق، ودولة مثل تونس ترفض الانصياع لتوصيات مؤتمرات الإفتاء التي شاركت فيها ومنها السماح بتقسيم الميراث بالتساوي بين الرجل والمرأة.


أما وزارة الأوقاف فمنذ وصل الوزير مختار جمعة لمنصبه وهو حريص على إقامة أكثر من مؤتمر خلال العام الواحد أبرزهم مؤتمر المجلس الأعلى لـ«الشؤون الإسلامية»، والملاحظ أن جميعها دارت في فلك واحد، إما البحث عن طريقة لتجديد الخطاب الديني، أو وضع حلّ لمواجهة تمدد الفكر التكفيري والتشدد الديني ومحاربة الإرهاب، ولم تخلُ المؤتمرات من إبراز الصراع القائم بين المؤسستين.


والملاحظ فى مؤتمرات المؤسسات الدينية أنه دائمًا لا يحضرها قياداتها، فشيخ الأزهر لا يحضر مؤتمرات الإفتاء والأوقاف ونفس الأمر بالنسبة لـ«وزير الأوقاف» لا يحضر مؤتمرات الأزهر، وكانت قمة الخلاف بين تلك المؤسسات ما حدث في مؤتمر كان نهاية شهر فبراير الماضي أقامه الأزهر حول تعزيز المواطنة كأساس لمواجهة التطرف، ولم يتم تخصيص كلمة لـ«مختار جمعة»، خلال المؤتمر برغم حضوره نيابة عن شريف إسماعيل رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، ما أثار غضب الوزير وأعاد إلى المشهد الصراع التقليدي بين الأزهر والأوقاف حول العديد من القضايا الدينية ومن له الكلمة العليا فيها.


لم تصمت «الأوقاف» على تجاهل الأزهر لوزيرها، فأقامت مؤتمرًا للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، حول دور القادة وصانعي القرار في مواجهة الإرهاب، ورفضت تخصيص كلمة لـ«أحمد الطيب» شيخ الأزهر، ووجهت إليه الدعوى للحضور فقط، ما دفعه للرد على ذلك بتجاهل المشاركة في المؤتمر ولم يرسل كالمعتاد وكيله فى ذلك الوقت، عباس شومان.


تكرر الأمر، بعدما عقد الأزهر مؤتمره الدولي الثاني خلال أسبوعين فقط، حول تجديد الخطاب الديني بين دقة الفهم وتصحيح المفاهيم، الذي نظمته كلية الدراسات الإسلامية، ولم يدع إليه وزير الأوقاف، بل إنّ «الطيب» قال خلال كلمته التي ألقاها نيابة عنه وكيله فى ذلك الوقت عباس شومان إن «الأزهر ماضٍ في استعادة الخطاب الديني من خاطفيه على الموائد الدعوية»، ما يؤكد كيف تحولت مؤتمرات الأزهر لصراع بين قياداته حول ملف الخطاب الديني وكسب ثقة السيسي.


واستخدم «الطيب» المؤتمر ذاته منصة للهجوم على من ينتقدون أو يحاولون وضع إطار جديد لإصلاحه، حينما ذكر أن «أزمة الخطاب الديني ليست في مناهج الأزهر، إنما تكمن في الأداء المنفلت الذي يمارسه البعض والتطفل على الموائد الدعوية من قبل البعض من غير المتخصصين وأن الأزهر ماض في طريقه ولا يلتفت لمن يحاولون النيل منه والعبث بقوانينه».


ويرى مراقبون أن تحوّل المؤتمرات الدينية إلى استعراض للعضلات بين الأزهر والأوقاف يفرغها من مضمونها ويجعل قضية تجديد الخطاب الديني ومواجهة التطرف والإرهاب قابعة عند نقطة واحدة لا تتحرك، لا سيما وأن كل طرف يستغل مؤتمره للدفاع عن نفسه من الاتهامات الموجهة إليه بالتقصير في ملف التطرف وتجديد الخطاب.


ويقول هؤلاء إن المؤسسات الدينية أصبحت تتسارع لإثبات نفسها كقوة دينية أمام الرئيس يمكن الاعتماد عليها في مسألة تجديد الخطاب الديني تحديدًا، باعتبار أن هذا الملف يرعاه رئيس الدولة بشكل رسمي، وبالتالي فإنهم يستخدمون المؤتمرات المتكررة أداة لإظهار قوتهم في حشد علماء الدول الإسلامية إلى مصر لمناقشة هذا الملف.


ويقول هؤلاء الباحثون إن المؤتمرات الدينية وإن كانت تركز على قضايا مصيرية وضرورية، إلا أن الجهات التي تنظمها تبدو عاجزة عن إصلاح نفسها أولًا قبل أن تتوجه بإصلاح الأطراف البعيدة عنها ما يشكك في مصداقيتها أمام المجتمع، حيث إن كل مؤسسة لا ترى السلبيات الموجودة بداخلها، التي إن جرى مواجهتها بشجاعة سوف يتم البدء في عملية التجديد على الأرض.


الأزهر يدافع في كل مؤتمراته عن مناهجه التي يدرّسها للطلاب وينفي عنها (المناهج) تهمة تخريج متشددين دينيا وفكريًا، ويدافع عنها بدعوى الحفاظ على التراث، ولكن ترى اللجنة الدينية في مجلس النواب ترى ضرورة تنقيح هذه المناهج لكن الأزهر يدافع عنها باستماتة في كل مؤتمراته.


أما وزارة الأوقاف، فهى ترى أن رؤيتها بشأن طريقة إدارة المساجد وفرض خطبة موحدة لموضوع واحد يجري تناوله على مستوى المحافظات كل يوم جمعة، هو السبيل لمنع استغلال المنابر في قضايا سياسية وأن ذلك هو نقطة البداية في التجديد، برغم تحذير الكثير من علماء الدين والوسطيين من أنّ ذلك سوف يجعل البعض يلجأ إلى منابر التيارات السلفية بعدما جرى تفريغ الخطبة في مساجد الأوقاف من مضمونها.


في حين أنّ دار الإفتاء التي تحاول إرضاء الأزهر والأوقاف وتقف على مسافة واحدة من الطرفين لتجنب أن تحسب على مؤسسة بعينها، فإنها تريد من خلال مؤتمراتها تقديم نوع جديد من التجديد من خلال تشكيل لجان فتاوى بالمحافظات أحيانا ما تتعارض فتاواها مع فتاوى الأزهر ودار الإفتاء نفسها.